اسْتِحَالَةُ اجْتِمَاعِهِمَا مُرَادَيْنِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــQمَهْجُورًا لِلتَّعَذُّرِ انْصَرَفَتْ يَمِينُهُ إلَى الْمَجَازِ وَهُوَ أَكْلُ ثَمَرِهِ إنْ كَانَ لَهُ ثَمَرٌ وَثَمَنِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ
قَوْلُهُ (اسْتِحَالَةَ اجْتِمَاعِهِمَا مُرَادَيْنِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ) اخْتَلَفَ الْأُصُولِيُّونَ فِي جَوَازِ إطْلَاقِ اللَّفْظِ الْوَاحِدِ عَلَى مَدْلُولِهِ الْحَقِيقِيِّ وَمَدْلُولِهِ الْمَجَازِيِّ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فَذَهَبَ أَصْحَابُنَا وَعَامَّةُ أَهْلِ الْأَدَبِ وَالْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَعَامَّةُ الْمُتَكَلِّمِينَ إلَى امْتِنَاعِهِ. وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَعَامَّةُ أَصْحَابِهِ وَعَامَّةُ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَأَبُو عَلِيٍّ الْجُبَّائِيُّ وَعَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ أَحْمَدَ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ إلَى جَوَازِهِ مُسْتَرْوِحِينَ فِي ذَلِكَ إلَى أَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ إرَادَةِ الْمَعْنَيَيْنِ جَمِيعًا فَإِنَّ الْوَاحِدَ مِنَّا قَدْ يَجِدُ نَفْسَهُ مُرِيدَةً بِالْعِبَارَةِ الْوَاحِدَةِ مَعْنَيَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ كَمَا يَجِدُهَا مُرِيدَةً لِلْمَعْنَيَيْنِ الْمُتَّفِقَيْنِ جَمِيعًا وَنَعْلَمُ ذَلِكَ مِنْ أَنْفُسِنَا قَطْعًا فَمَنْ ادَّعَى اسْتِحَالَتَهُ فَقَدْ جَحَدَ الضَّرُورَةَ وَعَانَدَ الْمَعْقُولَ. أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَاحِدَ مِنَّا قَدْ يَجِدُ فِي نَفْسِهِ إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ لَا تَنْكِحْ مَا نَكَحَ أَبُوك أَوْ قَالَ تَوَضَّأَ مِنْ لَمْسِ الْمَرْأَةِ إرَادَةَ الْعَقْدِ وَالْوَطْءِ وَإِرَادَةَ الْمَسِّ بِالْيَدِ وَالْوَطْءِ حَتَّى لَوْ صَرَّحَ بِهِ وَقَالَ تَنْكِحُ مَا نَكَحَ أَبُوك وَطْئًا وَلَا عَقْدًا وَتَوَضَّأَ مِنْ اللَّمْسِ مُسَاوٍ وَطْئًا صَحَّ مِنْ غَيْرِ اسْتِحَالَةٍ فَكَذَا يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ} [النساء: 22] عَلَى الْوَطْءِ وَالْعَقْدِ وَقَوْلُهُ جَلَّ جَلَالُهُ. {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء: 43] . عَلَى الْوَطْءِ وَالْمَسِّ بِالْيَدِ مِنْ غَيْرِ اسْتِحَالَةٍ. وَيُؤَيِّدُهُ صِحَّةُ اسْتِثْنَاءِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ النَّصِّ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ أَوْ لَامَسْتُمْ النِّسَاءَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَسُّ بِالْيَدِ وَإِلَّا أَنْ يَكُونَ بِالْوَطْءِ وَإِذَا صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ صَحَّتْ إرَادَةُ الْجَمِيعِ أَيْضًا عِنْدَ عَدَمِهِ.
قَالُوا وَقَدْ حُكِيَ عَنْ سِيبَوَيْهِ أَنَّهُ قَالَ يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِاللَّفْظِ الْوَاحِدِ الدُّعَاءُ عَلَى الْغَيْرِ وَالْخَبَرُ عَنْ حَالِهِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ لِغَيْرِهِ لَهُ الْوَيْلُ فَهَذَا دُعَاءٌ عَلَيْهِ بِالْوَيْلِ وَخَبَرٌ عَنْ ثُبُوتِ الْوَيْلِ لَهُ وَهَذَانِ مَعْنَيَانِ مُخْتَلِفَانِ. قَالُوا وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا أُرِيدَ بِاللَّفْظِ الْوَاحِدِ مَعْنَيَانِ مُتَضَادَّانِ كَمَا إذَا أُرِيدَ بِالْأَمْرِ الْوُجُوبُ وَالنَّدْبُ أَوْ الْإِبَاحَةُ أَوْ التَّهْدِيدُ أَوْ أُرِيدَ بِالْمُشْرِكِينَ الْكُلُّ وَالْبَعْضُ حَيْثُ لَا يَجُوزُ مَعَ صَلَاحِيَتِهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ بِهِمَا مُسْتَحِيلٌ؛ لِأَنَّ كَوْنَ الْفِعْلِ وَاجِبًا يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ يُضَادُّ كَوْنَهُ نَدْبًا أَوْ مُبَاحًا لَا نَأْثَمُ بِتَرْكِهِ فَيَسْتَحِيلُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا. وَكَذَا إرَادَةُ الْكُلِّ يُضَادُّ إرَادَةَ الْبَعْضِ فَأَمَّا إرَادَةُ وُجُوبِ الطُّهْرِ مِنْ الْمَسِّ بِالْيَدِ فَلَا يُضَادُّ إرَادَةَ وُجُوبِ الطُّهْرِ مِنْ الْجِمَاعِ فَلَا يَسْتَحِيلُ الْجَمْعُ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِجَوَازِ إرَادَتِهِمَا. وَلِمَنْ ذَهَبَ إلَى امْتِنَاعِهِ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا أَنَّ الْقَوْلَ بِجَوَازِ إرَادَتِهِمَا يُؤَدِّي إلَى الْمُحَالِ فَيَكُونُ فَاسِدًا. وَبَيَانُ الِاسْتِحَالَةِ مِنْ وُجُوهٍ أَحَدُهَا مَا أَشَارَ الشَّيْخُ إلَيْهِ فِي الْكِتَابِ أَنَّ الْحَقِيقَةَ مَا يَكُونُ مُسْتَقِرًّا فِي مَوْضُوعِهِ مُسْتَعْمَلًا فِيهِ وَالْمَجَازُ مَا يَكُونُ مُتَجَاوِزًا عَنْ مَوْضُوعِهِ مُسْتَعْمَلًا فِي غَيْرِهِ وَالشَّيْءُ الْوَاحِدُ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَقِرًّا فِي مَوْضِعِهِ وَمُتَجَاوِزًا عَنْهُ ضَرُورَةَ أَنَّ الشَّيْءَ الْوَاحِدَ لَا يُحِلُّ مَكَانَيْنِ.
وَثَانِيهَا أَنَّهُ لَوْ صَحَّ الْإِطْلَاقُ عَلَيْهِمَا يَكُونُ الْمُسْتَعْمِلُ مُرِيدًا لِمَا وُضِعَتْ لَهُ الْكَلِمَةُ أَوَّلًا لِاسْتِعْمَالِهَا فِيهِ غَيْرَ مُرِيدٍ لَهُ أَيْضًا لِلْعُدُولِ بِهَا عَمَّا وُضِعَتْ لَهُ فَيَكُونُ مَوْضُوعُهَا مُرَادًا أَوْ غَيْرَ مُرَادٍ وَهُوَ جَمْعٌ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ. وَالِاسْتِحَالَةُ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ بِاعْتِبَارِ اللَّفْظِ وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى. وَثَالِثُهَا أَنَّ اسْتِعْمَالَ الْكَلِمَةِ فِيمَا هِيَ مَجَازٌ فِيهِ يُوجِبُ إضْمَارَ كَافِ التَّشْبِيهِ لِمَا عُرِفَ وَاسْتِعْمَالُهَا فِيمَا هِيَ حَقِيقَةٌ فِيهِ لَا يُوجِبُ ذَلِكَ وَبَيْنَ الْإِضْمَارِ وَعَدَمِهِ تَنَافٍ. وَرَابِعُهَا أَنَّ الْمَجَازَ لَا يُعْقَلُ مِنْ