مَعَهُ.

فَأَمَّا الْجُرْحُ عَلَى الْبَدَنِ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ إنَّمَا الْبَدَنُ وَسِيلَةٌ فَمَا يَقُومُ بِغَيْرِ الْوَسِيلَةِ كَانَ أَكْمَلَ وَالْجَوَابُ لِأَبِي حَنِيفَةَ عَنْ هَذَا أَنَّ مَعْنَى الْجِنَايَةِ هُوَ مَا لَا تُطِيقُ النَّفْسُ احْتِمَالَهُ لَكِنَّ الْأَصْلَ فِي كُلِّ فِعْلٍ الْكَمَالُ وَالنُّقْصَانُ بِالْعَوَارِضِ فَلَا يَجِبُ النَّاقِصُ أَصْلًا بَلْ الْكَامِلُ يُجْعَلُ أَصْلًا، ثُمَّ تَعَدَّى حُكْمُهُ إلَى النَّاقِصِ إنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ مَا يَثْبُتُ بِالشُّبُهَاتِ، فَأَمَّا أَنْ يُجْعَلَ النَّاقِصُ أَصْلًا خُصُوصًا فِيمَا يُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ فَلَا

ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقِصَاصُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: يَجِبُ الْقِصَاصُ وَهَذَا إذَا لَمْ يَجْرَحْ فَإِنْ جَرَحَ الْحَجَرُ أَوْ الْخَشَبُ فَإِنَّ الْقِصَاصَ يَجِبُ بِالِاتِّفَاقِ. وَفِي الْحَدِيدِ يَجِبُ الْقَوَدُ جَرَحَ أَوْ لَمْ يَجْرَحْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ.

وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ إذَا قَتَلَهُ جَرْحًا يَجِبُ الْقَوَدُ بِأَيِّ آلَةٍ كَانَتْ وَإِنْ لَمْ يَجْرَحْ لَا يَجِبُ الْقَوَدُ بِأَيِّ آلَةٍ كَانَتْ.

قَالُوا: إنَّا نَعْلَمُ أَنَّ الْقِصَاصَ وَجَبَ عُقُوبَةً يَعْنِي بَعْدَمَا ارْتَكَبَ الْجِنَايَةَ وَزَجْرًا عَنْ انْتِهَاكِ حُرْمَةِ النَّفْسِ وَصِيَانَةَ حَيَاتِهَا يَعْنِي قَبْلَ ارْتِكَابِ الْجِنَايَةِ فَإِنَّ شَرْعَهُ زَاجِرٌ عَنْ مُبَاشَرَةِ الْقَتْلِ عَلَى مَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة: 179] وَانْتِهَاكُ الْحُرْمَةِ تَنَاوُلُهَا بِمَا لَا يَحِلُّ، كَذَا فِي الصِّحَاحِ.

وَانْتِهَاكُ حُرْمَتِهَا إنَّمَا يَحْصُلُ بِمَا لَا تُطِيقُ النَّفْسُ احْتِمَالَهُ وَلَا تَبْقَى مَعَهُ؛ لِأَنَّهَا إذَا تَلِفَتْ بِذَلِكَ فَقَدْ اُنْتُهِكَتْ حُرْمَتُهَا. فَأَمَّا الْجُرْحُ عَلَى الْبَدَنِ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ يَعْنِي فِي تَعَلُّقِ الْعُقُوبَةِ، إنَّمَا الْبَدَنُ أَيْ الْجُرْحُ عَلَى الْبَدَنِ وَسِيلَةٌ إلَى الْجِنَايَةِ عَلَى النَّفْسِ وَانْتِهَاكِ حُرْمَتِهَا بِاعْتِبَارِ السِّرَايَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُشِرْ إلَى النَّفْسِ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ فِيمَا يَكُونُ بِغَيْرِ وَسِيلَةٍ كَانَ أَكْمَلَ فَمَا يَكُونُ جِنَايَةً عَلَى النَّفْسِ بِغَيْرِ وَسِيلَةٍ وَهُوَ الْقَتْلُ بِحَجَرِ الرَّحَى وَالْأُسْطُوَانَة الْعَظِيمَةِ مَثَلًا كَانَ أَكْمَلَ فِي الْجِنَايَةِ مِنْ الْجُرْحِ لِأَنَّ مَا لَا يَلْبَثُ وَلَا تُطِيقُ النَّفْسُ احْتِمَالَهُ مُزْهِقٌ لِلرُّوحِ بِنَفْسِهِ وَالْفِعْلُ الْجَارِحُ مُزْهِقٌ لَهُ بِوَاسِطَةِ الْجِرَاحَةِ فَالْجُرْحُ وَسِيلَةٌ يُتَوَصَّلُ بِهَا إلَى إزْهَاقِ الرُّوحِ وَمَا يَكُونُ عَامِلًا بِنَفْسِهِ أَبْلَغُ مِمَّا يَكُونُ عَامِلًا بِوَاسِطَةِ السِّرَايَةِ.

وَلَمَّا كَانَ هَذَا أَتَمَّ فِي الْمَعْنَى الْمُعْتَبَرِ وَهُوَ عَدَمُ احْتِمَالِ الْبِنْيَةِ يَثْبُتُ الْحُكْمُ فِيهِ بِالدَّلَالَةِ كَمَا فِي الضَّرْبِ مَعَ التَّأْفِيفِ وَكَمَا يَثْبُتُ فِي الْقَتْلِ بِالرُّمْحِ وَالسِّكِّينِ وَالنُّشَّابَةِ بِالدَّلَالَةِ.

يُوَضِّحُ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ هُنَاكَ قَدْ يَجِبُ الْقِصَاصُ بِفِعْلٍ لَا يَكُونُ قَتْلًا لَا مَحَالَةَ، كَقَطْعِ الْأُصْبُعِ وَالْغَرْزِ بِالْإِبْرَةِ وَالضَّرْبِ بِسِنْجَاتِ الْمِيزَانِ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ فَلَمَّا وَجَبَ الْقِصَاصُ بِهَذَا الْفِعْلِ وَأَنَّهُ قَدْ يَحْصُلُ بِهِ الْقَتْلُ، وَقَدْ لَا يَحْصُلُ فَلَأَنْ يَجِبَ بِإِلْقَاءِ حَجَرِ الرَّحَى أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَا يُرْجَى مَعَهُ الْحَيَاةُ أَصْلًا.

وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ قُطَّاعَ الطَّرِيقِ لَوْ قَتَلُوا بِالْحَدِيدِ وَبِالْحَجَرِ يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْقَتْلُ وَلَا شَكَّ أَنَّ وُجُوبَ الْقَتْلِ عَلَى قَاطِعِ الطَّرِيقِ يَتَعَلَّقُ بِالْقَتْلِ كَالْقِصَاصِ، ثُمَّ لَمْ يَقَعْ الْفَرْقُ فِيهِ بَيْنَ الْحَدِيدِ وَغَيْرِهِ وَبَيْنَ الْجُرْحِ وَالدَّقِّ، فَكَذَلِكَ هَهُنَا، كَذَا فِي طَرِيقَةِ الْإِمَامِ الْبُرْغَرِيِّ.

وَالْجَوَابُ لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ هَذَا الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَاهُ أَنَّا قَدْ سَلَّمْنَا أَنَّ مَعْنَى الْجِنَايَةِ هُوَ مَا لَا تُطِيقُ النَّفْسُ احْتِمَالَهُ.

لَكِنَّ الْأَصْلَ فِي كُلِّ فِعْلٍ الْكَمَالُ يَعْنِي إذَا صَارَ الْحُكْمُ مُرَتَّبًا عَلَى شَيْءٍ فَالِاعْتِبَارُ فِيهِ لِلْكَامِلِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ لِلنَّاقِصِ شُبْهَةُ الْعَدَمِ، ثُمَّ إنْ كَانَ ذَلِكَ الْحُكْمُ مِنْ جِنْسِ مَا يَثْبُتُ مَعَ الشُّبُهَاتِ يَلْحَقُ النَّاقِصُ بِالْكَامِلِ وَيَثْبُتُ الْحُكْمُ فِيهِ كَمَا يَثْبُتُ فِي الْكَامِلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَا يَلْحَقُ النَّاقِصُ بِالْكَامِلِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ لَهُ شُبْهَةَ الْعَدَمِ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ مَا لَا يَثْبُتُ مَعَ الشُّبْهَةِ.

فَالْأَصْلُ فِي الزِّنَا وُقُوعُهُ فِي مَحَلٍّ مُحْتَرَمٍ خَالٍ عَنْ الْمِلْكِ وَعَنْ شُبْهَةِ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْكَامِلُ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى ذَلِكَ الْمَحِلِّ، ثُمَّ تَعَدَّى أَحَدُ حُكْمَيْهِ وَهُوَ الْحُرْمَةُ إلَى مَا هُوَ نَاقِصٌ فِي مَعْنَى الْجِنَايَةِ وَهُوَ مَوَاضِعُ الشُّبْهَةِ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ تَثْبُتُ مَعَ الشُّبْهَةِ وَلَمْ يَتَعَدَّ الْحُكْمُ الْآخَرُ وَهُوَ وُجُوبُ الْحَدِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ مَعَ الشَّبَهِ.

وَكَذَا الْأَصْلُ فِي ثُبُوتِ حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ مَعْنَى الْجُزْئِيَّةِ وَالْبَعْضِيَّةِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015