وَوُجُوبُ التَّرْتِيبِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: 77] وَهَذَا حُكْمٌ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِاسْتِقْرَاءِ كَلَامِ الْعَرَبِ وَبِالتَّأَمُّلِ فِي مَوْضُوعِ كَلَامِهِمْ كَالْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ إنَّمَا يُعْرَفُ مِنْ قِبَلِ اتِّبَاعِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالتَّأَمُّلِ فِي أُصُولِ الشَّرْعِ وَكِلَاهُمَا حُجَّةٌ عَلَيْهِ وَدَلِيلٌ لِمَا قُلْنَا أَمَّا الْأَوَّلُ فَإِنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ جَاءَنِي زَيْدٌ وَعَمْرٌو فَيُفْهَمُ مِنْهُ اجْتِمَاعُهُمَا فِي الْمَجِيءِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِلْقِرَانِ أَوْ التَّرْتِيبِ فِي الْمَجِيءِ وَلِأَنَّ الْفَاءَ يَخْتَصُّ بِالْأَجْزِئَةِ وَلَا يَصْلُحُ فِيهَا الْوَاوُ حَتَّى أَنَّ مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ وَأَنْتِ طَالِقٌ طَلُقَتْ فِي الْحَالِ وَلَوْ احْتَمَلَ الْوَاوُ التَّرْتِيبَ لَصَلَحَ لِلْجَزَاءِ كَالْفَاءِ وَقَدْ صَارَتْ الْوَاوُ لِلْجَمْعِ فِي قَوْلِ النَّاسِ جَاءَنِي الزَّيْدُونَ وَأَصْلُهُ جَاءَنِي زَيْدٌ وَزَيْدٌ وَزَيْدٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَرَضِيَ عَنْهُمْ عِنْدَ السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ بِأَيِّهِمَا نَبْدَأُ وَقَدْ نَزَلَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158] قَالَ ابْدَءُوا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ» فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا لِلتَّرْتِيبِ مِنْ وُجُوهِ أَحَدُهَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهِمَ وُجُوبَ التَّرْتِيبِ حَتَّى قَالَ ابْدَءُوا بِكَذَا وَأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ أَعْلَمَ بِاللِّسَانِ وَأَفْصَحَ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ وَإِلَيْهِ أُشِيرَ فِي الْكِتَابِ وَالثَّانِي أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَصَّ عَلَى التَّرْتِيبِ عِنْدَ اشْتِبَاهِهَا عَلَيْهِمْ أَنَّهَا لِلْجَمْعِ أَوْ لِلتَّرْتِيبِ فَيَثْبُتُ بِتَنْصِيصِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهَا لِلتَّرْتِيبِ.
وَالثَّالِثُ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ لِلْجَمْعِ الْمُطْلَقِ لَمَا احْتَاجُوا إلَى السُّؤَالِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا أَهْلَ لِسَانٍ وَلَا يُعَارَضُ بِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ لِلتَّرْتِيبِ لَمَا احْتَاجُوا إلَى السُّؤَالِ أَيْضًا لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سُؤَالُهُمْ لِتَجْوِيزِهِمْ إيَّاهَا مُسْتَعْمَلَةً فِي الْجَمْعِ الْمُطْلَقِ تَجَوُّزًا بِنَاءً عَلَى الْغَالِبِ
قَوْلُهُ (وَوُجُوبُ التَّرْتِيبِ) وَتَمَسَّكُوا أَيْضًا بِأَنَّ الرُّكُوعَ مُقَدَّمٌ عَلَى السُّجُودِ بِلَا خِلَافٍ وَاسْتُفِيدَ هَذَا التَّقَدُّمُ مِنْ الْوَاوِ فِي قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: 77] فَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْوَاوُ لِلتَّرْتِيبِ لَمَا اُسْتُفِيدَ ذَلِكَ مِنْهَا وَمِمَّا تَمَسَّكُوا بِهِ أَنَّ «أَعْرَابِيًّا قَالَ مَنْ أَطَاعَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ اهْتَدَى وَمَنْ عَصَاهُمَا فَقَدْ غَوَى فَقَالَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِئْسَ خَطِيبُ الْقَوْمِ أَنْتَ قُلْ وَمَنْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ غَوَى» وَلَوْ كَانَ الْوَاوُ لِلْجَمْعِ الْمُطْلَقِ لَمَا وَقَعَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ قَوْلُهُ (وَهَذَا حُكْمٌ) ابْتِدَاءُ دَلِيلِ الْعَامَّةِ أَيْ مُوجَبُ الْوَاوِ حُكْمٌ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِاسْتِقْرَاءِ كَلَامِ الْعَرَبِ أَيْ تَتَبُّعِهِ مِنْ اسْتَقْرَيْت الْبِلَادَ إذَا تَتَبَّعْتهَا تَخْرُجُ مِنْ أَرْضٍ إلَى أَرْضٍ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يُنْظَرُ فِي اسْتِعْمَالَاتِهِمْ أَنَّهَا اُسْتُعْمِلَتْ فِي الْجَمْعِ الْمُطْلَقِ أَوْ فِي التَّرْتِيبِ وَبِالتَّأَمُّلِ فِي مَوْضُوعِ كَلَامِهِمْ أَيْ فِي قَوَانِينِهِمْ الَّتِي بُنِيَ عَلَيْهَا كَلَامُهُمْ أَنَّهَا تُوجِبُ كَوْنَهَا لِلتَّرْتِيبِ أَمْ لِلْجَمْعِ الْمُطْلَقِ كَالْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ يُتَعَرَّفُ مِنْ اتِّبَاعِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بِأَنْ يُطْلَبَ فِيهِمَا وَبِالتَّأَمُّلِ فِي مَوَارِدِ النُّصُوصِ وَقَوَانِينِ الشَّرْعِ الْمَوْضُوعَةِ لِاسْتِخْرَاجِ الْأَحْكَامِ إنْ لَمْ يُوجَدْ فِيهِمَا وَكِلَاهُمَا أَيْ الِاسْتِقْرَاءُ وَالتَّأَمُّلُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى مَنْ ادَّعَى أَنَّهَا لِلتَّرْتِيبِ لَا لِلْجَمْعِ الْمُطْلَقِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ أَيْ تَصَدٍّ لَهُ وَهُوَ اسْتِعَارَةٌ يَعْنِي مِنْ غَيْرِ دَلَالَةٍ لَهَا عَلَى الْمُقَارَنَةِ وَالتَّرْتِيبِ حَتَّى لَوْ جَاءَ مُقَارِنَيْنِ أَوْ عَلَى التَّعَاقُبِ بِصِفَةِ الْوَصْلِ أَوْ التَّرَاخِي كَانَ صَادِقًا فِي هَذَا الْإِخْبَارِ وَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِالنَّقْلِ عَنْ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ وَنَقْلُ اللُّغَةِ عَنْ أَرْبَابِهَا حُجَّةٌ وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ سِيبَوَيْهِ فِي سَبْعَةَ عَشَرَ مَوْضِعًا مِنْ كِتَابِهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ عَبْدُ الْقَاهِرِ مَعْنَى الْوَاوِ الْجَمْعُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ فِي الْحُكْمِ لَا فِي الْوَقْتِ وَلَا تَرْتِيبَ فِيهِ لِأَنَّهَا فِي الِاسْمَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ بِإِزَاءِ التَّثْنِيَةِ فِي الْمُتَّفِقَيْنِ فَإِذَا قُلْت جَاءَنِي زَيْدٌ وَعَمْرٌو لَمْ يَجِبْ أَنْ يَكُونَ الْمَبْدُوءُ بِهِ فِي اللَّفْظِ سَابِقًا بَلْ كُلٌّ مِنْهُمَا بِمَنْزِلَةِ صَاحِبِهِ فِي جَوَازِ تَقْدِيمِهِ كَمَا إذَا قُلْت جَاءَنِي الزَّيْدَانِ إنْ لَمْ يَكُنْ اللَّفْظُ مُقْتَضِيًا تَقَدُّمَ أَحَدِهِمَا بَلْ مُقْتَضَاهُ اجْتِمَاعُهُمَا فِي وُجُودِ الْفِعْلِ فَقَطْ وَلِأَنَّ الْفَاءَ يَخْتَصُّ بِالْأَجْزِئَةِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْجَزَاءَ مُتَعَقِّبٌ عَلَى مَا يُوجِبُهُ مِنْ شَرْطٍ أَوْ نَحْوِهِ وَالْفَاءُ هِيَ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى التَّعْقِيبِ فَلِذَلِكَ اخْتَصَّتْ بِهَا وَلَا يَصْلُحُ فِيهَا الْوَاوُ لِمَا ذُكِرَ فَلَوْ كَانَ مُوجَبُهَا التَّرْتِيبَ لَمَا افْتَرَقَ الْحَالُ بَيْنَ الْفَاءِ وَالْوَاوِ قَوْلُهُ (وَأَصْلُهُ جَاءَنِي زَيْدٌ وَزَيْدٌ وَزَيْدٌ) وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ نَظِيرُ جَاءَنِي بَكْرٌ وَبِشْرٌ وَخَالِدٌ وَهَذَا الْمَجْمُوعُ أَسْمَاءُ أَعْلَامٍ وُضِعَتْ لِأَشْخَاصٍ مُخْتَلِفَةٍ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى الْمَعْنَى إلَّا أَنَّ الْأَلْفَاظَ إذَا كَانَتْ مُخْتَلِفَةً لَا يُمْكِنُ جَمْعُهَا فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ مَعَ كَمَالِ