مِثْلُ الْبَنْجِ وَالْأَفْيُونِ أَوْ شَرِبَ لَبَنًا فَسَكِرَ بِهِ، وَكَذَلِكَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا شَرِبَ شَرَابًا يُتَّخَذُ مِنْ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالْعَسَلِ فَسَكِرَ مِنْهُ حَتَّى لَمْ يُحَدَّ عَلَى قَوْلِهِ فِي ظَاهِرِ الْجَوَابِ فَإِنَّ السُّكْرَ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ بِمَنْزِلَةِ الْإِغْمَاءِ يَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَسَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ اللَّهْوِ فَصَارَ مِنْ أَقْسَامِ الْمَرَضِ، وَبَعْضُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ مَذْكُورٌ فِي النَّوَادِرِ.

وَأَمَّا السُّكْرُ الْمَحْظُورُ فَهُوَ السُّكْرُ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ مُحَرَّمٍ، وَكَذَلِكَ السُّكْرُ مِنْ النَّبِيذِ الْمُثَلَّثِ أَوْ نَبِيذِ الزَّبِيبِ الْمَطْبُوخِ الْمُعْتَقِ؛ لِأَنَّ هَذَا وَإِنْ كَانَ حَلَالًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فَإِنَّمَا يَحِلُّ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَسْكَرَ مِنْهُ وَذَلِكَ مِنْ جِنْسِ مَا يَتَلَهَّى بِهِ فَيَصِيرُ السُّكْرُ مِنْهُ مِثْلَ السُّكْرِ مِنْ الشَّرَابِ الْمُحَرَّمِ.

أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُوجِبُ الْحَدَّ

[فصل السكر قسمان]

[القسم الأول السكر بطريق مباح]

ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ السُّكْر قسمان] [الْقَسْم الْأَوَّل السُّكْر بِطَرِيقِ مُبَاح]

فَصْلٌ السُّكْرُ وَهُوَ الْقِسْمُ الثَّانِي) يَعْنِي مِنْ أَقْسَامِ الْعَوَارِضِ الْمُكْتَسَبَةِ قِيلَ هُوَ سُرُورٌ يَغْلِبُ عَلَى الْعَقْلِ بِمُبَاشَرَةِ بَعْضِ الْأَسْبَابِ الْمُوجِبَةِ لَهُ فَيَمْنَعُ الْإِنْسَانَ عَنْ الْعَمَلِ بِمُوجَبِ عَقْلِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُزِيلَهُ وَلِهَذَا بَقِيَ السَّكْرَانُ أَهْلًا لِلْخِطَابِ فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَا يَكُونُ مَا حَصَلَ مِنْ شُرْبِ الدَّوَاءِ مِثْلُ الْأَفْيُونِ مِنْ أَقْسَامِ السُّكْرِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِسُرُورٍ وَقِيلَ هُوَ غَفْلَةٌ تَلْحَقُ الْإِنْسَانَ مَعَ فُتُورٍ فِي الْأَعْضَاءِ بِمُبَاشَرَةِ بَعْضِ الْأَسْبَابِ الْمُوجِبَةِ لَهَا مِنْ غَيْرِ مَرَضٍ وَعِلَّةٍ وَقِيلَ هُوَ مَعْنًى يَزُولُ بِهِ الْعَقْلُ عِنْدَ مُبَاشَرَةِ بَعْضِ الْأَسْبَابِ الْمُزِيلَةِ فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ بَقَاؤُهُ مُخَاطَبًا بَعْدَ زَوَالِ الْعَقْلِ يَكُونُ أَمْرًا حُكْمِيًّا ثَابِتًا بِطَرِيقِ الزَّجْرِ عَلَيْهِ لِمُبَاشَرَتِهِ الْمُحَرَّمَ لَا أَنْ يَكُونَ الْعَقْلُ بَاقِيًا حَقِيقَةً؛ لِأَنَّهُ يُعْرَفُ بِأَثَرِهِ وَلَمْ يَبْقَ لِلسَّكْرَانِ مِنْ آثَارِ الْعَقْلِ شَيْءٌ فَلَا يُحْكَمُ بِبَقَائِهِ قَالَ الشَّيْخُ الْحَكِيمُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ التِّرْمِذِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي نَوَادِرِهِ الْعَقْلُ فِي الرَّأْسِ وَشُعَاعُهُ فِي الصَّدْرِ وَالْقَلْبِ فَالْقَلْبُ يَهْتَدِي بِنُورِهِ لِتَدْبِيرِ الْأُمُورِ وَتَمْيِيزِ الْحَسَنِ مِنْ الْقَبِيحِ فَإِذَا شَرِبَ الْخَمْرَ خَلَصَ أَثَرُهَا إلَى الصَّدْرِ فَحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نُورِ الْعَقْلِ فَبَقِيَ الصَّدْرُ مُظْلِمًا فَلَمْ يَنْتَفِعْ الْقَلْبُ بِنُورِ الْعَقْلِ فَسُمِّيَ ذَلِكَ سُكْرًا؛ لِأَنَّهُ سُكْرٌ حَاجِزٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نُورِ الْعَقْلِ فَمَنْ أَجَازَ طَلَاقَ السَّكْرَانِ يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّبِيِّ فَيَقُولُ إنَّ السُّكْرَ سَدٌّ وَالْعَقْلُ وَرَاءَ السَّدِّ قَائِمٌ وَالصَّبِيُّ لَمْ يُعْطَ عَقْلَ الْحُجَّةِ وَهُوَ تَمَامُ الْعَقْلِ الَّذِي تَقُومُ بِهِ حُجَّةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ.

قَوْلُهُ (مِثْلُ الْبَنْجِ) ذَكَرَ الْقَاضِي الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ الْمَعْرُوفُ بِخَانِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي فَتَاوِيهِ وَشَرْحِهِ لِلْجَامِعِ الصَّغِيرِ نَاقِلًا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ أَنَّ الرَّجُلَ إنْ كَانَ عَالِمًا بِفِعْلِ الْبَنْجِ وَتَأْثِيرِهِ فِي الْعَقْلِ ثُمَّ أَقْدَمَ عَلَى أَكْلِهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ طَلَاقُهُ وَعَتَاقُهُ وَذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ لَا بَأْسَ أَنْ يَتَدَاوَى الْإِنْسَانُ بِالْبَنْجِ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَذْهَبَ عَقْلُهُ مِنْهُ بِهِ فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الشُّرْبَ عَلَى قَصْدِ السُّكْرِ حَرَامٌ.

قَوْلُهُ (حَتَّى لَمْ يُحَدَّ عَلَى قَوْلِهِ فِي ظَاهِرِ الْجَوَابِ) ذَكَرَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ مَا يُتَّخَذُ مِنْ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ وَالْعَسَلِ حَلَالٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَتَّى إنَّ الْحَدَّ لَا يَجِبُ وَإِنْ سَكِرَ فِي قَوْلِهِ وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ يَجِبُ الْحَدُّ بِالسُّكْرِ مِنْهُ وَكَذَلِكَ السَّكْرَانُ مِنْهُ إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ لَمْ يَقَعْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِمَنْزِلَةِ الطَّلَاقِ مِنْ النَّائِمِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقَعُ بِمَنْزِلَةِ السَّكْرَانِ مِنْ الْأَشْرِبَةِ الْمُحَرَّمَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ تَفْصِيلًا بَيْنَ الْمَطْبُوخِ وَغَيْرِهِ وَذَكَرَ الْقَاضِي الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ الْمُتَّخَذَ مِنْ الْحُبُوبِ وَالْفَوَاكِهِ وَالْعَسَلِ إذَا غَلَى وَاشْتَدَّ إنْ كَانَ مَطْبُوخًا أَدْنَى طَبْخَةٍ يَحِلُّ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ بِمَنْزِلَةِ نَقِيعِ الزَّبِيبِ إذَا طُبِخَ أَدْنَى طَبْخَةٍ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ بَعْضُهُمْ يَحِلُّ شُرْبُهُ إلَّا الْقَدَحَ الْمُسْكِرَ.

وَرَوَى الْقَاضِي أَبُو جَعْفَرٍ رِوَايَةً عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُكْرَهُ وَإِنْ لَمْ يُطْبَخْ حَتَّى غَلَى وَاشْتَدَّ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ لَا يَحِلُّ شُرْبُهُ كَنَقِيعِ الزَّبِيبِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَطْبُوخًا وَفِي رِوَايَةٍ يَحِلُّ شُرْبُهُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْرِبَةَ لَمْ تُتَّخَذْ مِنْ أَصْلِ الْخَمْرِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الطَّبْخُ بِخِلَافِ نَقِيعِ الزَّبِيبِ وَهَذَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015