وَأَمَّا هَهُنَا فَإِنَّ التَّعَلُّلَ يَقَعُ عَلَى مَا وُضِعَ لَهُ دَلِيلُ الْخُصُوصِ وَهُوَ أَنْ لَا يَدْخُلَ تَحْتَ الْجُمْلَةِ فَلَا يَصِيرُ مُعَارِضًا لِلنَّصِّ فَإِذَا ثَبَتَ الِاحْتِمَالُ فَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ الدَّلَالَةِ بِالشَّكِّ صَارَ الدَّلِيلُ مَشْكُوكًا بِأَصْلِهِ فَأَشْبَهَ دَلِيلَ الْقِيَاسِ فَاسْتَقَامَ أَنْ يُعَارِضَهُ الْقِيَاسُ بِخِلَافِ مَا ثَبَتَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ لِأَنَّهُ يَقِينٌ بِأَصْلِهِ فَلَمْ يَصْلُحْ أَنْ يُعَارِضَهُ الْقِيَاسُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQبِسَبَبِ احْتِمَالِ التَّعْلِيلِ كَمَا يَتَغَيَّرُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ بِسَبَبِ هَذَا الِاحْتِمَالِ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ التَّعْلِيلَ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ فَكَانَ قَوْلُهُ لِاحْتِمَالِ التَّعْلِيلِ دَاخِلًا تَحْتَ النَّفْيِ.
وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ احْتِمَالَ التَّعْلِيلِ ثَابِتٌ وَلَكِنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ فِي التَّغْيِيرِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ الْكَلَامِ بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّ احْتِمَالَ التَّعْلِيلِ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ لِيَتَغَيَّرَ كَمَا فِي قَوْلِهِ:
وَلَا تَرَى الضَّبَّ بِهَا يَنْجَحِرُ
أَيْ لَيْسَ فِي تِلْكَ الْمَفَازَةِ ضَبٌّ لِيَنْجَحِرَ لَا أَنَّ الضَّبَّ مَوْجُودٌ وَلَكِنَّهُ لَا يَنْجَحِرُ وَبِمَا ذَكَرْنَا خَرَجَ الْجَوَابُ عَمَّا يُقَالُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُعَلَّلَ دَلِيلُ الْخُصُوصِ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ النَّاسِخَ أَوْ الِاسْتِثْنَاءَ وَكِلَاهُمَا لَا يُعَلَّلُ لِأَنَّ النَّاسِخَ إنَّمَا لَا يُعَلَّلُ احْتِرَازًا عَنْ مُعَارَضَةِ الْقِيَاسِ النَّصَّ وَرُفِعَ مَا ثَبَتَ بِالنَّصِّ بِالْقِيَاسِ وَقَدْ عُدِمَ ذَلِكَ فِي دَلِيلِ الْخُصُوصِ وَالِاسْتِثْنَاءِ إنَّمَا لَا يُعَلَّلُ لِعَدَمِ اسْتِقْلَالِهِ وَكَوْنِهِ عَدَمًا وَقَدْ تَحَقَّقَ الِاسْتِقْلَالُ فِي دَلِيلِ الْخُصُوصِ فَيَثْبُتُ التَّعْلِيلُ فَصَارَ الْحَاصِلُ أَنَّ دَلِيلَ الْخُصُوصِ يُشَابِهُ النَّاسِخَ فِي اسْتِقْلَالِ الصِّيغَةِ وَلَا يُشَابِهُهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُعَارِضٌ وَيُشَابِهُ الِاسْتِثْنَاءَ فِي كَوْنِهِ مُبَيِّنًا وَلَا يُشَابِهُهُ فِي عَدَمِ الِاسْتِقْلَالِ وَعَدَمِ التَّعْلِيلِ فِيهِمَا بِاعْتِبَارِ هَذَيْنِ الْوَصْفَيْنِ اللَّذَيْنِ يُفَارِقُهُمَا دَلِيلُ الْخُصُوصِ فِيهِمَا فَيُقْبَلُ التَّعْلِيلُ إلَّا أَنَّهُ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ عَدَمًا يُشَابِهُ الِاسْتِثْنَاءَ أَيْضًا وَذَلِكَ مَانِعٌ مِنْ التَّعْلِيلِ لَكِنَّ كَوْنَهُ مُسْتَبِدًّا يُوجِبُهُ فَيَثْبُتُ الِاحْتِمَالُ وَذَلِكَ كَافٍ كَمَا حَقَّقْنَاهُ وَبَيَّنَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التَّقْوِيمِ الْكَلَامَ فِي الْمَخْصُوصِ الْمَجْهُولِ عَلَى مَا بُيِّنَ هَهُنَا وَبَيَّنَ فِي الْمَخْصُوصِ الْمَعْلُومِ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ فَقَالَ أَمَّا إذَا كَانَ دَلِيلُ الْخُصُوصِ مَعْلُومًا فَاحْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ مَعْلُولًا لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي النُّصُوصِ التَّعْلِيلُ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ خِلَافُهُ إلَّا أَنَّ النَّصَّ يُعَلَّلُ لِتَعَدِّيَةِ حُكْمِهِ وَأَنَّهُ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ يُشَابِهُ الِاسْتِثْنَاءَ وَالِاسْتِثْنَاءُ لِلْمَنْعِ فَكَانَ عَدَمًا وَالْعَدَمُ لَا يُعَلَّلُ فَثَبَتَ احْتِمَالُ الْعِلَّةِ، وَتَعَدَّى حُكْمُهُ وَهُوَ مَنْعُ الدُّخُولِ تَحْتَ الْعَامِّ بِإِرَادَةِ الْمُتَكَلِّمِ إلَى مَا بَقِيَ فَصَارَ فِي الْحَاصِلِ أَنَّهُ يُثْبِتُ احْتِمَالَ إرَادَةِ الْمُتَكَلِّمِ التَّخْصِيصَ وَذَلِكَ غَيْرُ مَعْلُومٍ كَمَا اعْتَبَرَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْإِرَادَةَ فِي الْعَامِّ قَبْلَ التَّخْصِيصِ.
إلَّا أَنَّ بَيْنَهُمَا فَرْقًا وَهُوَ أَنَّ هَذِهِ الْإِرَادَةَ تَثْبُتُ بِعِلَّةِ النَّصِّ وَالنَّصُّ ظَاهِرٌ وَالْعِلَّةُ الَّتِي هِيَ وَصْفُهُ كَانَتْ ظَاهِرَةً أَيْضًا فَتَثْبُتُ الْإِرَادَةُ الْبَاطِنَةُ أَيْضًا فِي الْخُصُوصِ عَلَى سَبِيلِ الْجَهَالَةِ بِدَلِيلٍ ظَاهِرٍ فَيُعْتَبَرُ بِخِلَافِ الِابْتِدَاءِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ لِيَسْتَنِدَ إلَيْهِ فَكَانَ اعْتِبَارُهُ اعْتِبَارَ مَا فِي الْبَاطِنِ وَذَلِكَ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ فَيُؤَدِّي إلَى الْحَرَجِ فَلَا يُعْتَبَرُ أَيْضًا أَصْلًا وَإِذَا ثَبَتَ احْتِمَالُ الْإِرَادَةِ أَوْجَبَ شُبْهَةً فَسَقَطَ الْعِلْمُ دُونَ الْعَمَلِ إلَّا أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ كَانَ فَوْقَ هَذَا الْعَامِّ لِأَنَّ الْخَبَرَ ثَابِتٌ بِأَصْلِهِ وَإِنَّمَا وَقَعَ الشَّكُّ فِي طَرِيقِهِ وَالشُّبْهَةُ فِي الطَّرِيقِ لَا يَبْطُلُ أَصْلُهُ وَهَهُنَا أَعْنِي فِي الْعَامِّ إذَا خُصَّ مِنْهُ شَيْءٌ وَقَعَتْ الشُّبْهَةُ فِي أَصْلِهِ أَنَّهُ لَمْ يُتَنَاوَلْ فَصَارَ نَظِيرُ الْقِيَاسِ فَإِنَّ الْقِيَاسَ فِي أَصْلِهِ شُبْهَةً مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَكُونَ مُوجِبًا وَهَذَا لِأَنَّ النَّصَّ الْخَاصَّ لَمَّا كَانَ مَعْلُولًا يَثْبُتُ احْتِمَالُ التَّعَدِّي إلَى مَا بَقِيَ فَصَارَ مَخْصُوصًا أَيْضًا فَلَا يَبْقَى الْعَامُّ عَامًا، وَالِاحْتِمَالُ لَا يُسْقِطُ الْعَمَلَ بِالْأَوَّلِ وَلَكِنْ يُزِيلُ الْيَقِينَ لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي حَدِّ التَّعَارُضِ فَبَقِيَ الْعَامُّ عَلَى عُمُومِهِ كَمَا كَانَ لِعَدَمِ ظُهُورِ الدَّلِيلِ وَمَا كَانَ طَرِيقُ بَقَائِهِ عَدَمَ الدَّلِيلِ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا بِيَقِينٍ، وَلِهَذَا يَجُوزُ تَخْصِيصُ الْعَامِّ بِالْقِيَاسِ وَلَمْ يَجُزْ تَرْكُ خَبَرِ الْوَاحِدِ بِهِ.
بِخِلَافِ الِاسْتِثْنَاءِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ حُكْمٌ بِنَفْسِهِ وَإِنَّمَا عَمَلُهُ فِي مَنْعِ التَّكَلُّمِ بِقَدْرِ الْمُسْتَثْنَى فَكَانَ