وَلِهَذَا قُلْنَا إنَّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ فِي الْكِتَابِ وَيَنْوِي مَنْ عَنْ يَمِينِهِ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْحَفَظَةِ أَنَّهُ لَا يُوجِبُ تَرْتِيبًا وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ} [البقرة: 158] لَا يُوجِبُ تَرْتِيبًا أَيْضًا أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْآيَةِ إثْبَاتُ أَنَّهُمَا مِنْ الشَّعَائِرِ وَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ التَّرْتِيبُ

ـــــــــــــــــــــــــــــQهَذَا قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ الْجَامِعِ وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ الْوَاوَ لِلْعَطْفِ الْمُطْلَقِ لَيْسَ لَهَا عَمَلٌ فِي الْقِرَانِ وَلَا فِي التَّرْتِيبِ وَلَكِنَّ آخِرَ الْكَلَامِ هَهُنَا يُغَيِّرُ أَوَّلَهُ لِأَنَّ حُكْمَ الصَّدْرِ لَوْ سَكَتَ عَلَيْهِ سَلَامَةُ نَفْسِ الْأَوَّلِ لَهُ بِلَا سِعَايَةٍ لِأَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ فَإِذَا اتَّصَلَ بِهِ الثَّانِي وَالثَّالِثُ تَغَيَّرَ الصَّدْرُ عَنْ عِتْقٍ إلَى رِقٍّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ السِّعَايَةَ وَجَبَتْ عَلَيْهِ وَالْمُسْتَسْعَى كَالْمُكَاتَبِ عِنْدَهُ فِي الْأَحْكَامِ وَالْمُكَاتَبُ عِنْدَنَا عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ.

وَعِنْدَهُمَا وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ إلَى الرِّقِّ وَلَكِنْ يَتَغَيَّرُ مِنْ بَرَاءَةٍ إلَى شُغْلٍ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ عَتَقَ مَجَّانًا فَإِذَا اتَّصَلَ بِهِ الثَّانِي وَالثَّالِثُ لَمْ يَبْقَ لَهُ إلَّا ثُلُثُ الثُّلُثِ وَوَجَبَتْ عَلَيْهِ السِّعَايَةُ فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ فَلِذَلِكَ تَوَقَّفَ صَدْرُهُ عَلَى آخِرِهِ لَا لِلْوَاوِ قَوْلُهُ (وَلِهَذَا قُلْنَا) أَيْ وَلِأَنَّ الْوَاوَ لِمُطْلَقِ الْعَطْفِ قُلْنَا إنَّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ فِي الْكِتَابِ أَيْ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَيَنْوِي أَيْ فِي التَّسْلِيمَتَيْنِ مَنْ عَنْ يَمِينِهِ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْحَفَظَةِ لَا يُوجِبُ تَرْتِيبًا كَرَّرَ الشَّيْخُ لَفْظَةَ أَنَّ لِطُولِ الْكَلَامِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ تَفْضِيلُ عَامَّةِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَيَظْهَرُ بِهَذَا فَسَادُ قَوْلِ مَنْ قَالَ بِتَفْضِيلِهِمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ وَادَّعَى أَنَّ هَذَا مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا اسْتِدْلَالًا بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ أَلَا يَرَى أَنَّهُ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ وَيَنْوِي بِتَسْلِيمَةِ الْأَوَّلِ مَنْ كَانَ عَنْ يَمِينِهِ مِنْ الْحَفَظَةِ وَالرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَعَنْ يَسَارِهِ مِثْلُ ذَلِكَ فَعُلِمَ أَنَّهُ أَرَادَ مُطْلَقَ الْجَمْعِ فِي النِّيَّةِ لَا التَّرْتِيبَ فِيهَا وَفِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِشَمْسِ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ يَقُولُ مَا ذُكِرَ فِي الصَّلَاةِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الْأَوَّلُ وَمَا ذُكِرَ هَهُنَا بِنَاءً عَلَى قَوْلِهِ الثَّانِي فَقَدْ رَجَعَ إلَى تَفْضِيلِ بَنِي آدَمَ عَلَى الْمَلَائِكَةِ قَالَ وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ فِيهَا كَلَامٌ بَيْنَ أَهْلِ الْأُصُولِ وَلَكِنْ لَا مَعْنَى لِلِاشْتِغَالِ بِهِ هَهُنَا فَالْوَاوُ لَا تُوجِبُ التَّرْتِيبَ وَالتَّرْتِيبُ فِي النِّيَّةِ لَا يَتَحَقَّقُ فَإِنَّ مَنْ سَلَّمَ عَلَى قَوْمٍ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَنْوِيَ الرِّجَالَ أَوَّلًا ثُمَّ النِّسَاءَ ثُمَّ الصِّبْيَانَ وَلَكِنَّ مُرَادَهُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ أَنْ يَجْمَعَهُمْ فِي نِيَّتِهِ.

وَفِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْمُصَنِّفِ فَأَمَّا التَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ لَازِمٍ لِأَنَّ الْوَاوَ لَا تُوجِبُ تَرْتِيبًا لَكِنْ لِلْبِدَايَةِ أَثَرٌ فِي الِاهْتِمَامِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْوَصِيَّةِ بِالْقُرَبِ فَدَلَّ مَا ذُكِرَ هَهُنَا وَهُوَ آخِرُ التَّصْنِيفَيْنِ أَنَّ مُؤْمِنِي الْبَشَرِ أَفْضَلُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ قَالَ الْإِمَامُ الْكَشَانِيُّ وَالْمُخْتَارُ عِنْدَنَا أَنَّ خَوَاصَّ بَنِي آدَمَ وَهُمْ الْمُرْسَلُونَ أَفْضَلُ مِنْ جُمْلَةِ الْمَلَائِكَةِ، وَعَوَامُّ بَنِي آدَمَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ الْأَتْقِيَاءِ أَفْضَلُ مِنْ عَوَامِّ الْمَلَائِكَةِ وَلَيْسُوا بِأَفْضَلَ مِنْ خَوَاصِّهِمْ بَلْ خَوَاصُّ الْمَلَائِكَةِ أَفْضَلُ مِنْ عَوَامِّ بَنِي آدَمَ.

وَذَكَرَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو مَنْصُورٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء: 70] أَمَّا الْكَلَامُ فِي تَفْضِيلِ الْبَشَرِ عَلَى الْمَلَائِكَةِ، وَالْمَلَائِكَةِ عَلَى الْبَشَرِ فَإِنَّا لَا نَتَكَلَّمُ فِيهِ لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ ذَلِكَ وَلَيْسَ لَنَا إلَى مَعْرِفَتِهِ حَاجَةٌ فَنَكِلُ الْأَمْرَ فِيهِ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَذَلِكَ مِثْلُ الْكَلَامِ بَيْنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ وَأَتْقِيَاءِ الْخَلْقِ وَبَيْنَ الْمَلَائِكَةِ وَتَفْضِيلِ هَؤُلَاءِ عَلَى هَؤُلَاءِ فَنُفَوِّضُ ذَلِكَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَأَمَّا أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ شَرِّ الْبَشَرِ وَأَفْسَقِهِمْ وَبَيْنَ الْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ لَمْ يَعْصُوا اللَّهَ طَرْفَةَ عَيْنٍ فَيُقَالُ هُمْ أَفْضَلُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ وَلَكِنْ إنْ كَانَ لَا بُدَّ فَإِنَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَ مَا ذَكَرْنَا وَبَيْنَ الْمَلَائِكَةِ فَيَتَكَلَّمُ " ح " بِتَفْضِيلِ بَعْضٍ عَلَى بَعْضٍ قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ) جَوَابٌ عَنْ مُتَمَسَّكِ الْخَصْمِ يَعْنِي كَمَا أَنَّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015