وَإِذَا أَسْلَمَ يَجِبُ أَنْ يَصِحَّ إسْلَامُهُ كَإِسْلَامِ الْمُكْرَهِ وَإِذَا أَقَرَّهُ بِالْقِصَاصِ أَوْ بَاشَرَ سَبَبَ الْقِصَاصِ لَزِمَهُ حُكْمُهُ وَإِذَا قَذَفَ أَوْ أَقَرَّ بِهِ لَزِمَهُ الْحَدُّ؛ لِأَنَّ السُّكْرَ دَلِيلُ الرُّجُوعِ وَذَلِكَ لَا يَبْطُلُ بِصَرِيحِهِ فَبِدَلِيلِهِ أَوْلَى وَإِنْ زَنَى فِي سُكْرِهِ حُدَّ إذَا صَحَا وَإِذَا أَقَرَّ أَنَّهُ سَكِرَ مِنْ الْخَمْرِ طَائِعًا لَمْ يُحَدَّ حَتَّى يَصْحُوَ فَيُقِرَّ أَوْ يَقُومَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ وَإِذَا أَقَرَّ بِشَيْءٍ مِنْ الْحُدُودِ لَمْ يُؤْخَذْ بِهِ إلَّا بِحَدِّ الْقَذْفِ وَإِنَّمَا لَمْ يُوضَعْ عَنْهُ الْخِطَابُ وَلَزِمَهُ أَحْكَامُ الشَّرْعِ؛ لِأَنَّ السُّكْرَ لَا يُزِيلُ الْعَقْلَ لَكِنَّهُ سُرُورٌ غَلَبَهُ فَإِنْ كَانَ سَبَبُهُ مَعْصِيَةً لَمْ يُعَدَّ عُذْرًا، وَكَذَلِكَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQفَجُعِلَ كَأَنَّهُ لَمْ يَنْطِقْ بِهِ حُكْمًا كَمَا لَوْ جَرَى عَلَى لِسَانِ الصَّاحِي كَلِمَةُ الْكُفْرِ خَطَأً كَيْف وَلَا يَنْجُو سَكْرَانُ مِنْ التَّكَلُّمِ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ عَادَةً وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا تَكَلَّمَ بِالْكُفْرِ هَازِلًا؛ لِأَنَّهُ بِنَفْسِهِ اسْتِخْفَافٌ بِالدِّينِ وَهُوَ كُفْرٌ وَقَدْ صَدَرَ عَنْ قَصْدٍ صَحِيحٍ فَيُعْتَبَرُ.
وَتَمَسَّكَ بَعْضُهُمْ بِمَا رُوِيَ «أَنَّ وَاحِدًا مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ سَكِرَ حِينَ كَانَ الشَّرَابُ حَلَالًا فَقَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَلْ أَنْتُمْ إلَّا عَبِيدِي وَعَبِيدَ آبَائِي وَلَمْ يُجْعَلْ ذَلِكَ مِنْهُ كُفْرًا وَقَرَأَ سَكْرَانٌ سُورَةَ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] فِي صَلَاةِ الْمَغْرِبِ وَتَرَكَ اللَّاءَاتِ فَنَزَلَ قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ} [النساء: 43] وَلَمْ يَحْكُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِكُفْرِهِ وَلَا بِالتَّفْرِيقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ وَلَا بِتَجْدِيدِ الْإِيمَانِ» فَدَلَّ أَنَّ بِالتَّكَلُّمِ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ فِي حَالِ السُّكْرِ لَا يُحْكَمُ بِالرِّدَّةِ كَمَا لَا يُحْكَمُ بِهَا فِي حَالَةِ الْخَطَأِ وَالْجُنُونِ فَلَا تَبِينُ مِنْهُ امْرَأَتُهُ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ هَذَا التَّمَسُّكُ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ هَاهُنَا أَنَّ كَلَامَنَا فِي السُّكْرِ الْمَحْظُورِ وَكَانَ ذَلِكَ السُّكْرُ مُبَاحًا؛ لِأَنَّ الشُّرْبَ كَانَ حَلَالًا فَصَيْرُورَتُهُ عُذْرًا فِي عَدَمِ اعْتِبَارِ الرِّدَّةِ لَا يَدُلُّ عَلَى صَيْرُورَتِهِ الْمَحْظُورَ عُذْرًا فِيهِ.
وَإِذَا أَسْلَمَ الْكَافِرُ فِي حَالِ السُّكْرِ يَجِبُ أَنْ يَصِحَّ إسْلَامُهُ بِوُجُودِ أَحَدِ الرُّكْنَيْنِ تَرْجِيحًا لِجَانِبِ الْإِسْلَامِ كَمَا فِي الْمُكْرَهِ وَلَا يُقَالُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ إيمَانُهُ أَنَّ دَلِيلَ الرُّجُوعِ وَهُوَ السُّكْرُ يُقَارِنُهُ فَيَمْنَعُهُ مِنْ الثُّبُوتِ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّهُ لَا يَقْبَلُ الرُّجُوعَ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ رِدَّةٌ فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ دَلِيلُ الرُّجُوعِ وَلَوْ أَثْبَتْنَا الرِّدَّةَ فَالسُّكْرُ مَانِعٌ مِنْ صِحَّتِهَا فَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهَا بِمَا يَمْنَعُ عَنْ ثُبُوتِهَا؛ لِأَنَّ السُّكْرَ دَلِيلُ الرُّجُوعِ إذْ السَّكْرَانُ لَا يَكَادُ يَسْتَقِرُّ عَلَى أَمْرٍ وَيَثْبُتُ عَلَى كَلَامٍ وَذَلِكَ أَيْ الْإِقْرَارُ بِالْقِصَاصِ وَالْقَذْفِ وَمُبَاشَرَةُ سَبَبِهِمَا لَا يَبْطُلُ بِصَرِيحِ الرُّجُوعِ؛ لِأَنَّ مُبَاشَرَةَ السَّبَبِ أَمْرٌ مُعَايَنٌ لَا يَقْبَلُ الرُّجُوعَ وَكَذَا الْإِقْرَارُ بِالْقِصَاصِ وَالْقَذْفِ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ فَبِدَلِيلِ الرُّجُوعِ وَهُوَ السُّكْرُ أَوْلَى أَنْ لَا يَبْطُلَ وَفِي الْمَبْسُوطِ وَإِذَا قَذَفَ السَّكْرَانُ رَجُلًا حُبِسَ حَتَّى يَصْحُوَ ثُمَّ يُحَدُّ لِلْقَذْفِ ثُمَّ يُحْبَسُ حَتَّى يَجِفَّ عَلَيْهِ الضَّرْبُ ثُمَّ يُحَدُّ لِلسُّكْرِ؛ لِأَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ فِيهِ مَعْنَى حَقِّ الْعِبَادِ فَيُقَدَّمُ عَلَى حَدِّ السُّكْرِ وَلَا يُوَالِي بَيْنَهُمَا فِي الْإِقَامَةِ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى التَّلَفِ وَسُكْرُهُ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الْحَدِّ عَلَيْهِ بِالْقَذْفِ؛ لِأَنَّهُ مَعَ سُكْرِهِ مُخَاطَبٌ.
أَلَا تَرَى أَنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَخَذُوا حَدَّ الشُّرْبِ مِنْ حَدِّ الْقَذْفِ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ إذَا شَرِبَ هَذَى وَإِذَا هَذَى افْتَرَى وَحَدُّ الْمُفْتَرِينَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى ثَمَانُونَ جَلْدَةً وَإِذَا زَنَى فِي سُكْرِهِ حُدَّ إذَا صَحَا يَعْنِي إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ مُشَاهَدٌ لِأَمْرٍ دَلَّهُ وَالسُّكْرُ لَا يَصْلُحُ شُبْهَةً دَارِئَةً؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ بِسَبَبٍ هُوَ مَعْصِيَةٌ فَلَا يَصْلُحُ سَبَبًا لِلتَّخْفِيفِ لَكِنَّ الْحَدَّ يُؤَخَّرُ إلَى الصَّحْوِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ وَهُوَ الِانْزِجَارُ لَا يَحْصُلُ بِالْإِقَامَةِ فِي حَالَةِ السُّكْرِ.
وَإِذَا أَقَرَّ أَنَّهُ سَكِرَ مِنْ الْخَمْرِ طَائِعًا لَمْ يُحَدَّ حَتَّى يَصْحُوَ فَيُقِرَّ ثَانِيًا أَوْ تَقُومَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ سَكِرَ طَائِعًا لِمَا قُلْنَا إنَّ السُّكْرَ أَنْ لَا يَثْبُتَ عَلَى كَلَامٍ وَلَكِنَّهُ يَتَكَلَّمُ بِالشَّيْءِ وَضِدِّهِ وَالْإِصْرَارُ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالسَّبَبِ لَا بُدَّ مِنْهُ لِإِيجَابِ حَدِّ الْخَمْرِ وَإِذَا أَقَرَّ بِشَيْءٍ مِنْ الْحُدُودِ لَمْ يُؤْخَذْ بِهِ إلَّا بِحَدِّ الْقَذْفِ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ عَنْ الْإِقْرَارِ بِالْحُدُودِ يَصِحُّ فِيمَا سِوَى حَدِّ الْقَذْفِ وَقَدْ قَارَنَهُ هَاهُنَا دَلِيلُ الرُّجُوعِ وَهُوَ السُّكْرُ فَمَنَعَهُ عَنْ الثُّبُوتِ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ أَسْهَلُ مِنْ الرَّفْعِ ثُمَّ أَشَارَ الشَّيْخُ