وَأَمَّا سَفَرُ الْمَعْصِيَةِ فَغَيْرُ مَنْهِيٍّ لِمَعْنًى فِيهِ لِأَنَّهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ خُرُوجٌ مَدِيدٌ مُبَاحٌ وَإِنَّمَا الْعِصْيَانُ فِي فِعْلِ قَطْعِ الطَّرِيقِ أَوْ التَّمَرُّدِ عَلَى الْمَوْلَى وَهُوَ مُجَاوِرٌ لَهُ فَكَانَ كَالْبَيْعِ وَقْتَ النِّدَاءِ وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا النَّهْيُ عَنْ الْأَفْعَالِ الْحِسِّيَّةِ لِأَنَّ الْقَوْلَ بِكَمَالِ الْقُبْحِ فِيهَا وَهُوَ مُقْتَضًى مَعَ كَمَالِ الْمَقْصُودِ مُمْكِنٌ عَلَى مَا قُلْنَا وَالنَّهْيُ فِي صِفَةِ الْقُبْحِ يَنْقَسِمُ انْقِسَامَ الْأَمْرِ مَا قَبُحَ لِعَيْنِهِ وَضْعًا مِثْلُ الْكُفْرِ وَالْكَذِبِ وَالْعَبَثِ وَمَا قَبُحَ مُلْحَقًا بِالْقَسَمِ الْأَوَّلِ وَهُوَ بَيْعُ الْحُرِّ وَالْمَضَامِينِ وَالْمَلَاقِيحِ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَمَّا وُضِعَ لِتَمْلِيكِ الْمَالِ كَانَ بَاطِلًا فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ وَمَا قَبُحَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ وَهُوَ الْبَيْعُ وَقْتَ النِّدَاءِ وَالصَّلَاةُ فِي أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْأَجْدَادِ وَالْجَدَّاتِ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي عَامَّةِ الشُّرُوحِ فَافْهَمْ (وَيَتَعَدَّى) أَيْ سَبَبِيَّةَ ثُبُوتِ هَذِهِ الْحُرْمَةِ وَالضَّمِيرُ الْمُسْتَكِنُّ رَاجِعٌ إلَى الْمَفْهُومِ لَا إلَى الْمَذْكُورِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَاجِعًا إلَى مَا رَجَعَ إلَيْهِ الضَّمِيرُ الْمُسْتَكِنُّ فِي يَتَعَدَّى الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ لَا يَتَعَدَّى إلَى الْأَسْبَابِ وَلِهَذَا أُعِيدَ لَفْظُ يَتَعَدَّى وَإِلَّا كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَقُولَ وَإِلَى أَسْبَابِهِ (إلَى أَسْبَابِهِ) أَيْ أَسْبَابِ الْوَلَدِ مِنْ النِّكَاحِ وَالْوَطْءِ وَالتَّقْبِيلِ وَالْمَسِّ بِشَهْوَةٍ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَالنَّظَرِ إلَى الْفَرْجِ خِلَافًا لَهُ وَلِابْنِ أَبِي لَيْلَى (وَمَا يُعْمَلُ لِقِيَامِهِ مَقَامَ غَيْرِهِ) أَيْ يُعْمَلُ بِطَرِيقِ الْخِلَافَةِ وَالْبِدَايَةِ.
فَإِنَّمَا يُعْمَلُ بِعِلَّةِ الْأَصْلِ أَيْ بِالْمَعْنَى الَّذِي يُعْمَلُ بِهِ الْأَصْلُ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى أَوْصَافِ نَفْسِهِ وَصَلَاحِيَّتِهِ لِلْحُكْمِ بَلْ يُنْظَرُ فِي ذَلِكَ إلَى صَلَاحِيَّةِ الْأَصْلِ كَالنَّوْمِ وَالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ وَالسَّفَرِ لَمَّا أُقِيمَتْ مَقَامَ خُرُوجِ النَّجَاسَةِ وَخُرُوجِ الْمَنِيِّ وَالْمَشَقَّةِ عَمِلَتْ عَمَلَهَا مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى أَوْصَافِ أَنْفُسِهَا وَصَلَاحِيَّتِهَا لِلْحُكْمِ وَكَالتُّرَابِ لَمَّا أُقِيمَ مَقَامَ الْمَاءِ فِي إفَادَةِ التَّطْهِيرِ نُظِرَ إلَى صَلَاحِيَّةِ الْمَاءِ لِلتَّطْهِيرِ وَلَمْ يُلْتَفَتْ إلَى وَصْفِ التُّرَابِ الَّذِي هُوَ تَلْوِيثٌ فَكَذَلِكَ هَهُنَا أُقِيمَ الزِّنَا مَقَامَ الْوَلَدِ بِمَعْنَى السَّبَبِيَّةِ فَأَخَذَ حُكْمَ الْوَلَدِ وَأُهْدِرَ وَصْفُ الزِّنَا بِالْحُرْمَةِ لِأَنَّهُ مَعَ هَذِهِ الصِّفَةِ سَبَبٌ صَالِحٌ لِلْوَلَدِ وَلِهَذَا أُقِيمَ مَقَامَهُ وَالْوَلَدُ لَا يُوصَفُ بِالْحُرْمَةِ وَالْقُبْحِ لِمَا ذَكَرْنَا وَمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ «وَلَدُ الزِّنَا شَرُّ الثَّلَاثَةِ» فَذَلِكَ فِي مَوْلُودٍ خَاصٍّ لِأَنَّا نُشَاهِدُ أَنَّ وَلَدَ الزِّنَا قَدْ يَكُونُ أَصْلَحُ، وَمَنْفَعَتُهُ أَعْوَدُ إلَى النَّاسِ مِنْ وَلَدِ الرَّشْدَةِ كَذَا فِي طَرِيقَةِ الصَّدْرِ الْحَجَّاجِ قُطْبِ الدِّينِ السَّرْبَلِيِّ (لِقِيَامِهِ) أَيْ الزِّنَا (مَقَامَ مَا لَا يُوصَفُ) وَهُوَ الْوَلَدُ (بِذَلِكَ) أَيْ بِوَصْفِ الْحُرْمَةِ (فِي إيجَابِ حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ) أَيْ قِيَامُهُ مَقَامَ الْوَلَدِ وَإِهْدَارُ وَصْفِ الْحُرْمَةِ فِي حَقِّ هَذَا الْحُكْمِ خَاصَّةً لَا فِي حَقِّ سُقُوطِ الْحَدِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[سَفَرُ الْمَعْصِيَةِ فَغَيْرُ مَنْهِيٍّ لِمَعْنًى فِيهِ]
قَوْلُهُ (وَأَمَّا سَفَرُ الْمَعْصِيَةِ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ رَابِعَةُ الْمَسَائِلِ الْأَرْبَعِ الَّتِي تَرِدُ نَقْضًا عَلَى الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ فَأَجَابَ وَقَالَ إنَّهُ لَيْسَ بِمَنْهِيٍّ لِمَعْنًى فِي عَيْنِهِ بَلْ هُوَ مَنْهِيٌّ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ مُجَاوِرٍ لَهُ فَلَا يُوجِبُ ذَلِكَ صَيْرُورَتَهُ مَعْصِيَةً لِذَاتِهِ، وَانْتِفَاءُ مَشْرُوعِيَّتِهِ كَالْوَطْءِ حَالَةَ الْحَيْضِ وَالْبَيْعِ وَقْتَ النِّدَاءِ وَالِاصْطِيَادِ بِقَوْسِ الْغَيْرِ وَهَذَا لِأَنَّ خُطَاهُ إنَّمَا صَارَتْ سَفَرًا بِقَصْدِهِ مَكَانًا بَعِيدًا لَا بِقَصْدِهِ الْإِغَارَةَ وَالْبَغْيَ وَالتَّمَرُّدَ عَلَى الْمَوْلَى أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَصَدَ ذَلِكَ الْمَكَانَ بِلَا قَصْدِ الْإِغَارَةِ صَارَ مُسَافِرًا وَلَوْ قَصَدَ الْإِغَارَةَ بِدُونِ أَنْ يَقْصِدَ مَكَانًا بَعِيدًا لَمْ يَصِرْ مُسَافِرًا وَإِنْ طَافَ الدُّنْيَا، وَكَذَلِكَ إذَا تَبَدَّلَ قَصْدُهُ بِقَصْدِ الْحَجِّ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَاصِيًا وَلَمْ يَتَغَيَّرْ سَفَرُهُ وَكَذَا الْعَبْدُ إذَا لَحِقَهُ إذْنُ مَوْلَاهُ لَمْ يَتَغَيَّرْ سَفَرُهُ وَخَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَاصِيًا فَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ مَعْنَى الْمَعْصِيَةِ مُجَاوِرٌ لِهَذَا السَّفَرِ فَصَلُحَ سَبَبًا لِلتَّرْخِيصِ.
قَوْلُهُ (وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا) أَيْ عَلَى مَا ذَكَرْنَا أَنَّ النَّهْيَ الْمُطْلَقَ عَنْ الْأَفْعَالِ الشَّرْعِيَّةِ يُوجِبُ قُبْحًا فِي غَيْرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ حَتَّى بَقِيَ مَشْرُوعًا (النَّهْيُ عَنْ الْأَفْعَالِ الْحِسِّيَّةِ) حَيْثُ يُوجِبُ قُبْحًا فِي عَيْنِهَا حَتَّى لَا تَبْقَى مَشْرُوعَةً أَصْلًا (لِأَنَّ الْقَوْلَ بِكَمَالِ الْقُبْحِ) الَّذِي هُوَ مُقْتَضَى النَّهْيِ فِي الْأَفْعَالِ الْحِسِّيَّةِ (مَعَ كَمَالِ الْمَقْصُودِ) وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ مُتَصَوَّرُ الْوُجُودِ مِنْ الْعَبْدِ لِيَتَحَقَّقَ الِابْتِلَاءُ (عَلَى مَا قُلْنَا) أَيْ قَبْلَ هَذَا أَنَّ الْأَفْعَالَ الْحِسِّيَّةَ لَا تَنْعَدِمُ بِصِفَةِ الْقُبْحِ.
قَوْلُهُ (وَالنَّهْيُ) أَيْ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ (فِي صِفَةِ الْقُبْحِ يَنْقَسِمُ انْقِسَامَ الْأَمْرِ) أَيْ الْمَأْمُورِ بِهِ فِي صِفَةِ الْحُسْنِ تَحْقِيقًا لِلْمُقَابَلَةِ إذْ النَّهْيُ يُقَابِلُ الْأَمْرَ (مَا قَبُحَ لِعَيْنِهِ وَضْعًا) وَهُوَ قِسْمَانِ قِسْمٌ لَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَسْقُطَ الْقُبْحُ عَنْهُ بِحَالٍ كَالْكُفْرِ وَهُوَ عَلَى مُقَابَلَةِ الْإِيمَانِ وَقِسْمٌ يَحْتَمِلُ