فَهُوَ أَوْلَى بِالتَّحْقِيقِ مِنْ الْمُوَاضَعَةِ وَهُمَا اُعْتُبِرَا لِعَادَةٍ وَهُوَ تَحْقِيقُ الْمُوَاضَعَةِ مَا أَمْكَنَ.
أَلَا تَرَى أَنَّهَا أَسْبَقُ الْأَمْرَيْنِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْآخَرُ نَاسِخٌ وَأَمَّا إذَا اتَّفَقَا عَلَى الْجِدِّ فِي الْعَقْدِ لَكِنَّهُمَا تَوَاضَعَا عَلَى الْبَيْعِ بِأَلْفَيْنِ عَلَى أَنَّ أَحَدَهُمَا هَزْلٌ وَتَلْجِئَةٌ فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى الْإِعْرَاضِ كَانَ الثَّمَنُ بِالْيَقِينِ وَإِنْ اتَّفَقَا أَنَّهُ لَمْ يَحْضُرْهُمَا شَيْءٌ أَوْ اخْتَلَفَا فَالْهَزْلُ بَاطِلٌ وَالتَّسْمِيَةُ صَحِيحَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَهُمَا الْعَمَلُ بِالْمُوَاضَعَةِ وَاجِبٌ وَالْأَلْفُ الَّذِي هَزَلَا بِهِ بَاطِلٌ لِمَا ذُكِرَ مِنْ الْأَصْلِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ الْبَيْعُ جَائِزٌ فِيمَا أَعْلَمُ.
وَذَكَرَ فِي كِتَابِ الْإِكْرَاهِ أَنَّ الْبَيْعَ جَائِزٌ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَا يَعْلَمُهُ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَالَا الْبَيْعُ فَاسِدٌ فَأُلْحِقَ قَوْلُهُ فِيمَا أَعْلَمُ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ مُلْحَقًا بِقَوْلِهِ لَا يَكُونُ الِاخْتِلَافُ ثَابِتًا؛ لِأَنَّ مِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّ قَوْلَهُ فِيمَا أَعْلَمُ مُوجِبٌ لِلشَّكِّ فِي جَمِيعِ الْمَوَاضِعِ فَلَا يَثْبُتُ قَوْلُهُ مَعَ التَّرَدُّدِ وَالشَّكِّ.
كَمَا لَوْ قَالَ أَنَا أَشُكُّ فِي جَوَابِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَلَا يَثْبُتُ الِاخْتِلَافُ وَغَرَضُ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إثْبَاتُ الِاخْتِلَافِ فَقَالَ هُوَ مُلْحَقٌ بِرِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ وَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ عِنْدَهُ هَذَا اللَّفْظَ لَا يُوجِبُ شَكًّا فِي الرِّوَايَةِ فَيَكُونُ الِاخْتِلَافُ ثَابِتًا فَصَارَ كَأَنَّ أَبَا يُوسُفَ قَالَ إنْ فِيمَا أَتَيَقَّنُ وَأَعْلَمُ مَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ أَنَّ الْبَيْعَ جَائِزٌ وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعُقُودِ الشَّرْعِيَّةِ الصِّحَّةُ وَاللُّزُومُ وَإِنَّمَا يَتَغَيَّرُ لِعَارِضٍ فَمَنْ ادَّعَى عَدَمَ الْبِنَاءِ عَلَى الْمُوَاضَعَةِ فَهُوَ مُتَمَسِّكٌ بِالْأَصْلِ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَكَانَ دَعْوَى الْآخَرِ الْبِنَاءَ عَلَى الْمُوَاضَعَةِ كَدَعْوَاهُ خِيَارَ الشَّرْطِ فَلَا يُقْبَلُ يُوَضِّحُهُ أَنَّ تِلْكَ الْمُوَاضَعَةَ لَمْ تَكُنْ لَازِمَةً بَلْ يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِإِبْطَالِهَا فَإِعْرَاضُ أَحَدِهِمَا عَنْ تِلْكَ الْمُوَاضَعَةِ كَإِعْرَاضِهِمَا وَإِذَا بَطَلَتْ الْمُوَاضَعَةُ بَقِيَ الْعَقْدُ صَحِيحًا ثُمَّ اخْتِلَافُهُمَا فِي بِنَاءِ الْعَقْدِ عَلَى الْمُوَاضَعَةِ بِمَنْزِلَةِ اخْتِلَافِهِمَا فِي أَصْلِ الْمُوَاضَعَةِ وَلَوْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا الْمُوَاضَعَةَ السَّابِقَةَ وَجَحَدَهُ الْآخَرُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُنْكِرِ وَكَانَ الْبَيْعُ صَحِيحًا حَتَّى تَقُومَ الْبَيِّنَةُ لِلْآخَرِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ مِنْهُمَا فَكَذَا إذَا اخْتَلَفَا فِي الْبِنَاءِ عَلَيْهَا.
وَفِيمَا إذَا اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَحْضُرْهُمَا شَيْءٌ إنَّمَا صَحَّ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَهُ يَقْتَضِي الصِّحَّةَ وَالْمُوَاضَعَةَ السَّابِقَةَ لَمْ تُذْكَرْ فِي الْعَقْدِ فَلَا تَكُونُ مُؤَثِّرَةً فِيهِ.
كَمَا لَوْ تَوَاضَعَا عَلَى شَرْطِ خِيَارٍ أَوْ أَجَلٍ وَلَمْ يَذْكُرَا ذَلِكَ فِي الْعَقْدِ لَمْ يَثْبُتْ الْخِيَارُ وَالْأَجَلُ فَهَذَا مِثْلُهُ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ الْعَقْدُ الْمَشْرُوعُ لِإِيجَابِ حُكْمِهِ فِي الظَّاهِرِ جِدٌّ أَيْ الْعَقْدُ شُرِعَ لِإِيجَابِ حُكْمِهِ وَهُوَ الْمِلْكُ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ فِي الظَّاهِرِ جِدٌّ هَاهُنَا لِعَدَمِ اتِّصَالِ الْهَزْلِ بِهِ نَصًّا فَهُوَ أَيْ الْجِدُّ أَوْلَى بِالتَّحْقِيقِ لِكَوْنِهِ أَصْلًا مِنْ الْمُوَاضَعَةِ الَّتِي هِيَ عَارِضَةٌ وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الظَّاهِرَ يَشْهَدُ لِمَنْ يَدَّعِي الْبِنَاءَ عَلَى الْمُوَاضَعَةِ؛ لِأَنَّهُمَا مَا تَوَاضَعَا إلَّا لِيَبْنِيَا عَلَيْهِ صَوْنًا لِلْمَالِ عَنْ يَدِ الْمُتَغَلِّبِ فَيَكُونُ فِعْلُهُمَا بِنَاءً عَلَى تِلْكَ الْمُوَاضَعَةِ بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ خِلَافُهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُجْعَلْ بِنَاءً عَلَيْهَا كَانَ اشْتِغَالُهُمَا بِهَا اشْتِغَالًا بِمَا لَا يُفِيدُ وَلَوْ سَلَّمْنَا أَنَّ الظَّاهِرَ هُوَ الصِّحَّةُ كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَانَ هَذَا الظَّاهِرُ مُعَارِضًا لَهُ فَتَرَجَّحَ السَّابِقُ مِنْهُمَا إذْ السَّبَقُ مِنْ أَسْبَابِ التَّرْجِيحِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ حَالَةَ الْهَزْلِ لَمْ يُعَارِضْهَا شَيْءٌ فَثَبَتَ حُكْمُهُ بِلَا مُعَارِضٍ وَالسُّكُوتُ فِي حَالَةِ الْعَقْدِ أَوْ الِاخْتِلَافِ فِي الْبِنَاءِ وَالْإِعْرَاضِ لَا يَصْلُحُ مُعَارِضًا؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَرِّضٍ لِلْجِدِّ وَلَا لِلْهَزْلِ فَلِذَلِكَ وَجَبَ الْعَمَلُ بِالسَّابِقِ.
وَالْجَوَابُ لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْآخَرَ يَصْلُحُ نَاسِخًا لِلْأَوَّلِ إذَا لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ مَا يُوجِبُ تَغَيُّرَهُ نَصًّا؛ لِأَنَّ الْجِدَّ هُوَ الْأَصْلُ فِي الْكَلَامِ شَرْعًا وَعَقْلًا وَكَمَا يَجِبُ حَمْلُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ إذَا لَمْ تَسْبِقْهُ مُوَاضَعَةٌ عَلَى الْهَزْلِ يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَيْهِ إذَا سَبَقَهُ مُوَاضَعَةٌ إنْ أَمْكَنَ عَمَلًا بِالْأَصْلِ وَقَدْ أَمْكَنَ هَاهُنَا لِخُلُوِّهِ عَنْ الْهَزْلِ نَصًّا وَعَدَمِ اتِّفَاقِهِمَا عَلَى الْبِنَاءِ عَلَى الْهَزْلِ فَيُحْمَلُ