وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْهُمَا وَلَمَّا صَحَّ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْبَعْضِ لِلضَّرُورَةِ وَجَبَ الْمَصِيرُ إلَى مَالَهُ حُكْمُ الْكُلِّ مِنْ وَجْهٍ خَلَفًا عَنْ الْكُلِّ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِطَ الْوُجُودَ فِي الْأَكْثَرِ لِأَنَّ الْأَقَلَّ فِي مُقَابَلَتِهِ فِي حُكْمِ الْعَدَمِ وَلَا ضَرُورَةَ فِي تَرْكِ هَذَا الْكُلِّ تَقْدِيرًا فَلَمْ نُجَوِّزْهُ بَعْدَ الزَّوَالِ وَرَجَّحْنَا الْكَثِيرَ عَلَى الْقَلِيلِ لِأَنَّهُ فِي الْوُجُودِ رَاجِحٌ وَبَطَلَ التَّرْجِيحُ عَلَى مَا قُلْنَا بِصِفَةِ الْعِبَادَة لِأَنَّهُ حَالٌ بَعْدَ الْوُجُودِ، وَالْكَثْرَةُ وَالْقِلَّةُ مِنْ بَابِ الْوُجُودِ وَالْوُجُودُ قَبْلَ الْحَالِ فَوَجَبَ التَّرْجِيحُ بِهِ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي بَابِ التَّرْجِيحِ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَلِأَنَّ صِيَانَةَ الْوَقْتِ الَّذِي لَا دَرَكَ لَهُ أَصْلًا عَلَى الْعِبَادِ وَاجِبٌ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ مَشَايِخِنَا
ـــــــــــــــــــــــــــــQكَمَالِ الصَّلَاةِ نَفْسِهَا بِهِ وَكَذَلِكَ الْمُبَادَرَةُ إلَى سَائِرِ الصَّلَوَاتِ كَذَا فِي الْأَسْرَارِ
قَوْلُهُ (وَلَمَّا صَحَّ الِاقْتِصَارُ) إلَى قَوْلِهِ بَعْدَ الزَّوَالِ جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ النِّيَّةَ بَعْدَ نِصْفِ النَّهَارِ لَا يَصِحُّ أَيْ لَمَّا صَحَّ اقْتِصَارُ النِّيَّةِ عَلَى بَعْضِ الْإِمْسَاكِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ لِذَلِكَ الْبَعْضِ حُكْمُ الْكُلِّ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى يَكُونَ قِرَانُ النِّيَّةِ بِهِ كَقِرَانِهَا بِالْكُلِّ تَقْدِيرًا وَذَلِكَ هُوَ الْأَكْثَرُ إذْ لَهُ حُكْمُ الْكُلِّ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ بِخِلَافِ الرُّبْعِ وَالثُّلُثِ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ لَهُمَا حُكْمُ الْكُلِّ فِي بَعْضِ مَوَاضِعِ الِاحْتِيَاطِ إلَّا أَنَّ ذَلِكَ عَلَى خِلَافِ الدَّلِيلِ لِأَنَّهُ لَوْ أُعْطِيَ لِلرُّبْعِ حُكْمُ الْكُلِّ لَكَانَتْ الثَّلَاثَةُ الْأَرْبَاعِ الَّتِي تُقَابِلُهُ بِذَلِكَ أَوْلَى فَأَمَّا مَا زَادَ عَلَى النِّصْفِ فَغَلَبَ عَلَى مَا يُقَابِلُهُ وَقَرُبَ إلَى الْكُلِّ فَكَانَ الْحُكْمُ بِكُلِّيَّتِهِ عَلَى وِفَاقِ الدَّلِيلِ خَلَفًا عَنْ الْكُلِّ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَهُوَ الْإِمْسَاكُ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ إلَى آخِرِهِ وَهَذَا كَالْمِثْلِ مِنْ وَجْهٍ وَهُوَ الْقِيمَةُ جُعِلَ خَلَفًا عَنْ الْمِثْلِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ إذَا انْقَطَعَ الْمِثْلُ فِي ضَمَانِ الْعُدْوَانِ وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِطَ الْوُجُودَ فِي الْأَكْثَرِ الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إلَى الْمَصِيرِ إلَى مَالَهُ حُكْمُ الْكُلِّ أَنْ يَشْتَرِطَ وُجُودَ النِّيَّةِ فِي الْأَكْثَرِ لِأَنَّ الْأَقَلَّ الَّذِي لَمْ يُصَادِفْهُ النِّيَّةُ فِي مُقَابِلَةِ الْأَكْثَرِ الَّذِي صَادَفَتْهُ فِي حُكْمِ الْعَدَمِ وَلَا ضَرُورَةَ فِي تَرْكِ هَذَا الْكُلِّ الثَّابِتِ تَقْدِيرًا يَعْنِي إنَّمَا وَجَبَ تَرْكُ اعْتِبَارِ الْكُلِّ الْحَقِيقِيِّ لِلضَّرُورَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَلَا ضَرُورَةَ فِي تَرْكِ هَذَا الْكُلِّ التَّقْدِيرِيِّ وَاعْتِبَارِ مَا دُونَهُ فَلِهَذَا لَمْ نُجَوِّزْ الصَّوْمَ بِالنِّيَّةِ بَعْدَ الزَّوَالِ وَلَا يُقَالُ قَدْ يَتَحَقَّقُ الضَّرُورَةُ أَيْضًا فِي حَقِّ الَّذِي أَقَامَ أَوْ أَفَاقَ بَعْدَ الزَّوَالِ وَاَلَّذِي بَلَغَ أَوْ أَسْلَمَ فِي اللَّيْلِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْبُلُوغِ أَوْ وُجُوبِ الصَّوْمِ إلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ لِأَنَّا إنَّمَا اعْتَبَرْنَا الضِّرْوَةَ فِي تَرْكِ اعْتِبَارِ الْكُلِّ لِوُجُودِ خَلَفِهِ وَهُوَ الْأَكْثَرُ وَهَهُنَا قَدْ فَاتَ الْأَكْثَرُ وَبِفَوَاتِهِ فَاتَ الصَّوْمُ لِأَنَّ الْأَقَلَّ الَّذِي صَادَفَتْهُ النِّيَّةُ فِي مُقَابَلَةِ الْأَكْثَرِ الَّذِي لَمْ تُصَادِفْهُ النِّيَّةُ فِي حُكْمِ الْعَدَمِ فَكَانَ وُجُودُ الضَّرُورَةِ هَهُنَا كَوُجُودِهَا بَعْدَ الْغُرُوبِ فَلَا يُعْبَأُ بِهَا.
قَوْلُهُ (وَرَجَّحْنَا الْكَثِيرَ عَلَى الْقَلِيلِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ وَوَجَبَ تَرْجِيحُ الْفَسَادِ احْتِيَاطًا وَذَلِكَ لِأَنَّ الْكَثِيرَ بِاعْتِبَارِ ذَاتِهِ رَاجِحٌ عَلَى الْقَلِيلِ فَالْكَثْرَةُ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ الْأَوْصَافِ كَالصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ إلَّا أَنَّ هَذَا الْوَصْفَ يَثْبُتُ لِلشَّيْءِ بِاعْتِبَارِ ازْدِيَادٍ فِي أَجْزَاءِ ذَاتِهِ فَكَانَتْ الْكَثْرَةُ وَصْفًا رَاجِعًا إلَى الذَّاتِ بِخِلَافِ الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ لِأَنَّهُمَا مِنْ الْأَوْصَافِ الْمَحْضَةِ الَّتِي لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِالْوُجُودِ فَإِنَّهُمَا يَطْرَآنِ بَعْدَ الْوُجُودِ فَكَانَ التَّرْجِيحُ بِالْكَثْرَةِ رَاجِعًا إلَى الذَّاتِ وَبِالصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ رَاجِعًا إلَى الْحَالِ فَكَانَ الْأَوَّلُ أَوْلَى لِأَنَّ الذَّاتَ أَصْلٌ وَالْحَالُ تَبَعٌ وَعِبَارَةُ الشَّيْخِ فِي شَرْحِ التَّقْوِيمِ وَلَمَّا وُجِدَتْ النِّيَّةُ فِي الْأَكْثَرِ فَقَدْ وُجِدَ بَعْضُ الْعِبَادَةِ وَعُدِمَ الْبَعْضُ فَالشَّافِعِيُّ رَجَّحَ جَانِبَ الْعَدَمِ عَلَى جَانِبِ الْوُجُودِ احْتِيَاطًا لِأَمْرِ الْعِبَادَةِ وَنَحْنُ رَجَّحْنَا الْمَوْجُودَ عَلَى الْمَعْدُومِ بِاعْتِبَارِ الْكَثْرَةِ وَهُوَ أَوْلَى لِأَنَّهُ تَرْجِيحٌ بِمَعْنًى رَاجِعٍ إلَى الذَّاتِ وَمَا فَعَلَهُ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رَاجِعٌ إلَى الْعَدَمِ وَهُوَ لَيْسَ بِشَيْءٍ فَلَا يَصْلُحُ مُرَجِّحًا.
قَوْلُهُ (وَلِأَنَّ صِيَانَةَ الْوَقْتِ) يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَطْفًا عَلَى الدَّلِيلِ الْمُتَقَدِّمِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ لِأَنَّهُ فِي الْوُجُودِ رَاجِحٌ يَعْنِي وَرَجَّحْنَا الْكَثِيرَ الْمَوْجُودَ فِيهِ النِّيَّةُ عَلَى الْقَلِيلِ الَّذِي لَمْ يُوجَدْ النِّيَّةُ فِيهِ لِأَنَّ الْكَثِيرَ فِي الْوُجُودِ أَيْ فِي وُجُودِهِ وَذَاتِهِ رَاجِحٌ وَلِأَنَّ صِيَانَةَ الْوَقْتِ الَّذِي لَا دَرَكَ لَهُ أَصْلًا عَلَى الْعِبَادِ وَاجِبٌ لِأَنَّهُ تَعَالَى فَرَضَ عَلَيْهِمْ الْأَدَاءَ فِي هَذَا الْوَقْتِ وَبِفَوَاتِهِ يَفُوتُ