فَيَجِبُ تَخْرِيجُهَا عَلَى هَذَا الْحَدِّ وَذَلِكَ عَلَى وُجُوهٍ إمَّا إنْ يُدْخِلْ التَّلْجِئَةَ وَالْهَزْلَ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ أَوْ فِيمَا يَحْتَمِلُهُ فَهَذَا وَجْهٌ وَوَجْهٌ آخَرُ أَنْ يُدْخِلَ عَلَى الْإِقْرَارِ بِمَا يَنْفَسِخُ أَوْ لَا وَوَجْهٌ آخَرُ أَنْ يُدْخِلَ فِيمَا يُبْتَنَى عَلَى الِاعْتِقَادِ وَذَلِكَ وَجْهَانِ الْإِيمَانُ وَالرِّدَّةُ، فَأَمَّا إذَا دَخَلَ فِيمَا تَحْتَمِلُ النَّقْضَ مِثْلَ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ إمَّا أَنْ يَهْزِلَا بِأَصْلِهِ أَوْ بِقَدْرِ الْعِوَضِ أَوْ بِجِنْسِهِ وَكُلُّ وَجْهٍ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ إمَّا إنْ يَتَوَاضَعَا عَلَى الْهَزْلِ ثُمَّ يَتَّفِقَا عَلَى الْإِعْرَاضِ أَوْ عَلَى الْبِنَاءِ أَوْ عَلَى أَنْ لَا يَحْضُرَهُمَا شَيْءٌ أَوْ يَخْتَلِفَا فَأَمَّا إذَا تَوَاضَعَا عَلَى الْهَزْلِ بِأَصْلِهِ ثُمَّ اتَّفَقَا عَلَى الْبِنَاءِ فَإِنَّ الْبَيْعَ مُنْعَقِدٌ لِمَا قُلْنَا إنَّ الْهَازِلَ مُخْتَارٌ وَرَاضٍ بِمُبَاشَرَةِ السَّبَبِ لَكِنَّهُ غَيْرُ مُخْتَارٍ وَلَا رَاضٍ بِحُكْمِهِ وَكَانَ بِمَنْزِلَةِ خِيَارِ الشَّرْطِ مُؤَبَّدًا فَانْعَقَدَ الْعَقْدُ فَاسِدًا غَيْرَ مُوجِبٍ لِلْمِلْكِ كَخِيَارِ الْمُتَبَايِعَيْنِ مَعًا عَلَى احْتِمَالِ الْجَوَازِ كَرَجُلٍ بَاعَ عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ أَبَدًا أَوْ عَلَى أَنَّهُمَا بِالْخِيَارِ أَبَدًا فَإِنْ نَقَضَهُ أَحَدُهُمَا يُنْقَضُ وَإِنْ أَجَازَاهُ جَازَ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجِبُ أَنْ تَكُونَ مُقَدَّرًا بِالثَّلَاثِ وَهَذَا لَمْ يَقَعْ الْمِلْكُ بِهَذَا الْبَيْعِ وَإِنْ اتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ وَدَلَالَةُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ أَنَّ الْهَزْلَ لَا يُؤَثِّرُ فِي النِّكَاحِ بِالسُّنَّةِ فَعُلِمَ بِهِ أَنَّهُ لَا يُنَافِي الْإِيجَابَ وَإِنَّمَا دَخَلَ عَلَى الْحُكْمِ.

ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّهُمَا سَوَاءٌ فِي الِاصْطِلَاحِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّيْخُ وَفِي الْمَبْسُوطِ مَعْنَى قَوْلِهِ أُلْجِئُ إلَيْك دَارِي أَجْعَلُك ظَهْرًا لَا تُمَكَّنُ بِجَاهِك مِنْ صِيَانَةِ مِلْكِي يُقَالُ الْتَجَأَ فُلَانٌ إلَى فُلَانٍ وَأَلْجَأَ ظَهْرَهُ إلَى كَذَا وَالْمُرَادُ هَذَا الْمَعْنَى وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَا مُلْجَأٌ مُضْطَرٌّ إلَى مَا أُبَاشِرُهُ مِنْ الْبَيْعِ مَعَك وَلَسْت بِقَاصِدٍ حَقِيقَةً لَكِنَّهُ الضَّمِيرُ لِلشَّأْنِ لَمَّا كَانَ أَثَرُ الْهَزْلِ مَا قُلْنَا إنَّهُ يُنَافِي اخْتِيَارَ الْحُكْمِ وَالرِّضَاءَ بِهِ فَيَجِبُ تَخْرِيجُهَا أَيْ تَخْرِيجُ الْأَحْكَامِ مَعَ الْهَزْلِ عَلَى هَذَا الْحَدِّ أَيْ عَلَى انْقِسَامِهَا فِي حُكْمِ الرِّضَاءِ وَالِاخْتِيَارِ فَكُلُّ حُكْمٍ يَتَعَلَّقُ بِالسَّبَبِ وَلَا يَتَوَقَّفُ ثُبُوتُهُ عَلَى الرِّضَاءِ وَالِاخْتِيَارِ يَثْبُتُ مَعَ الْهَزْلِ وَكُلُّ حُكْمٍ يَتَعَلَّقُ بِالرِّضَاءِ وَالِاخْتِيَارِ لَا يَثْبُتُ مَعَ الْهَزْلِ كَمَا سَيَأْتِيك بَيَانُهُ.

وَذَلِكَ أَيْ تَخْرِيجُ الْأَحْكَامِ مَعَ الْهَزْلِ بِحَسَبِ انْقِسَامِهَا فِي الرِّضَاءِ عَلَى وُجُوهٍ فِيمَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ، مِثْلُ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ أَوْ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُهُ، مِثْلُ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فَهَذَا وَجْهٌ إنَّمَا جَعَلَهُمَا وَجْهًا لِيَصِيرَ الْجَمِيعُ أَرْبَعَةً إذْ أَكْثَرُ تَقَاسِيمِ الْكِتَابِ عَلَيْهَا.

الْمُوَاضَعَةُ الْمُوَافَقَةُ يُقَالُ وَاضَعْته فِي الْأَمْرِ إذَا وَافَقْته عَلَيْهِ وَالتَّوَاضُعُ هَاهُنَا بِمَعْنَى التَّوَافُقِ عَلَى الشَّيْءِ فَانْعَقَدَ الْعَقْدُ فَاسِدًا غَيْرَ مُوجِبٍ لِلْمِلْكِ وَإِنْ حَصَلَ الْقَبْضُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْفَسَادُ فِي الْبَيْعِ بِوَجْهٍ آخَرَ حَيْثُ يُوجِبُ الْمِلْكَ عِنْدَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الْهَزْلَ أُلْحِقَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ وَأَنَّهُ يَمْنَعُ ثُبُوتَ الْمِلْكِ فِي الْعَقْدِ الصَّحِيحِ فَفِي الْعَقْدِ الْفَاسِدِ أَوْلَى أَنْ يَمْنَعَ كَخِيَارِ الْمُتَبَايِعَيْنِ مَعًا يَعْنِي إذَا شُرِطَ الْخِيَارُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ فِي الْعَقْدِ لَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ بِهِ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ خِيَارَ كُلِّ وَاحِدٍ يَمْنَعُ زَوَالَ مِلْكِهِ عَمَّا فِي يَدِهِ فَكَذَا الْهَزْلُ؛ لِأَنَّهُمَا لَمَّا اتَّفَقَا عَلَيْهِ صَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا هَازِلًا فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ لَهُمَا عَلَى احْتِمَالِ الْجَوَازِ مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ انْعَقَدَ فَاسِدًا فَإِنْ نَقَضَ الْعَقْدَ أَحَدُهُمَا يَعْنِي فِي مَسْأَلَةِ الْهَزْلِ انْتَقَضَتْ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وِلَايَةَ النَّقْضِ فَيَنْفَرِدُ بِهِ وَإِنْ أَجَازَاهُ جَازَ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ إنَّمَا لَمْ يَكُنْ مُفِيدًا حُكْمَهُ لِعَدَمِ اخْتِيَارِهِمَا لِلْحُكْمِ وَقَدْ اخْتَارَ ذَلِكَ بِالْإِجَازَةِ وَإِنْ أَجَازَ أَحَدُهُمَا وَسَكَتَ الْآخَرُ لَمْ يَجُزْ عَلَى صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ الْهَزْلَ لَمَّا كَانَ بِمَنْزِلَةِ اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ لَهُمَا كَانَ الْمُخَيَّرُ مُسْقِطًا خِيَارَهُ وَلَكِنَّ خِيَارَ الْآخَرِ يَكْفِي فِي الْمَنْعِ مِنْ جَوَازِ الْعَقْدِ فَإِنْ أَجَازَ صَاحِبُهُ بَعْدُ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُمَا قَدْ أَسْقَطَا خِيَارَهُمَا.

وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجِبُ أَنْ يَكُونَ وَقْتَ الْإِجَازَةِ مُقَدَّرًا بِالثَّلَاثِ حَتَّى لَوْ أَجَازَاهُ فِي الثَّلَاثِ صَحَّ الْعَقْدُ بَعْدَهُ لَمْ يَصِحَّ كَمَا فِي الْخِيَارِ الْمُؤَبَّدِ لَوْ أَسْقَطَاهُ فِي الثُّلُثِ يَصِحُّ لِتَقَرُّرِ الْفَسَادِ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ كَذَا هَاهُنَا وَلِهَذَا أَيْ وَلِأَنَّ الْهَزْلَ بِمَنْزِلَةِ خِيَارِ الْمُتَبَايِعَيْنِ لَمْ يَقَعْ الْمِلْكُ بِهَذَا الْبَيْعِ هَزْلًا وَإِنْ اتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ حَتَّى لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ عَبْدًا فَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي وَأَعْتَقَهُ لَا يَنْفُذُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ غَيْرُ ثَابِتٍ لِعَدَمِ اخْتِيَارِهِمَا لِلْحُكْمِ بِالْقَصْدِ إلَى الْهَزْلِ فَيَتَوَقَّفُ الْحُكْمُ عَلَى اخْتِيَارِهِمَا لَهُ فَقَبْلَ الِاخْتِيَارِ لَا مِلْكَ لِلْمُشْتَرِي فَلَا يَنْفُذُ إعْتَاقُهُ بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي مِنْ الْمُكْرَهِ مُخْتَارًا لِلْحُكْمِ غَيْرَ رَاضٍ بِهِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ لِلْجَدِّ مِنْ الْكَلَامِ وَإِنَّمَا أُكْرِهَ عَلَى الْجَدِّ وَأَجَابَ إلَى ذَلِكَ فَلِهَذَا يَنْفُذُ إعْتَاقُهُ بَعْدَ الْقَبْضِ حَتَّى لَوْ كَانَ أُكْرِهَ عَلَى بَيْعِ تَلْجِئَةٍ فَبَاعَهُ لَمْ يَجُزْ إعْتَاقُ الْمُشْتَرِي فِيهِ أَيْضًا وَدَلَالَةُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ أَيْ الدَّلِيلُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْهَزْلَ لَا يُنَافِي الْأَهْلِيَّةَ وَلَا الِاخْتِيَارَ وَالرِّضَاءَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015