مَا اشْتَبَهَ مَعْنَاهُ وَخَفِيَ مُرَادُهُ بِعَارِضٍ غَيْرِ الصِّيغَةِ لَا يُنَالُ إلَّا بِالطَّلَبِ، وَذَلِكَ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ اخْتَفَى فُلَانٌ أَيْ اسْتَتَرَ فِي مِصْرِهِ بِحِيلَةٍ عَارِضَةٍ مِنْ غَيْرِ تَبْدِيلٍ فِي نَفْسِهِ فَصَارَ لَا يُدْرَكُ إلَّا بِالطَّلَبِ وَذَلِكَ مِثْلُ النَّبَّاشِ وَالطَّرَّارِ، وَهَذَا فِي مُقَابَلَةِ الظَّاهِرِ
ثُمَّ الْمُشْكِلُ، وَهُوَ الدَّاخِلُ فِي إشْكَالِهِ وَأَمْثَالُهُ مِثْلُ قَوْلِهِمْ أَحْرَمَ أَيْ دَخَلَ فِي الْحَرَمِ وَأَشْتَى أَيْ دَخَلَ فِي الشِّتَاءِ وَهَذَا فَوْقَ الْأَوَّلِ لَا يُنَالُ بِالطَّلَبِ بَلْ بِالتَّأَمُّلِ بَعْدَ الطَّلَبِ لِيَتَمَيَّزَ عَنْ إشْكَالِهِ، وَهَذَا لِغُمُوضٍ فِي الْمَعْنَى
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُقَابَلَةِ وَنِهَايَةُ الْخِلَافِ بِقَوْلِهِ بِعَارِضٍ غَيْرِ الصِّيغَةِ، وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ مِنْ السُّؤَالِ مَا وَرَدَ عَلَى غَيْرِهِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى جَوَابٍ ضَعِيفٍ لَا يَقْبَلُهُ السَّائِلُ.
(قَوْلُهُ مَا اشْتَبَهَ مَعْنَاهُ وَخَفِيَ مُرَادُهُ) قِيلَ مَا اشْتَبَهَ مَعْنَاهُ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ وَخَفِيَ مُرَادُهُ أَيْ الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ كَمَا أَنَّ مَعْنَى السَّارِقِ لُغَةً، وَهُوَ آخِذُ مَالِ الْغَيْرِ عَلَى سَبِيلِ الْخُفْيَةِ اشْتَبَهَ فِي حَقِّ الطَّرَّارِ وَالنَّبَّاشِ، وَكَذَا حُكْمُهُ، وَهُوَ وُجُوبُ الْقَطْعِ خَفِيَ فِي حَقِّهِمَا.
وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُمَا يُنْبِئَانِ عَنْ مَعْنًى وَاحِدٍ بِمَنْزِلَةِ الْمُتَرَادِفَيْنِ؛ وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْ الْأَوَّلَ فِي الْمُخْتَصَرِ وَالتَّقْوِيمِ، بِعَارِضٍ غَيْرِ الصِّيغَةِ أَيْ خَفِيَ بِسَبَبٍ عَارِضٍ لَا أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ خَفِيًّا فِي نَفْسِهِ فَإِنَّ آيَةَ السَّرِقَةِ ظَاهِرَةٌ فِي كُلِّ سَارِقٍ لَمْ يُعْرَفْ بِاسْمٍ آخَرَ وَلَكِنَّهَا خَفِيَّةٌ فِي الطَّرَّارِ وَالنَّبَّاشِ لِعَارِضِ اخْتِصَاصِهِمَا بِاسْمَيْنِ آخَرَيْنِ يُعْرَفَانِ بِهِمَا وَاخْتِلَافُ الْأَسْمَاءِ يَدُلُّ عَلَى اخْتِلَافِ الْمَعَانِي فَبَعُدَا بِهَذِهِ الْوَاسِطَةِ عَنْ اسْمِ السَّرِقَةِ؛ فَلِهَذَا خَفِيَتْ الْآيَةُ فِي حَقِّهِمَا، (وَقَوْلُهُ لَا يُنَالُ إلَّا بِالطَّلَبِ) تَأْكِيدٌ.
وَفِي قَوْلِهِ، وَذَلِكَ أَيْ الْخَفِيُّ مِثْلُ الطَّرَّارِ وَالنَّبَّاشِ تَسَامُحٌ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِخَفِيَّيْنِ بَلْ آيَةُ السَّرِقَةِ خَفِيَّةٌ فِي حَقِّهِمَا وَلَكِنْ لَمَّا حَصَلَ الْمَقْصُودُ، وَهُوَ فَهْمُ الْمَعْنَى لَمْ يَلْتَفِتْ الشَّيْخُ إلَى جَانِبِ اللَّفْظِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ، وَذَلِكَ مِثْلُ آيَةِ السَّرِقَةِ فِي حَقِّ الطَّرَّارِ وَالنَّبَّاشِ كَمَا ذَكَرَ هُوَ فِي شَرْحِ التَّقْوِيمِ وَغَيْرِهِ فِي تَصَانِيفِهِمْ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ إشَارَةً إلَى الْعَارِضِ أَيْ الْعَارِضِ الَّذِي صَارَتْ الْآيَةُ خَفِيَّةً بِسَبَبِهِ مِثْلُ اسْمِ الطَّرَّارِ وَالنَّبَّاشِ وَلَكِنْ فِيهِ بُعْدٌ، وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ بِعَارِضٍ فِي الصِّيغَةِ مَكَانَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بِعَارِضٍ غَيْرِ الصِّيغَةِ وَعَنَى بِهِ أَنَّ الْخَفَاءَ فِي الصِّيغَةِ، وَهُوَ السَّارِقُ مَثَلًا بِالْعَارِضِ، وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا لَا أَنْ يَكُونَ أَصْلُهُ خَفِيًّا فَيَكُونَ مُوَافِقًا لِمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقِيلَ الْمُرَادُ مِنْ الصِّيغَةِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ نَظْمُ الْآيَةِ وَالْمُرَادُ مِنْهَا فِي كَلَامِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ صِيغَةُ الطَّرَّارِ وَالنَّبَّاشِ مَثَلًا وَلَا اخْتِلَافَ إذًا بَيْنَ كَلَامَيْهِمَا وَلَكِنَّ الْوَجْهَ هُوَ الْأَوَّلُ
(قَوْلُهُ ثُمَّ الْمُشْكِلُ) ، فِي ثُمَّ إشَارَةٌ إلَى تَبَاعُدِ رُتْبَةِ الْمُشْكِلِ فِي الْخَفَاءِ عَنْ الْخَفِيِّ؛ لِأَنَّهُ فِي أَدْنَى دَرَجَاتِ الْخَفَاءِ وَفَوْقَ الْمُشْكِلِ.
(وَقَوْلُهُ، وَهُوَ الدَّاخِلُ فِي إشْكَالِهِ) إشَارَةٌ إلَى مَأْخَذِهِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: الْمُشْكِلُ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ أَشْكَلَ عَلَى كَذَا أَيْ دَخَلَ فِي أَشْكَالِهِ وَأَمْثَالِهِ، وَهُوَ اسْمٌ لِمَا يُشْتَبَهُ الْمُرَادُ مِنْهُ بِدُخُولِهِ فِي أَشْكَالِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُعْرَفُ الْمُرَادُ إلَّا بِدَلِيلٍ يَتَمَيَّزُ بِهِ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْأَشْكَالِ. وَقَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ: هُوَ الَّذِي أَشْكَلَ عَلَى السَّامِعِ طَرِيقَ الْوُصُولِ إلَى الْمَعَانِي لِدِقَّةِ الْمَعْنَى فِي نَفْسِهِ لَا بِعَارِضٍ فَكَانَ خَفَاؤُهُ فَوْقَ الَّذِي كَانَ بِعَارِضٍ حَتَّى كَادَ الْمُشْكِلُ يُلْتَحَقُ بِالْمُجْمَلِ وَكَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ لَا يَهْتَدُونَ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا.
قَوْلُهُ (وَهَذَا لِغُمُوضٍ فِي الْمَعْنَى) أَيْ الْإِشْكَالُ إنَّمَا يَقَعُ لِغُمُوضٍ فِي الْمَعْنَى، قِيلَ نَظِيرُهُ قَوْله تَعَالَى، {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] ، فَإِنَّهُ مُشْكِلٌ فِي حَقِّ الْفَمِ وَالْأَنْفِ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ بِغَسْلِ جَمِيعِ الْبَدَنِ وَالْبَاطِنُ خَارِجٌ مِنْهُ بِالْإِجْمَاعِ لِلتَّعَذُّرِ فَبَقِيَ الظَّاهِرُ مُرَادًا وَلِلْفَمِ وَالْأَنْفِ شَبَهٌ بِالظَّاهِرِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا وَشَبَهٌ بِالْبَاطِنِ كَذَلِكَ عَلَى مَا عُرِفَ فَأُشْكِلَ