«لَا قَوَدَ إلَّا بِالسَّيْفِ» وَأَرَادَ بِهِ الضَّرْبَ بِالسَّيْفِ وَلِهَذَا الْفِعْلِ مَعْنًى مَقْصُودٌ وَهُوَ الْجِنَايَةُ بِالْجُرْحِ وَمَا يُشْبِهُهُ

ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ الشَّيْءِ بَعْدَمَا كَانَ حَاضِرًا فِي الذِّهْنِ، وَصُورَةُ كُلِّ شَيْءٍ تَنَاسُبُهُ.

وَمَعْنَاهُ وَهُوَ أَنَّهُ أَيْ النَّاسِيَ مَدْفُوعٌ إلَيْهِ خِلْقَةً أَيْ وَاقِعٌ فِيهِ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارٍ. وَلَمْ يَذْكُرْ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ لَفْظَ الصُّورَةِ.

فَقَالَ: النِّسْيَانُ مَعْنًى مَعْلُومٌ لُغَةً وَهُوَ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ طَبْعًا عَلَى وَجْهٍ لَا صُنْعَ لَهُ فِيهِ وَلَا لِأَحَدٍ مِنْ الْعِبَادِ. فَكَانَ ذَلِكَ أَيْ عُذْرُ النِّسْيَانِ، فَأُضِيفَ أَيْ الْفِعْلُ وَهُوَ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ بِسَبَبِ هَذَا الْعُذْرِ إلَى صَاحِبِ الْحَقِّ فَصَارَ عَفْوًا.

هَذَا مَعْنَى النِّسْيَانِ لُغَةً وَهُوَ كَوْنُهُ مَطْبُوعًا عَلَيْهِ يَعْنِي كَوْنَ النَّاسِي مَطْبُوعًا عَلَى النِّسْيَانِ يُفْهَمُ لُغَةً مِنْ النِّسْيَانِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَوْضُوعًا لَهُ كَالْإِيذَاءِ مِنْ التَّأْفِيفِ إذْ لَا حَاجَةَ فِي فَهْمِهِ إلَى اجْتِهَادٍ وَاسْتِنْبَاطٍ بَلْ يَعْرِفُهُ كُلُّ أَحَدٍ فَعَمِلْنَا بِهَذَا الْمَعْنَى وَهُوَ أَنَّهُ مَدْفُوعٌ إلَيْهِ طَبْعًا فِي نَظِيرِهِ أَيْ نَظِيرِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْجِمَاعُ فَكَانَ الْحُكْمُ ثَابِتًا فِيهِ بِالدَّلَالَةِ لَا بِالْقِيَاسِ لِمَا عُرِفَ أَنَّ الْمَعْدُولَ بِهِ عَنْ الْقِيَاسِ لَا يُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ.

قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو زَيْدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْجِمَاعُ بِمَنْزِلَةِ الْأَكْلِ فِي مُنَافَاةِ رُكْنِ الصَّوْمِ أَوْ دُونِهِ فَلَا يَبْقَى مُنَافِيًا مَعَ النِّسْيَانِ اسْتِدْلَالًا بِالْأَكْلِ.

فَإِنْ قِيلَ هُمَا مُتَفَاوِتَانِ أَيْ الْمَنْصُوصُ وَالْجِمَاعُ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ يُحْوِجُهُ إلَى ذَلِكَ أَيْ إلَى الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ شُرِعَ فِي وَقْتِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَوَقْتُ الْأَسْبَابِ الْمُفْضِيَةِ إلَى الْأَكْلِ وَالصَّوْمُ يَزِيدُ فِي شَهْوَتِهِ فَيُبْتَلَى الْإِنْسَانُ فِيهِ بِالنِّسْيَانِ غَالِبًا وَلَا يَحُوجُهُ إلَى الْمُوَاقَعَةِ؛ لِأَنَّ النَّهَارَ لَيْسَ بِوَقْتٍ لِلْجِمَاعِ عَادَةً وَلِلصَّوْمِ أَثَرٌ فِي إزَالَةِ هَذِهِ الشَّهْوَةِ فَإِنَّ الصَّوْمَ وِجَاءٌ عَلَى مَا نَطَقَ بِهِ النَّصُّ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ» . فَكَانَ النِّسْيَانُ فِيهِ مِنْ النَّوَادِرِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَلْحَقَ بِالْمَنْصُوصِ؛ لِأَنَّهُ دُونَهُ. وَصَارَ أَيْ الْجِمَاعُ نَاسِيًا فِي الصَّوْمِ كَالنِّسْيَانِ فِي الصَّلَاةِ أَيْ مِثْلُ الْأَكْلِ نَاسِيًا فِي الصَّلَاةِ حَيْثُ لَمْ يُجْعَلْ عَفْوًا؛ لِأَنَّهُ نَادِرٌ فَكَذَا هَذَا. وَبِمَا ذَكَرْنَا تَمَسَّكَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَجَعَلَ النِّسْيَانَ عُذْرًا فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ بِالنَّصِّ وَلَمْ يَجْعَلْهُ عُذْرًا فِي الْجِمَاعِ. وَالْجَوَابُ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ.

وَأَجَابَ الشَّيْخُ فِي بَعْضِ مُصَنَّفَاتِهِ هَذِهِ الْعِبَارَةَ وَهِيَ أَنَّ لِلْأَكْلِ غَلَبَةَ الْوُجُودِ مِنْ حَيْثُ عُمُومُ السَّبَبِ وَلِلْجِمَاعِ غَلَبَةَ الْوُجُودِ مِنْ حَيْثُ ذَاتُ الْفِعْلِ؛ لِأَنَّ الشَّهْوَةَ إذَا غَلَبَتْ لَا يَقْدِرُ الْإِنْسَانُ أَنْ يَمْنَعَ نَفْسَهُ عَنْ الْجِمَاعِ لِوُجُودِ الدَّاعِي فِي الْفَاعِلِ وَالْمَحَلِّ فَثَبَتَ أَنَّ لِلْجِمَاعِ غَلَبَةَ الْوُجُودِ مِنْ حَيْثُ ذَاتِهِ وَلِلْأَكْلِ مِنْ حَيْثُ أَسْبَابِهِ فَلَا يَكُونُ عَيْنُ الْأَكْلِ غَالِبًا فِي ذَاتِهِ فَالْغَلَبَةُ الَّتِي تَنْشَأُ مِنْ الذَّاتِ فَوْقَ مَا تَنْشَأُ مِنْ السَّبَبِ فَلَمَّا عُفِيَ عَنْهُ فَلَأَنْ يُعْفَى عَنْ الْجِمَاعِ كَانَ أَوْلَى.

وَذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ قَدْ ثَبَتَ بِالنَّصِّ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَ الْأَكْلِ وَالْجِمَاعِ فِي حُكْمِ الصَّوْمِ فَإِذَا وَرَدَ نَصٌّ فِي أَحَدِهِمَا كَانَ وَارِدًا فِي الْآخَرِ كَمِنْ يَقُولُ لِغَيْرِهِ: اجْعَلْ زَيْدًا وَعَمْرًا فِي الْعَطِيَّةِ سَوَاءً، ثُمَّ يَقُولُ: أَعْطِ زَيْدًا دِرْهَمًا كَانَ ذَلِكَ تَنْصِيصًا عَلَى أَنَّهُ يُعْطِي عَمْرًا أَيْضًا دِرْهَمًا وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -.

«لَا قَوَدَ، إلَّا بِالسَّيْفِ» .

يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا لَا قَوَدَ يُسْتَوْفَى إلَّا بِالسَّيْفِ.

وَالثَّانِي: لَا قَوَدَ يَجِبُ إلَّا بِالْقَتْلِ بِالسَّيْفِ؛ لِأَنَّ لِلْقِصَاصِ طَرَفَيْنِ طَرَفُ الِاسْتِيفَاءِ وَطَرَفُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015