وَذَلِكَ مِثْلُ إكْرَاهِ الْمُحْرِمِ عَلَى قَتْلِ الصَّيْدِ أَوْ إكْرَاهِ الْحَلَالِ عَلَى قَتْلِ صَيْدِ الْحَرَمِ أَنَّ ذَلِكَ الْقَتْلَ يَقْتَصِرُ عَلَى الْفَاعِلِ؛ لِأَنَّ الْمُكْرَهَ إنَّمَا حَمَلَهُ عَلَى أَنْ يَجْنِيَ عَلَى إحْرَامِ نَفْسِهِ أَوْ عَلَى دِينِ نَفْسِهِ وَهُوَ فِي ذَلِكَ لَا يَصْلُحُ آلَةً لِغَيْرِهِ وَلَوْ جُعِلَ آلَةً لَتَبَدَّلَ مَحَلُّ الْجِنَايَةِ فَيَصِيرُ مَحَلُّ الْجِنَايَةِ إحْرَامَ الْمُكْرَهِ وَدِينِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُحِيطِ فِي التَّتِمَّةِ أَنَّهُ لَوْ أُكْرِهَ عَلَى أَكْلِ طَعَامِ نَفْسِهِ فَأَكَلَ إنْ كَانَ جَائِعًا لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُكْرَهِ بِشَيْءٍ وَإِنْ كَانَ شَبْعَانَ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِقِيمَةِ الطَّعَامِ؛ لِأَنَّ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ حَصَلَتْ مَنْفَعَةُ الْأَكْلِ لِلْمُكْرَهِ وَلَمْ يَحْصُلْ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي.
قَالَ وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى أَكْلِ طَعَامِ الْغَيْرِ فَأَكَلَ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الْمُكْرِهِ لَا عَلَى الْمُكْرَهِ وَإِنْ كَانَ الْمُكْرَهُ جَائِعًا وَحَصَلَ لَهُ مَنْفَعَةُ الْأَكْلِ؛ لِأَنَّ الْمُكْرَهَ أَكَلَ طَعَامَ الْمُكْرِهِ بِإِذْنِهِ؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ عَلَى الْأَكْلِ إكْرَاهٌ عَلَى الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْأَكْلُ بِدُونِ الْقَبْضِ فِي الْغَالِبِ وَكَمَا قَبَضَ الْمُكْرِهُ الطَّعَامَ صَارَ قَبْضُهُ مَنْقُولًا إلَى الْمُكْرَهِ فَكَأَنَّ الْمُكْرِهَ قَبَضَهُ بِنَفْسِهِ وَقَالَ لَهُ كُلْ وَلَوْ قَبَضَ بِنَفْسِهِ صَارَ غَاصِبًا ثُمَّ مَالِكًا لِلطَّعَامِ بِالضَّمَانِ ثُمَّ أَذِنَ لَهُ بِالْأَكْلِ وَهُنَاكَ لَا يَضْمَنُ الْآكِلُ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ أَكَلَ طَعَامَ الْغَاصِبِ بِإِذْنِهِ كَذَا هَاهُنَا وَفِي طَعَامِ نَفْسِهِ لَمْ يَصِرْ آكِلًا طَعَامَ الْمُكْرِهِ بِإِذْنِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الْمُكْرَهُ غَاصِبًا لِلطَّعَامِ قَبْلَ الْأَكْلِ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الْغَصْبِ لَا يَجِبُ إلَّا بِإِزَالَةِ يَدِ الْمَالِكِ وَلَا يُتَصَوَّرُ الْإِزَالَةُ مَا دَامَ الطَّعَامُ فِي يَدِهِ أَوْ فَمِهِ فَتَعَذَّرَ إيجَابُ ضَمَانِ الْغَصْبِ قَبْلَ الْأَكْلِ فَلَا يَصِيرُ الطَّعَامُ مِلْكًا لَهُ قَبْلَ الْأَكْلِ وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ سَبَبُ الضَّمَانِ صَارَ آكِلًا طَعَامَ نَفْسِهِ لَا طَعَامَ الْمُكْرِهِ إلَّا أَنَّ الْمُكْرَهَ مَتَى كَانَ شَبْعَانَ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ مَنْفَعَةُ الْأَكْلِ فَكَانَ هَذَا إكْرَاهًا عَلَى إتْلَافِ مَالِهِ فَيَجِبُ الضَّمَانُ عَلَيْهِ كُلِّهِ مِنْ التَّتِمَّةِ وَكَذَلِكَ أَيْ وَمِثْلُ الْقِسْمِ الَّذِي لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ الْمُكْرَهُ آلَةً فِي أَنَّ الْحُكْمَ يَقْتَصِرُ عَلَيْهِ كَوْنُ الْفِعْلِ مِمَّا يُتَصَوَّرُ إلَى آخِرِهِ إلَّا أَنَّ الْمَحَلَّ أَيْ مَحَلَّ الْإِكْرَاهِ وَكَانَ ذَلِكَ أَيْ مَحَلُّ الْإِكْرَاهِ بَطَلَ ذَلِكَ أَيْ جَعْلُهُ آلَةً وَفِي تَبْدِيلِ الْمَحَلِّ أَيْ مَحَلِّ الْإِكْرَاهِ خِلَافُ الْمُكْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَكْرَهَهُ عَلَى إيقَاعِ فِعْلٍ فِي مَحَلٍّ كَانَ إيقَاعُهُ فِي مَحَلٍّ آخَرَ مُخَالَفَةً لَهُ ضَرُورَةً.
قَوْلُهُ (وَذَلِكَ) أَيْ مِثَالُ هَذَا الْفَصْلِ إكْرَاهُ الْمُحْرِمِ عَلَى قَتْلِ الصَّيْدِ وَإِكْرَاهُ الْحَلَالِ عَلَى قَتْلِ صَيْدِ الْحَرَمِ أَنَّ ذَلِكَ يَقْتَصِرُ عَلَى الْفَاعِلِ يَعْنِي فِي حَقِّ الْإِثْمِ وَالْجَزَاءِ جَمِيعًا فِي مَسْأَلَةِ الْمُحْرِمِ وَفِي حَقِّ الْإِثْمِ دُونَ الْجَزَاءِ فِي حَقِّ الْحَلَالِ. فَقَدْ ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ وَلَوْ أَنَّ مُحْرِمًا قِيلَ لَهُ لَنَقْتُلَنَّكَ أَوْ لَتَقْتُلَنَّ هَذَا الصَّيْدَ فَقَتَلَهُ لَا شَيْءَ عَلَى الَّذِي أَمَرَهُ؛ لِأَنَّهُ حَلَالٌ لَوْ بَاشَرَ قَبْلَ الصَّيْدِ بِيَدِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ فَكَذَا إذَا أَكْرَهَ غَيْرُهُ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمَأْمُورِ فِي الْقِيَاسِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ صَارَ آلَةً لِلْمُكْرِهِ بِالْإِلْجَاءِ التَّامِّ فَيَنْعَدِمُ الْفِعْلُ فِي جَانِبِهِ.
أَلَا يُرَى أَنَّ فِي قَتْلِ الْمُسْلِمِ لَا يَكُونُ الْمُكْرَهُ ضَامِنًا شَيْئًا لِهَذَا الْمَعْنَى وَإِنْ كَانَ لَا يَسَعُهُ الْإِقْدَامُ عَلَى الْقَتْلِ فَفِي قَتْلِ الصَّيْدِ أَوْلَى وَفِي الِاسْتِحْسَانِ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ؛ لِأَنَّ قَتْلَ الصَّيْدِ مِنْهُ جِنَايَةٌ عَلَى إحْرَامِهِ وَهُوَ بِالْجِنَايَةِ عَلَى إحْرَامِ نَفْسِهِ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ آلَةً لِغَيْرِهِ فَيَقْتَصِرُ عَلَيْهِ إذْ لَا يُمْكِنُ لِلْمُكْرَهِ أَنْ يَجْنِيَ عَلَى إحْرَامِ الْغَيْرِ بِنَفْسِهِ فَكَذَلِكَ بِالْإِكْرَاهِ وَلَمَّا لَمْ تَجِبْ الْكَفَّارَةُ هَاهُنَا عَلَى الْآمِرِ لَا بُدَّ مِنْ إيجَابِهَا عَلَى الْمَأْمُورِ إذَا لَوْ لَمْ تَجِبْ كَانَ تَأْثِيرُ الْإِكْرَاهِ فِي الْإِهْدَارِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لِلْإِكْرَاهِ فِي الْإِهْدَارِ وَإِنْ كَانَا مُحْرِمَيْنِ جَمِيعًا فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفَّارَةٌ.
وَأَمَّا عَلَى الْمُكْرَهِ فَلِمَا بَيَّنَّاهُ وَأَمَّا عَلَى الْمُكْرَهِ فَلِأَنَّهُ لَوْ بَاشَرَ قَتْلَ الصَّيْدِ بِيَدِهِ يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ فَكَذَا إذَا بَاشَرَ بِالْإِكْرَاهِ وَلَا حَاجَةَ فِي إيجَابِ الْكَفَّارَةِ هَاهُنَا إلَى نِسْبَةِ أَصْلِ الْفِعْلِ إلَى الْمُكْرَهِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْكَفَّارَةَ تَجِبُ عَلَى الْمُحْرِمِ بِالدَّلَالَةِ وَالْإِشَارَةِ وَإِنْ لَمْ يَصِرْ أَصْلُ الْفِعْلِ مَنْسُوبًا إلَيْهِ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا.
وَبِهِ فَارَقَ كَفَّارَةَ الْقَتْلِ إذَا كَانَ خَطَأً فَإِنَّهُ يَكُونُ عَلَى الْمُكْرَهِ دُونَ الْمُكْرِهِ بِمَنْزِلَةِ ضَمَانِ الدِّيَةِ وَالْقِصَاصِ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْكَفَّارَةَ لَا تَجِبُ إلَّا بِمُبَاشَرَةِ الْقَتْلِ وَمِنْ ضَرُورَةِ نِسْبَةِ الْمُبَاشَرَةِ إلَى الْمُكْرِهِ أَنْ لَا يَبْقَى فِعْلٌ فِي جَانِبِ الْمُكْرَهِ وَهَاهُنَا وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ لَا يَعْتَمِدُ مُبَاشَرَةَ الْقَتْلِ فَيَجُوزُ إيجَابُهَا عَلَى الْمُكْرَهِ بِالْمُبَاشَرَةِ وَعَلَى الْمُكْرِهِ بِالتَّسْبِيبِ.
وَلِأَنَّ السَّبَبَ هَاهُنَا الْجِنَايَةُ عَلَى الْإِحْرَامِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَانٍ عَلَى إحْرَامِ نَفْسِهِ فَأَمَّا السَّبَبُ هُنَاكَ فَهُوَ الْجِنَايَةُ عَلَى