(بَابُ مَعْرِفَةِ أَحْكَامِ)
(الْقِسْمِ الَّذِي يَلِيهِ) وَهُوَ الظَّاهِرُ وَالنَّصُّ وَالْمُفَسَّرُ وَالْمُحْكَمُ وَحُكْمُ الظَّاهِرِ وُجُوبُ الْعَمَلِ بِاَلَّذِي ظَهَرَ مِنْهُ وَكَذَلِكَ حُكْمُ النَّصِّ وُجُوبُ الْعَمَلِ بِمَا وَضَحَ وَاسْتَبَانَ بِهِ عَلَى احْتِمَالِ تَأْوِيلٍ هُوَ فِي حَيِّزِ الْمَجَازِ وَحُكْمُ الْمُفَسَّرِ وُجُوبُ الْعَمَلِ عَلَى احْتِمَالِ النَّسْخِ وَحُكْمُ الْمُحْكَمِ وُجُوبُ الْعَمَلِ بِهِ مِنْ غَيْرِ احْتِمَالٍ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ تَفَاوُتِ مَعَانِي هَذِهِ الْأَلْقَابِ لُغَةً وَإِنَّمَا يَظْهَرُ تَفَاوُتُ هَذِهِ الْمَعَانِي عِنْدَ التَّعَارُضِ لِيَصِيرَ الْأَدْنَى مَتْرُوكًا بِالْأَعْلَى وَهَذَا يَكْثُرُ أَمْثِلَتُهُ فِي تَعَارُضِ السُّنَنِ وَالْأَحَادِيثِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُرَادُ أَوْ طَلَبُ دَلِيلٍ آخَرَ يُعْرَفُ بِهِ الْمُرَادُ؛ لِأَنَّ بِالْوُقُوفِ عَلَى الْمُرَادِ يَزُولُ مَعْنَى الِاحْتِمَالِ عَلَى التَّسَاوِي فَيَجِبُ الِاشْتِغَالُ بِهِ لِيَزُولَ الْخَفَاءُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
(بَابُ مَعْرِفَةِ أَحْكَامِ الْقِسْمِ الَّذِي يَلِيهِ) .
قَوْلُهُ (وَحُكْمُ الظَّاهِرِ وُجُوبُ الْعَمَلِ بِاَلَّذِي ظَهَرَ مِنْهُ) لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ مُوجِبٌ لِلْعَمَلِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي أَنَّهُ يُوجِبُ الْحُكْمَ عَلَى سَبِيلِ الْقَطْعِ أَوْ الظَّنِّ فَعِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْقَاضِي أَبِي زَيْدٍ وَمُتَابِعِيهِ حُكْمُهُ الْتِزَامُ مُوجِبِهِ قَطْعًا عَامًّا كَانَ أَوْ خَاصًّا وَعِنْدَ الشَّيْخِ أَبِي مَنْصُورٍ وَمَنْ تَابَعَهُ مِنْ مَشَايِخِ مَا وَرَاءِ النَّهْرِ وَعَامَّةِ الْأُصُولِيِّينَ حُكْمُهُ وُجُوبُ الْعَمَلِ بِمَا وُضِعَ لَهُ اللَّفْظُ ظَاهِرًا لَا قَطْعًا وَوُجُوبُ اعْتِقَادِ أَنَّ مَا أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ حَقٌّ وَكَذَا حُكْمُ النَّصِّ وَقَدْ بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ.
وَقَوْلُهُ عَلَى احْتِمَالِ تَأْوِيلٍ هُوَ فِي حَيِّزٍ الْمَجَازِ مُتَّصِلٌ بِالْقِسْمَيْنِ أَيْ يُجْعَلُ ذَلِكَ التَّأْوِيلُ الظَّاهِرُ أَوْ النَّصُّ مَجَازًا فَإِنَّك إذَا أَوَّلْت قَوْلَهُ جَاءَنِي زَيْدٌ مَثَلًا بَانَ الْمُرَادُ خَبَرُهُ أَوْ كِتَابُهُ صَارَ مَجَازًا بِخِلَافِ الْمُشْتَرَكِ فَإِنَّك إذَا أَوَّلْته وَصَرَفْته إلَى بَعْضِ مَعَانِيهِ كَانَ حَقِيقَةً.
قَوْلُهُ (لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ تَفَاوُتِ مَعَانِي هَذِهِ الْأَلْقَابِ لُغَةً) يَعْنِي إنَّمَا سُمِّيَ كُلُّ قِسْمٍ مِنْ هَذِهِ الْأَقْسَامِ بِاسْمٍ رُوعِيَ فِيهِ مَعْنَى اللُّغَةِ فَسُمِّيَ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ ظَاهِرٌ لِظُهُورِ مَعْنَاهُ الْقِسْمُ الثَّانِي نَصًّا لِازْدِيَادِ وُضُوحِهِ عَلَى الْأَوَّلِ كَمَا يُنْبِئُ عَنْهُ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيُّ وَكَذَا الْمُفَسَّرُ وَالْمُحْكَمُ لِيَصِيرَ الْأَدْنَى مَتْرُوكًا بِالْأَعْلَى اللَّامُ لِلْعَاقِبَةِ أَيْ فَائِدَةُ التَّفَاوُتِ وَعَاقِبَتُهُ تَرْكُ الْأَدْنَى بِالْأَعْلَى وَتَرَجَّحَ الْأَقْوَى عَلَى الْأَضْعَفِ وَهَذَا أَيْ صَيْرُورَةُ الْأَدْنَى مَتْرُوكًا بِالْأَعْلَى السُّنَنُ وَالْأَحَادِيثُ مُتَرَادِفَانِ هَهُنَا وَإِنْ كَانَتْ السُّنَّةُ أَعَمَّ مِنْ الْحَدِيثِ وَقَدْ ذَكَرْنَا بَعْضَ نَظَائِرِ التَّعَارُضِ فِيمَا تَقَدَّمَ.
وَمِنْ نَظَائِرِهِ تَعَارُضُ الظَّاهِرِ وَالْمُحْكَمُ فِي قَوْله تَعَالَى {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا} [الأحزاب: 53] وَقَوْلُهُ عَزَّ ذِكْرُهُ {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3] فَإِنَّ الْأَوَّلَ مُحْكَمٌ فِي حُرْمَةِ نِكَاحِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَرَضِيَ عَنْهُنَّ لِلتَّأْبِيدِ، وَالثَّانِي ظَاهِرٌ فِي إبَاحَةِ جَمِيعِ النِّسَاءِ فَيَتَنَاوَلُ بِعُمُومِهِ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَيُرَجَّحُ الْمُحْكَمُ عَلَى الظَّاهِرِ وَمِنْهَا تَعَارُضُهُمَا أَيْضًا فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَلَا إنَّ لُحُومَ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ حَرَامٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» كَذَا فِي النَّافِعِ «وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِغَالِبِ بْنِ أَبْجَرَ كُلْ مِنْ سَمِينِ مَالِك» فَإِنَّ الْأَوَّلَ مُحْكَمٌ فِي التَّحْرِيمِ وَالثَّانِي ظَاهِرٌ فِي التَّحْلِيلِ فَيُرَجَّحُ الْمُحْكَمُ أَيْضًا وَقِيلَ نَظِيرُ تَعَارُضِ الْمُفَسَّرِ وَالْمُحْكَمِ قَوْله تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] وقَوْله تَعَالَى {وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} [النور: 4] فَإِنَّ الْأَوَّلَ مُفَسَّرٌ فِي قَبُولِ شَهَادَةِ الْعُدُولِ؛ لِأَنَّ الْإِشْهَادَ إنَّمَا يَكُونُ لِلْقَبُولِ عِنْدَ الْأَدَاءِ وَهُوَ لَا يَحْتَمِلُ مَعْنًى آخَرَ وَالثَّانِي مُحْكَمٌ؛ لِأَنَّ التَّأْبِيدَ الْتَحَقَ بِهِ وَالْأَوَّلُ بِعُمُومِهِ يُوجِبُ قَبُولَ شَهَادَةِ الْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ إذَا تَابَ وَالثَّانِي يُوجِبُ رَدَّهُ فَيُرَجَّحُ عَلَى الْمُفَسَّرِ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا نُسَلِّمُ كَوْنَ الْأَوَّلِ مُفَسَّرًا؛ لِأَنَّ مَا لَا يَحْتَمِلُ شَيْئًا سِوَى مَدْلُولِهِ إلَّا النَّسْخَ وقَوْله تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ} [الطلاق: 2] يَحْتَمِلُ الْإِيجَابَ وَالنَّدْبَ وَيَتَنَاوَلُ بِإِطْلَاقِهِ الْأَعْمَى وَالْعَبْدَ وَلَيْسَ بِمُرَادَيْنِ بِالْإِجْمَاعِ فَكَيْفَ يُسَمَّى مُفَسَّرًا مَعَ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ.
وَكَذَا لَا يَلْزَمُ مِنْ صِحَّةِ الْإِشْهَادِ وَالْقَبُولِ فَإِنَّ