وَأَمَّا الْمَعْقُولُ فَإِنَّ الْوَاحِدَ إذَا أُضِيفَ إلَيْهِ الْوَاحِدُ تَعَارَضَ الْفَرْدَانِ فَلَمْ يَثْبُتْ الِاتِّحَادُ وَلَا الْجَمْعُ وَأَمَّا الثَّلَاثَةُ فَإِنَّمَا يُعَارِضُ كُلَّ فَرْدٍ اثْنَانِ فَسَقَطَ مَعْنَى الِاتِّحَادِ أَصْلًا وَقَدْ جَعَلَ الثَّلَاثَةَ فِي الشَّرْعِ حَدًّا فِي إيلَاءِ الْأَعْذَارِ فَأَمَّا الْحَدِيثُ فَمَحْمُولٌ عَلَى الْمَوَارِيثِ وَالْوَصَايَا أَوْ عَلَى سُنَّةِ تَقَدُّمِ الْإِمَامِ فِي الْجَمَاعَةِ أَنَّهُ يَتَقَدَّمُ عَلَى الْمُثَنَّى كَمَا يَتَقَدَّمُ عَلَى الثَّلَاثَةِ وَفِي الْمَوَارِيثِ ثَبَتَ الِاخْتِصَاصُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ} [النساء: 176]

ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلِأَنَّ الثَّلَاثَةَ فَصَاعِدًا يَتَبَادَرُ إلَى الْفَهْمِ عِنْدَ سَمَاعِ صِيغَةِ الْجَمْعِ مِنْ غَيْرِ قَرِينَةٍ دُونَ الِاثْنَيْنِ وَالسَّبَقُ إلَى الْفَهْمِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ دَلِيلُ الْحَقِيقَةِ.

وَلِأَنَّهُ يَصِحُّ نَفْيُ اسْمِ الْجَمْعِ عَنْ الِاثْنَيْنِ دُونَ الثَّلَاثَةِ فَصَاعِدًا فَيُقَالُ مَا فِي الدَّارِ رِجَالٌ بَلْ رَجُلَانِ وَمَا رَأَيْتُ جَمْعًا بَلْ رَأَيْت اثْنَيْنِ وَلَا يُقَالُ مَا فِي الدَّارِ رِجَالٌ بَلْ ثَلَاثَةٌ وَصِحَّةُ النَّفْيِ وَعَدَمُ صِحَّتِهِ مِنْ أَمَارَاتِ الْمَجَازِ وَالْحَقِيقَةِ وَأَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَتَقَدَّمُ عَلَى الْوَاحِدِ وَالْإِمَامُ مِنْ الْجَمَاعَةِ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ بِالِاتِّفَاقِ وَالتَّقَدُّمُ مِنْ سُنَّةِ الْجَمَاعَةِ بِالِاتِّفَاقِ فَإِجْمَاعُهُمْ عَلَى تَرْكِ التَّقَدُّمِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِجَمْعٍ وَأَنَّهُ قِسْمٌ مُنْفَرِدٌ.

قَوْلُهُ (وَأَمَّا الْمَعْقُولُ فَإِنَّ الْوَاحِدَ إذَا أُضِيفَ) أَيْ ضُمَّ إلَيْهِ الْوَاحِدُ تَعَارَضَ الْفَرْدَانِ أَيْ امْتَنَعَ كُلُّ وَاحِدٍ كُلٌّ مِنْهُمَا عَنْ صَيْرُورَتِهِ تَبَعًا لِلْآخَرِ فَلَمْ يَثْبُتْ الِاتِّحَادُ لِوُجُودِ الِانْضِمَامِ وَلَمْ يَثْبُتْ الْجَمْعُ أَيْضًا لِبَقَاءِ مَعْنَى الْفَرْدِيَّةِ مَنْ وَجْهٍ بِاعْتِبَارِ عَدَمِ اسْتِتْبَاعِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ وَأَمَّا الثَّلَاثَةُ فَإِنَّمَا يُعَارِضُ أَيْ يُقَابِلُ كُلَّ فَرْدٍ اثْنَانِ فَيَسْتَتْبِعَانِهِ وَيَصِيرُ الْكُلُّ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ فَلَمْ يَبْقَ مَعْنَى الِاتِّحَادِ بِوَجْهٍ وَكَمَلَ مَعْنَى الْجَمْعِ فَتُطْلَقُ عَلَيْهِ الصِّيغَةُ الْمَوْضُوعَةُ لِلْجَمْعِ حَقِيقَةً وَبِهَذَا خَرَجَ الْجَوَابُ عَمَّا قَالُوا فِي الْمُثَنَّى مَعْنَى الْجَمْعِ كَمَا فِي الثَّلَاثَةِ فَيَصِحُّ إطْلَاقُ صِيغَةِ الْجَمْعِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ الصِّيغَةِ عَلَى الثَّلَاثَةِ لَيْسَ لِنَفْسِ الِاجْتِمَاعِ بَلْ لِاجْتِمَاعٍ مَخْصُوصٍ وَهُوَ أَنْ لَا يَتَحَقَّقَ فِيهِ مَعْنَى تَعَارُضِ الْأَفْرَادِ عَلَى التَّسَاوِي وَذَلِكَ فِي الثَّلَاثَةِ دُونَ الِاثْنَيْنِ وَاللُّغَةُ عَلَى مَا وَرَدَ لَا عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْقِيَاسُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَاحِدَ يُوجَدُ فِيهِ مَعْنَى الْجَمْعِ وَهُوَ ضَمُّ بَعْضِ الْأَشْيَاءِ إلَى بَعْضٍ؛ لِأَنَّهُ مُتَرَكِّبٌ مِنْ أَجْزَاءٍ مُتَعَدِّدَةٍ وَمَعَ ذَلِكَ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْجَمْعِ.

قَوْلُهُ (فِي إبْلَاءِ الْأَعْذَارِ) أَيْ إظْهَارِهَا كَإِمْهَالِ الْقَاضِي لِلْخَصْمِ لِدَفْعِ الْحُجَّةِ مُقَدَّرٌ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَكَذَا إمْهَالُ الْمُرْتَدِّ لِلتَّأَمُّلِ وَكَمُدَّةِ الْمَسْحِ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ وَمُدَّةِ أَقَلِّ الْحَيْضِ مُقَدَّرَةٌ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَكَمُدَّةِ التَّحْجِيرِ مُقَدَّرَةٌ بِثَلَاثِ سِنِينَ وَكَمَا فِي قِصَّةِ مُوسَى مَعَ صَاحِبِهِ وَقِصَّةِ صَالِحٍ وَلَوْ كَانَ الِاثْنَانِ جَمْعًا لَمْ يَكُنْ لِلتَّجَاوُزِ عَنْهُ مَعْنًى بِدُونِ دَلِيلٍ يُخَصِّصُ الثَّلَاثَةَ؛ لِأَنَّ مَا وَرَاءَ أَقَلِّ الْجَمْعِ يُسَاوِي بَعْضُهُ بَعْضًا وَلَمَّا فَرَغَ عَنْ إقَامَةِ الدَّلِيلِ عَلَى مُدَّعَاهُ شَرَعَ فِي الْجَوَابِ عَنْ كَلِمَاتِ الْخُصُوصِ فَقَالَ فَأَمَّا الْحَدِيثُ يَعْنِي قَوْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الِاثْنَانِ فَمَا فَوْقَهُمَا جَمَاعَةٌ» فَمَحْمُولٌ عَلَى الْمَوَارِيثِ يَعْنِي لِلِاثْنَيْنِ حُكْمُ الْجَمْعِ فِي اسْتِحْقَاقِ الْمِيرَاثِ حَتَّى كَانَ لِلْبِنْتَيْنِ الثُّلُثَانِ كَالثَّلَاثِ أَوْ عَلَى سُنَّةِ تَقَدُّمِ الْإِمَامِ يَعْنِي يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ أَنَّ الْإِمَامَ يَتَقَدَّمُ عَلَى الِاثْنَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ عَلَى الثَّلَاثَةِ بِخِلَافِ الْوَاحِدِ فَإِنَّهُ يُقِيمُهُ عَنْ يَمِينِهِ وَبِخِلَافِ مَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ لَا يَتَقَدَّمُ عَلَى الِاثْنَيْنِ بَلْ يُقِيمُ وَاحِدًا عَنْ يَمِينِهِ وَوَاحِدًا عَنْ يَسَارِهِ وَإِنَّمَا يَتَقَدَّمُ عَلَى الثَّلَاثَةِ فَصَاعِدًا أَوْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ لِلِاثْنَيْنِ حُكْمَ الْجَمَاعَةِ فِي إحْرَازِ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ وَانْعِقَادِهَا إذْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَبْعُوثٌ لِتَعْلِيمِ الْأَحْكَامِ لَا لِبَيَانِ اللُّغَاتِ عَلَى أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ لَا يَصِحُّ مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ كَذَا ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ الْجَصَّاصُ وَغَيْرُهُ وَقَوْلُهُ.

وَفِي الْمَوَارِيثِ ثَبَتَ الِاخْتِصَاصُ جَوَابُ سُؤَالٍ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ لِمَ اخْتَصَّ الْمَوَارِيثَ مِنْ سَائِرِ الْأَحْكَامِ بِأَنْ يَكُونَ لِلِاثْنَيْنِ فِيهَا حُكْمُ الْجَمْعِ فَقَالَ إنَّمَا ثَبَتَ الِاخْتِصَاصُ فِيهَا بِكَذَا أَوْ هُوَ جَوَابٌ عَنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ صِيغَةَ الْجَمْعِ صُرِفَتْ إلَى الْمُثَنَّى فِي الْمَوَارِيثِ وَالْوَصَايَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015