وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِي صَاحِبِ خِيَارِ الشَّرْطِ فِي الْبَيْعِ إذَا فُسِخَ الْعَقْدُ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْ صَاحِبِهِ: إنَّ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ إلَّا بِمَحْضَرٍ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ وُضِعَ لِاسْتِثْنَاءِ حُكْمِ الْعَقْدِ لِعَدَمِ الِاخْتِيَارِ فَيَصِيرُ الْعَقْدُ بِهِ غَيْرَ لَازِمٍ ثُمَّ يُفْسَخُ لِفَوْتِ اللُّزُومِ لَا أَنَّ الْخِيَارَ لِلْفَسْخِ لَا مَحَالَةَ فَصَيَّرَ هَذَا بِالْفَسْخِ مُتَصَرِّفًا عَلَى الْآخَرِ بِمَا فِيهِ إلْزَامٌ فَلَا يَصِحُّ إلَّا بِعِلْمِهِ فَإِنْ بَلَّغَهُ رَسُولُ صَاحِبِ الْخِيَارِ صَحَّ فِي الثُّلُثِ بِلَا شَرْطِ عَدَالَةٍ وَبَعْدَ الثَّلَاثِ لَا يَصِحُّ وَإِنْ بَلَّغَهُ فُضُولِيٌّ شُرِطَ فِيهِ الْعَدَدُ أَوْ الْعَدَالَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فَإِنْ وُجِدَ أَحَدُهُمَا صَحَّ التَّبْلِيغُ فِي الثَّلَاثِ وَنَفَذَ الْفَسْخُ وَبَعْدَ الثَّلَاثِ لَا يَصِحُّ وَبَطَلَ الْفَسْخُ وَأَبُو يُوسُفَ جَعَلَ صَاحِبَ الْخِيَارِ مُسَلَّطًا عَلَى الْفَسْخِ مِنْ قِبَلِ صَاحِبِهِ فَأُضِيفَ مَا يَلْزَمُهُ صَاحِبُهُ إلَى الْتِزَامِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQبِنَفْسِ الْخِيَارِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ زِيَادَةُ مِلْكِ الزَّوْجِ عَلَيْهَا فَإِنَّهُ قَبْلَ الْعِتْقِ كَانَ يَمْلِكُ مُرَاجَعَتَهَا فِي قُرْأَيْنِ وَلَمْ يَمْلِكْ عَلَيْهَا تَطْلِيقَتَيْنِ وَقَدْ ازْدَادَ ذَلِكَ بِالْعِتْقِ فَكَانَ لَهَا أَنْ تَدْفَعَ الزِّيَادَةَ وَلَا تَتَوَصَّلَ إلَى دَفْعِ الزِّيَادَةِ إلَّا بِدَفْعِ أَصْلِ الْمِلْكِ فَكَمَا أَنَّ إثْبَاتَ دَفْعِ الْمِلْكِ عِنْدَ عَدَمِ رِضَاهَا يَتِمُّ بِهَا وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَضَاءِ فَكَذَلِكَ دَفْعُ زِيَادَةِ الْمِلْكِ فَأَمَّا فِي خِيَارِ الْبُلُوغِ فَلَا يَزْدَادُ الْمِلْكُ وَإِنَّمَا كَانَ ثُبُوتُ الْخِيَارِ لِتَوَهُّمِ تَرْكِ النَّظَرِ مِنْ الْوَلِيِّ وَذَلِكَ غَيْرُ مُتَيَقَّنٍ بِهِ فَلَا تَتِمُّ الْفُرْقَةُ إلَّا بِالْقَضَاءِ.
فَصَارَ الْحَاصِلُ أَنَّ الدَّفْعَ فِي خِيَارِ الْعَتَاقَةِ ظَاهِرٌ مَقْصُودٌ وَالْإِلْزَامُ ضِمْنِيٌّ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَضَاءِ فِي خِيَارِ الْبُلُوغِ الْإِلْزَامُ قَصْدِيٌّ وَالدَّفْعُ مُتَوَهَّمٌ ضِمْنِيٌّ فَيَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ (وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ) وَهُوَ أَنَّ مَا فِيهِ إلْزَامٌ عَلَى الْغَيْرِ لَا يَثْبُتُ بِدُونِ عِلْمِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِي صَاحِبِ خِيَارِ الشَّرْطِ فِي الْبَيْعِ مُشْتَرِيًا كَانَ أَوْ بَائِعًا إذَا فَسَخَ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْ صَاحِبِهِ أَيْ بِغَيْرِ عِلْمِهِ أَنَّ ذَلِكَ الْفَسْخَ لَا يَصِحُّ وَلَهُ أَنْ يَرْضَى بَعْدَ ذَلِكَ مَا لَمْ يَعْلَمْ الْآخَرُ بِفَسْخِهِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ فَإِنْ عَلِمَ ذَلِكَ فِي الْمُدَّةِ تَمَّ الْفَسْخُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْضَى بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ حَتَّى مَضَتْ الْمُدَّةُ بَطَلَ ذَلِكَ الْفَسْخُ وَتَمَّ الْبَيْعُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَسْخُهُ جَائِزٌ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْ الْآخَرِ وَبِغَيْرِ عِلْمِهِ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ خَالِصُ حَقِّ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ وَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ رِضَاءُ صَاحِبِهِ فِي تَصَرُّفِهِ بِحُكْمِ الْخِيَارِ وَمُوجِبُ الْخِيَارُ الْفَسْخُ أَوْ الْإِجَازَةُ ثُمَّ الْإِجَازَةُ تَتِمُّ بِغَيْرِ مَحْضَرِ الْآخَرِ كَمَا تَتِمُّ بِغَيْرِ رِضَاهُ فَكَذَا الْفَسْخُ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ يُشْتَرَطُ لِلْفَسْخِ لَا لِلنَّفَاذِ إذْ النَّفَاذُ ثَابِتٌ بِدُونِ الْخِيَارِ وَهَذَا لِأَنَّهُ بِمُسَاعَدَةِ صَاحِبِهِ عَلَى الشَّرْطِ صَارَ مُسَلَّطًا عَلَى الْفَسْخِ مِنْ جِهَتِهِ وَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ رِضَاهُ فِي تَصَرُّفِهِ فَلَا يَتَوَقَّفُ تَصَرُّفُهُ عَلَى عِلْمِهِ كَالْوَكِيلِ إذَا تَصَرَّفَ بِغَيْرِ حَضْرَةِ الْمُوَكِّلِ وَكَالْمُخَيَّرَةِ إذَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ حَضْرَةِ الزَّوْجِ بِأَنْ بَلَغَهَا الْخَبَرُ وَهِيَ غَائِبَةٌ.
وَهَذَا بِخِلَافِ عَزْلِ الْوَكِيلِ حَيْثُ يَتَوَقَّفُ عَلَى عِلْمِهِ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ مَا تَسَلَّطَ عَلَى عَزْلِهِ بِمَعْنًى مِنْ قِبَلِ الْوَكِيلِ وَبِخِلَافِ خِيَارِ الْعَيْبِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ هُنَاكَ غَيْرُ مُسَلَّطٍ عَلَى الْفَسْخِ وَإِنَّمَا لَهُ حَقُّ الْمُطَالَبَةِ بِتَسْلِيمِ الْجُزْءِ الْفَائِتِ فَإِذَا تَحَقَّقَ عَجْزُ الْبَائِعِ عَنْهُ تَمَكَّنَ مِنْ الْفَسْخِ فَلَا يَتَحَقَّقُ عَجْزُهُ إلَّا بِمَحْضَرٍ مِنْهُ وَلَهُمَا أَنَّهُ بِالْفَسْخِ يَلْزَمُ غَيْرُهُ حُكْمًا جَدِيدًا لَمْ يَكُنْ فَلَا يَثْبُتُ حُكْمُ تَصَرُّفِهِ فِي حَقِّ ذَلِكَ الْغَيْرِ مَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ كَالْمُوَكِّلِ إذَا عَزَلَ الْوَكِيلَ حَالَ غَيْبَتِهِ يَثْبُتُ حُكْمُ الْعَزْلِ فِي حَقِّهِ مَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ وَهَذَا لِأَنَّ الْخِيَارَ وُضِعَ فِي الشَّرْعِ لِاسْتِثْنَاءِ حُكْمِ الْعَقْدِ لِعَدَمِ الِاخْتِيَارِ أَيْ يَمْنَعُ حُكْمَ الْعَقْدِ وَهُوَ الْمِلْكُ عَنْ الثُّبُوتِ لِعَدَمِ رِضَاءِ صَاحِبِ الْخِيَارِ بِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ أَوْ الْخِيَارَ دَاخِلٌ فِي الْحُكْمِ دُونَ السَّبَبِ فَيُؤَثِّرُ فِيهِ بِالْمَنْعِ بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِثْنَاءِ يَمْنَعُ دُخُولَ الْمُسْتَثْنَى فِي صَدْرِ الْكَلَامِ فَيَصِيرُ الْعَقْدُ بِهِ أَيْ بِاسْتِثْنَاءِ الْحُكْمِ وَامْتِنَاعِهِ عَنْ الثُّبُوتِ أَوْ بِعَدَمِ الِاخْتِيَارِ غَيْرَ لَازِمٍ؛ لِأَنَّ لِفَوَاتِ الِاخْتِيَارِ وَالرِّضَاءِ أَثَرٌ فِي سَلْبِ اللُّزُومِ عَنْ الْعَقْدِ كَمَا فِي بَيْعِ الْمُكْرَهِ وَالْهَازِلِ ثُمَّ يَفْسَخُ سَائِرَ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ مِنْ الْوَكَالَاتِ وَالشَّرِكَاتِ وَالْمُضَارَبَاتِ لَا أَنَّ الْخِيَارَ لِلْفَسْخِ لَا مَحَالَةَ يَعْنِي لَا أَنْ يَكُونَ شُرِعَ الْخِيَارُ لِأَجْلِ الْفَسْخِ قَصْدًا بِغَيْرِ عِلْمِ صَاحِبِهِ كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذْ لَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْفَسْخِ لَا مَحَالَةَ لَمْ يَكُنْ لَهُ وِلَايَةُ الْإِجَازَةِ؛ لِأَنَّهَا ضِدُّ الْفَسْخِ وَكَيْفَ يَكُونُ لِلْفَسْخِ وَفِيهِ سَعْيٌ فِي نَقْضِ مَا تَمَّ مِنْ