وَمِثَالُ هَذَا الْأَصْلِ اعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي بِأَلْفِ دِرْهَمٍ أَنَّهُ يَتَضَمَّنُ الْبَيْعُ مُقْتَضَى الْعِتْقِ وَشَرْطٌ لَهُ حَتَّى يَثْبُتَ بِشُرُوطِ الْعِتْقِ لَمَّا كَانَ تَابِعًا لَهُ وَلَوْ جُعِلَ بِمَنْزِلَةِ الْمَذْكُورِ كَمَا قَالَ الْخَصْمُ لَثَبَتَ بِشُرُوطِ نَفْسِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَكَذَا لَوْ كَانَ خَاصًّا.
قَوْلُهُ (وَمِثَالُ الْأَصْلِ) أَيْ نَظِيرُ هَذَا الْأَصْلِ وَهُوَ الْمُقْتَضَى. وَكَأَنَّهُ ذَكَرَ لَفْظَ الْأَصْلِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّهُ مِثَالُ الْعُمُومِ. أَوْ مَعْنَاهُ مِثَالُ الْمُقْتَضَى إذْ هُوَ الْأَصْلُ لِلْمُقْتَضَى قَوْلُ الرَّجُلِ لِغَيْرِهِ كَذَا. أَنَّهُ أَيْ هَذَا الْكَلَامُ الَّذِي هُوَ طَلَبُ الْإِعْتَاقِ، يَتَضَمَّنُ الْبَيْعُ مُقْتَضَى الْعِتْقِ أَيْ ضَرُورَةُ صِحَّةِ الْإِعْتَاقِ؛ لِأَنَّهُ مُتَوَقِّفٌ عَلَى الْمِلْكِ وَالْمِلْكُ عَلَى الْبَيْعِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لِتَعَيُّنِهِ سَبَبًا لَهُ بِدَلَالَةِ قَوْلِهِ عَلَى أَلْفٍ. وَشَرْطًا لَهُ يَعْنِي يَثْبُتُ الْبَيْعُ مُتَقَدِّمًا عَلَى الْإِعْتَاقِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الشَّرْطِ لِتَوَقُّفِ صِحَّةِ الْإِعْتَاقِ عَلَيْهِ.
قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَهَذَا الْمُقْتَضَى ثَبَتَ مُتَقَدِّمًا وَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ وَصْفٌ فِي الْمَحِلِّ وَالْمَحَلُّ لِلتَّصَرُّفِ كَالشَّرْطِ فَكَذَا إمَّا يَكُونُ وَصْفًا لِلْمَحَلِّ وَلَمَّا كَانَ شَرْطًا كَانَ تَبَعًا إذْ الشُّرُوطُ اتِّبَاعٌ فَيَثْبُتُ بِشُرُوطِ الْعِتْقِ لَا بِشُرُوطِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ إذَا ثَبَتَ تَبَعًا يُعْتَبَرُ فِيهِ شَرَائِطُ الْمَتْبُوعِ إظْهَارًا لِلتَّبَعِيَّةِ كَالْعَبْدِ يَصِيرُ مُقِيمًا وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الْإِقَامَةِ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ مِنْ الْمَوْلَى وَكَذَا الْجُنْدِيُّ بِنِيَّةِ السُّلْطَانِ وَالْمَرْأَةُ بِنِيَّةِ الزَّوْجِ فَيُعْتَبَرُ فِي الْآمِرِ أَهْلِيَّةُ الْإِعْتَاقِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لَهُ بِأَنْ كَانَ صَبَبًا عَاقِلًا قَدْ أَذِنَ لَهُ وَلِيُّهُ فِي التَّصَرُّفَاتِ لَمْ يَثْبُتْ الْبَيْعُ بِهَذَا الْكَلَامِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقَبُولُ وَلَا يَثْبُتُ فِيهِ خِيَارُ الْعَيْبِ وَالرُّؤْيَةِ.
وَلَوْ جُعِلَ أَيْ الْمُقْتَضَى بِمَنْزِلَةِ الْمَذْكُورِ صَرِيحًا كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ لَثَبَتَ بِشُرُوطِ نَفْسِهِ أَيْ اُعْتُبِرَ فِيهِ أَهْلِيَّةُ الْبَيْعِ لَا غَيْرَ وَشُرِطَ فِيهِ الْقَبُولُ وَثَبَتَتْ فِيهِ الْخِيَارَانِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ صَرَّحَ الْمَأْمُورُ بِالْبَيْعِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِأَنْ قَالَ بِعْته مِنْك بِالْأَلْفِ وَأَعْتَقْته لَمْ يَجُزْ عَنْ الْآمِرِ؛ لِأَنَّهُ مَا أَمَرَهُ بِبَيْعِهِ مَقْصُودًا وَإِنَّمَا أَمَرَهُ بِبَيْعٍ ثَابِتٍ ضَرُورَةَ الْعِتْقِ، فَإِذَا أَتَى بِهِ مَقْصُودًا لَمْ يَأْتِ بِمَا أَمَرَهُ بِهِ فَتَوَقَّفَ عَلَى الْقَبُولِ فَإِذَا أَعْتَقَهُ قَبْلَ الْقَبُولِ وَقَعَ عَنْ نَفْسِهِ وَلَمْ يَقَعْ عَنْ الْأَمْرِ فَتَبَيَّنَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُقْتَضَى لَيْسَ كَالْمَنْصُوصِ فِيمَا وَرَاءَ مَوْضِعِ الْحَاجَةِ.
وَفِي هَذَا الْمِثَالِ خِلَافُ زُفَرَ فَإِنَّهُ قَالَ: يَقَعُ الْعِتْقُ فِي قَوْلِهِ أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي بِأَلْفِ دِرْهَمٍ عَنْ الْمَأْمُورِ فَيَكُونُ الْوَلَاءُ لَهُ وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّ أَمْرَهُ بِالْإِعْتَاقِ عَنْهُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَهُ إلَى عَبْدِ غَيْرِهِ وَعَبْدُ غَيْرِهِ لَا يَحْتَمِلُ أَنْ يُعْتَقَ عَنْهُ بِحَالٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا عِتْقَ فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ ابْنُ آدَمَ» وَلَا يَجُوزُ إضْمَارُ التَّمْلِيكِ هَهُنَا؛ لِأَنَّ الْإِضْمَارَ لِتَصْحِيحِ الْمُصَرَّحِ بِهِ لَا لِإِبْطَالِهِ، وَإِذَا أَضْمَرَ التَّمْلِيكَ صَارَ مُعْتِقًا عَبْدَ الْآمِرِ لَا عَبْدَ نَفْسِهِ.
وَلِأَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَهُ عَنْ نَفْسِهِ بِنَفْسِهِ لَمْ يَنْفُذْ فَلَأَنْ لَا يَنْفُذَ بِأَمْرِهِ أَوْلَى وَكَانَ هَذَا كَمَا لَوْ قَالَ لِآخَرَ: بِعْ عَبْدَك عَنِّي مِنْ فُلَانٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ أَوْ آجِرْهُ عَنِّي مِنْ فُلَانٍ بِكَذَا أَوْ كَاتِبْهُ بِكَذَا فَفَعَلَ لَا يَصِحُّ وَلَا يَقَعُ عَنْ الْآمِرِ فَكَذَا هَهُنَا.
وَفِي الِاسْتِحْسَانِ صَحَّ هَذَا الْأَمْرُ؛ لِأَنَّهُ صَدَرَ مِنْ أَهْلِ الْإِعْتَاقِ إلَى مَنْ هُوَ أَهْلُهُ أَيْضًا وَأَمْكَنَ إثْبَاتُ الْمَطْلُوبِ بِإِثْبَاتِ شَرْطِهِ فَوَجَبَ إثْبَاتُهُ تَصْحِيحًا لِكَلَامِهِ كَمَا إذَا بَاعَ الْمُكَاتَبَ بِرِضَاهُ أَوْ بَاعَ شَيْئًا بِأَلْفٍ، ثُمَّ بَاعَهُ بِأَلْفَيْنِ مِنْ ذَلِكَ الْمُشْتَرِي أَوْ بِخَمْسِمِائَةٍ يَنْفَسِخُ الْكِتَابَةُ وَالْبَيْعُ الْأَوَّلُ تَصْحِيحًا لِلتَّصَرُّفِ الثَّانِي.
وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ مَحَلٌّ لِحُلُولِ الْعِتْقِ وَالْمِلْكُ الَّذِي هُوَ شَرْطُ النَّفَاذِ وَصْفٌ لَهُ وَالْمُحَالُ بِصِفَاتِهَا شُرُوطٌ وَالشُّرُوطُ اتِّبَاعٌ وَكُلُّ مَتْبُوعٍ يَقْتَضِي تَبِعَةً لَا مَحَالَةَ كَالْأَمْرِ بِالصَّلَاةِ وَالنَّذْرِ بِهَا أَمْرٌ بِالطَّهَارَةِ وَنَذْرُهَا لِأَنَّهَا شَرْطٌ، وَكَذَا النَّذْرُ بِالِاعْتِكَافِ نَذْرٌ بِالصَّوْمِ وَكَذَا اسْتِئْجَارُ