وَجَهْلُ مَوْلَى الْعَبْدِ الْجَانِي فِيمَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ وَجَهْلُ الشَّفِيعِ بِالشُّفْعَةِ يَكُونُ عُذْرًا؛ لِأَنَّ الدَّلِيلَ خَفِيٌّ وَفِيهِ إلْزَامٌ فَشَرَطَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الَّذِي يُبَلِّغُهُ مِنْ غَيْرِ رِسَالَةٍ الْعَدَالَةَ أَوْ الْعَدَدَ وَكَذَلِكَ جَهْلُ الْمَرْأَةِ الْبِكْرِ بِإِنْكَاحِ الْوَلِيِّ مِثْلُهُ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي تَبْلِيغِ الشَّرَائِعِ إلَى الْحَرْبِيِّ الَّذِي أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يُهَاجِرْ إلَيْنَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْمُبَلِّغُ رَسُولَ الْإِمَامِ، وَكَذَلِكَ جَهْلُ الْأَمَةِ الْمَنْكُوحَةِ إذَا أُعْتِقَتْ بِالْإِعْتَاقِ أَوْ بِالْخِيَارِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْإِعْتَاقِ يُجْعَلُ عُذْرًا؛ لِأَنَّ الدَّلِيلَ خَفِيٌّ فِي حَقِّهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــQإلْزَامٌ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي قُلْنَا بَلْ هُوَ أَيْ الْوَكِيلُ أَوْ الْعَبْدُ يُخَيَّرُ بَعْدَ بُلُوغِ الْخَبَرِ إلَيْهِ فِي قَبُولِ الْوَكَالَةِ وَالْإِذْنِ، وَتَحَقُّقُ مَعْنَى الْإِلْزَامِ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي بَيَّنَّا لَا يُخِلُّ بِهَذَا الِاخْتِيَارِ بِوَجْهٍ فَلِذَلِكَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ شَرَائِطِ الْإِلْزَامِ أَيْ الشَّهَادَةِ وَجَهْلُ الْوَكِيلِ بِالْعَزْلِ وَجَهْلُ الْمَأْذُونِ بِالْحَجْرِ عُذْرٌ لِخَفَاءِ الدَّلِيلِ وَلُزُومِ الضَّرَرِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِصِحَّةِ الْعَزْلِ وَالْحَجْرِ إذْ الْوَكِيلُ يَتَصَرَّفُ عَلَى أَنْ يَلْزَمَ تَصَرُّفُهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَالْعَبْدُ يَتَصَرَّفُ عَلَى أَنْ يَقْضِيَ دَيْنَهُ مِنْ كَسْبِهِ وَرَقَبَتِهِ وَبِالْعَزْلِ وَالْحَجْرِ يَلْزَمُ التَّصَرُّفُ عَلَى الْوَكِيلِ وَيَتَأَخَّرُ دَيْنُ الْعَبْدِ إلَى الْعِتْقِ وَيُؤَدِّي بَعْدَ الْعِتْقِ مِنْ خَالِصِ مِلْكِهِ وَفِيهِ مِنْ الضَّرَرِ مَا لَا يَخْفَى.
قَوْلُهُ (وَجَهْلُ مَوْلَى الْعَبْدِ الْجَانِي فِيمَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ) أَيْ فِي الْعَبْدِ إذَا جَنَى الْعَبْدُ جِنَايَةً يُخَيَّرُ الْمَوْلَى بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ فَإِذَا تَصَرَّفَ الْمَوْلَى فِي هَذَا الْجَانِي بِالْبَيْعِ أَوْ بِالْإِعْتَاقِ وَنَحْوِهِمَا بَعْدَ الْعِلْمِ بِجِنَايَتِهِ يَصِيرُ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ وَهُوَ الْأَرْشُ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْجِنَايَةِ حَتَّى تَصَرَّفَ فِيهِ بِبَيْعٍ وَنَحْوِهِ لَا يَصِيرُ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَقَلُّ مِنْ الْقِيمَةِ وَمِنْ الْأَرْشِ وَيَصِيرُ جَهْلُهُ بِالْجِنَايَةِ عُذْرًا وَجَهْلُ الشَّفِيعِ بِالشُّفْعَةِ أَيْ بِسَبَبِ ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ وَهُوَ الْبَيْعُ يَكُونُ عُذْرًا حَتَّى إذَا عَلِمَ بِالْبَيْعِ بَعْدَ زَمَانٍ يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الشُّفْعَةِ لِأَنَّ الدَّلِيلَ أَيْ دَلِيلَ الْعِلْمِ فِي الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ خَفِيٌّ فِي حَقِّ هَؤُلَاءِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ لَا تَكُونُ مَشْهُورَةً وَيَسْتَبِدُّ الْمُوَكِّلُ بِالْعَزْلِ وَالْمَوْلَى بِالْحَجْرِ وَالْعَبْدُ بِالْجِنَايَةِ وَصَاحِبُ الدَّارِ بِالْبَيْعِ فَأَنَّى يَحْصُلُ الْعِلْمُ لِلْوَكِيلِ وَالْعَبْدِ وَالْمَوْلَى وَالشَّفِيعِ بِهَذِهِ الْأُمُورِ وَفِيهِ أَيْ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ إلْزَامُ ضَرَرٍ حَيْثُ يَلْزَمُ التَّصَرُّفُ بِالْعَزْلِ عَلَى الْوَكِيلِ وَتَصِيرُ الْعَيْنُ مَضْمُونَةً عَلَيْهِ وَتَبْطُلُ وِلَايَةُ الْمَأْذُونِ فِي التَّصَرُّفَاتِ بِالْحَجْرِ وَيَلْزَمُ عَلَى الْمَوْلَى الدَّفْعُ أَوْ الْفِدَاءُ بِجِنَايَةِ الْعَبْدِ وَيَلْزَمُ عَلَى الشَّفِيعِ ضَرَرُ الْجَارِ بِالْبَيْعِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ يَتَوَقَّفُ ثُبُوتُهَا عَلَى الْعِلْمِ كَأَحْكَامِ الشَّرْعِ فَشَرْطُ أَبُو حَنِيفَةَ يَعْنِي وَلَمَّا كَانَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا مَعْنَى الْإِلْزَامِ شَرَطَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الَّذِي يَبْلُغُهُ مِنْ غَيْرِ رِسَالَةِ الْعَدَدِ أَوْ الْعَدَالَةِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ كِلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ دُونَ الْإِلْزَامَاتِ الْمَحْضَةِ فِي الْأَمْوَالِ وَغَيْرِهَا فَلِذَلِكَ لَمْ يُشْتَرَطْ فِيهِ إلَّا أَحَدُ شَطْرَيْ الشَّهَادَةِ وَقَدْ مَرَّ تَحْقِيقُهُ فِي بَابِ بَيَانِ مَحَلِّ الْخَبَرِ وَكَذَلِكَ أَيْ وَمِثْلُ قَوْلِهِ فِي اشْتِرَاطِ أَحَدِ شَطْرَيْ الشَّهَادَةِ فِي تَبْلِيغِ هَذِهِ الْأُمُورِ قَوْلُهُ فِي تَبْلِيغِ الشَّرَائِعِ إلَى الْحَرْبِيِّ الَّذِي أَسْلَمَ وَلَمْ يُهَاجِرْ يَعْنِي تُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ أَوْ الْعَدَدُ عِنْدَهُ وَلَا تُشْتَرَطُ عِنْدَهُمَا.
وَمِنْهُمْ مِنْ يَقُولُ تُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَخْبَارِ الدِّينِ وَالْعَدَالَةُ فِيهَا شَرْطٌ بِالِاتِّفَاقِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ لَا تُشْتَرَطُ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ مَأْمُورٌ مِنْ صَاحِبِ الشَّرْعِ بِالتَّبْلِيغِ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا مَقَالَةً فَوَعَاهَا كَمَا سَمِعَهَا ثُمَّ أَدَّاهَا إلَى مَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا» فَهَذَا الْمُبَلِّغُ نَظِيرُ الرَّسُولِ مِنْ الْمَوْلَى وَالْمُوَكِّلِ وَفِي خَبَرِ الرَّسُولِ لَا تُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ فِي الْمُخْبِرِ فَكَذَا هَذَا وَقَدْ مَرَّ بَيَانُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَيْضًا وَكَذَلِكَ أَيْ وَمِثْلُ جَهْلِ هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورُ مِنْ جَهْلِ الْمَرْأَةِ الْبِكْرِ الْبَالِغَةِ بِإِنْكَاحِ الْوَلِيِّ يَكُونُ عُذْرًا حَتَّى لَا يَكُونَ سُكُوتُهَا قَبْلَ الْعِلْمِ رِضًا بِالنِّكَاحِ؛ لِأَنَّ دَلِيلَ الْعِلْمِ خَفِيٌّ فِي حَقِّهَا لِاسْتِبْدَادِ الْوَلِيِّ بِالْإِنْكَاحِ وَفِيهِ إلْزَامُ حُكْمِ النِّكَاحِ عَلَيْهَا فَيُشْتَرَطُ الْعَدَدُ أَوْ الْعَدَالَةُ فِي الْمُبَلِّغِ عِنْدَهُ وَلَا يُشْتَرَطُ