وَهَذَا؛ لِأَنَّ أَدْنَى الْجَمْعِ ثَلَاثَةٌ نَصُّ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ وَعَلَى هَذَا عَامَّةُ مَسَائِلِ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ إنَّ أَدْنَى الْجَمْعِ اثْنَانِ لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «الِاثْنَانِ فَمَا فَوْقَهُمَا جَمَاعَةٌ» وَلِأَنَّ اسْمَ الْأُخُوَّةِ يَنْطَلِقُ عَلَى الِاثْنَيْنِ فِي قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: 11] وَصَارَ مَا يَنْتَهِي إلَيْهِ الْخُصُوصَ

ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَقِيقَةِ وَبَعْضُهَا يَنْطَلِقُ عَلَى الْوَاحِدِ فَصَاعِدًا صَارَ غَايَةُ التَّخْصِيصِ نَوْعَيْنِ ضَرُورَةُ الْوَاحِدِ وَالثَّلَاثَةِ.

قَوْلُهُ (فَإِنَّ ذَلِكَ) أَيْ قَوْلُهُ عَبِيدًا وَأَمْثَالُهُ يَحْتَمِلُ الْخُصُوصَ إلَى الثَّلَاثَةِ وَطَرِيقُهُ أَنَّ دَلِيلَ الْعَقْلِ يُبَيِّنُ أَنَّ الْكُلَّ لَيْسَ بِمُرَادٍ وَأَنَّ مَا دُونَ الْكُلِّ إلَى الثَّلَاثَةِ لَا يُمْكِنُ تَرْجِيحُ بَعْضِهِ عَلَى الْبَعْضِ لِاسْتِحَالَةِ التَّرْجِيحِ بِلَا مُرَجِّحٍ فَتَعَيَّنَتْ الثَّلَاثَةُ مُرَادًا لِلتَّيَقُّنِ بِهَا فَكَانَ هَذَا الدَّلِيلُ مُخَصِّصًا لِمَا وَرَاءَ الثَّلَاثَةِ إلَى الْكُلِّ.

قَوْلُهُ (وَهَذَا؛ لِأَنَّ أَدْنَى الْجَمْعِ ثَلَاثَةٌ) وَلَمَّا كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى مَبْنِيَّةً عَلَى الثَّانِيَةِ وَهِيَ مَعْرِفَةُ أَقَلِّ الْجَمْعِ؛ لِأَنَّ عَدَمَ جَوَازِ التَّخْصِيصِ إلَى مَا وَرَاءَ الثَّلَاثَةِ فِي جَمِيعِ الْأَلْفَاظِ عِنْدَ الْبَعْضِ وَفِي الْجَمْعِ الْمُنَكَّرِ عِنْدَنَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ ثَلَاثَةٌ شَرَعَ فِي بَيَانِهَا فَقَالَ وَهَذَا أَيْ انْتِهَاءُ التَّخْصِيصِ إلَى الثَّلَاثَةِ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ النَّظَائِرِ مِنْ قَوْلِهِ عَبِيدًا وَنِسَاءً وَثِيَابًا وَأَمْثَالَهَا بِاعْتِبَارِ أَنَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ ثَلَاثَةٌ وَهُوَ مَذْهَبُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَعُثْمَانَ وَأَكْثَرِ الصَّحَابَةِ وَعَامَّةِ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ وَأَهْلِ اللُّغَةِ وَذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَعَامَّةُ الْأَشْعَرِيَّةِ إلَى أَنَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ اثْنَانِ وَهُوَ مَذْهَبُ عُمَرَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كَذَا ذَكَرَ الْغَزَالِيُّ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ نِفْطَوَيْهِ مِنْ النَّحْوِيِّينَ ثُمَّ الْفَرِيقُ الْأَوَّلُ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ صِيَغِ الْجُمُوعِ فِي الِاثْنَيْنِ مَجَازًا فَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَ عَنْ ذَلِكَ وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ وَفَائِدَةُ الِاخْتِلَافِ تَظْهَرُ فِي جَوَازِ التَّخْصِيصِ إلَى اثْنَيْنِ وَعَدَمِهِ وَفِيمَا إذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِدَرَاهِمَ أَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ دَرَاهِمُ أَوْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِشَيْءٍ عَلَى فُقَرَاءَ أَوْ مَسَاكِينَ يَقَعُ عَلَى الْأَقَلِّ بِالِاتِّفَاقِ وَهُوَ الثَّلَاثَةُ عِنْدَ الْعَامَّةِ وَالِاثْنَانِ عِنْدَ غَيْرِهِمْ تَمَسَّكَ مَنْ قَالَ بِأَنَّ صِيَغَ الْجُمُوعِ حَقِيقَةٌ فِي الِاثْنَيْنِ كَمَا فِي الثَّلَاثَةِ بِالسَّمْعِ وَالْعَقْلِ وَاسْتِعْمَالُ أَرْبَابِ اللِّسَانِ وَالْحُكْمِ أَمَّا السَّمْعُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ} [الأنبياء: 78] إلَى قَوْلِهِ {وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ} [الأنبياء: 78] أُرِيدَ بِضَمِيرِ الْجَمْعِ دَاوُد وَسُلَيْمَانُ وقَوْله تَعَالَى {إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ} [ص: 21] {إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ} [ص: 22] فَاسْتَعْمَلَ فِي الِاثْنَيْنِ ضَمِيرَ الْجَمْعِ وَقَوْلُهُ عَزَّ اسْمُهُ {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4] ، وَالْمُرَادُ قَلْبَاكُمَا وَقَوْلُهُ جَلَّ جَلَالُهُ {إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ} [الشعراء: 15] وَالْمُرَادُ مُوسَى وَهَارُونُ وَقَوْلُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ إخْبَارًا عَنْ يَعْقُوبَ {عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا} [يوسف: 83] وَالْمُرَادُ يُوسُفُ وَبِنْيَامِينُ.

وَقَوْلُهُ {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: 11] وَالْأَخَوَانِ يَحْجُبَانِهَا إلَى السُّدُسِ كَالثَّلَاثَةِ وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الِاثْنَانِ فَمَا فَوْقَهُمَا جَمَاعَةٌ» وَهُوَ أَفْصَحُ الْعَرَبِ وَلَوْ نُقِلَ هَذَا عَنْ وَاحِدٍ مِنْ الْأَعْرَابِ لَكَانَ حُجَّةً فَمِنْ صَاحِبِ الشَّرْعِ أَوْلَى وَأَمَّا الْمَعْقُولُ فَهُوَ أَنَّ اسْمَ الْجَمَاعَةِ حَقِيقَةً فِيمَا فِيهِ مَعْنَى الِاجْتِمَاعِ وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي الِاثْنَيْنِ كَمَا هُوَ مَوْجُودٌ فِي الثَّلَاثَةِ فَيَصِحُّ أَنْ يَتَنَاوَلَهُ اسْمُ الْجَمْعِ حَقِيقَةً وَإِنْ كَانَ مَعْنَى الْجَمْعِ فِي الثَّلَاثَةِ أَكْثَرَ، أَلَا تَرَى أَنَّ الثَّلَاثَةَ جَمْعٌ صَحِيحٌ وَإِنْ كَانَ مَعْنَى الِاجْتِمَاعِ فِيمَا وَرَاءَ الثَّلَاثَةِ أَكْثَرَ وَنَظِيرُهُ الْجِسْمُ لَمَّا كَانَ عِبَارَةً عَنْ اجْتِمَاعِ أَجْزَاءٍ وَتَرَكُّبِهَا كَانَ أَقَلُّ الْجِسْمِ جَوْهَرَيْنِ لِوُجُودِ مَعْنَى الِاجْتِمَاعِ وَالتَّرَكُّبِ فِيهِمَا وَإِنْ كَانَ الِاجْتِمَاعُ فِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ أَكْثَرُ وَأَمَّا اسْتِعْمَالُ أَرْبَابِ اللِّسَانِ فَإِنَّهُمْ يُسْتَعْلَمُونَ صِيغَةَ الْجَمْعِ فِي الِاثْنَيْنِ كَاسْتِعْمَالِهِمْ إيَّاهَا فِي الثَّلَاثَةِ فَإِنَّ الِاثْنَيْنِ يَقُولَانِ نَحْنُ فَعَلْنَا كَذَا وَنَحْنُ نَفْعَلُ كَذَا فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ حَقِيقَةً فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَأَمَّا الْحُكْمُ فَهُوَ أَنَّ لِلْمُثَنَّى حُكْمَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015