وَكَذَلِكَ صَائِمٌ احْتَجَمَ ثُمَّ أَفْطَرَ عَلَى ظَنِّ أَنَّ الْحِجَامَةَ فَطَّرَتْهُ وَعَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ لَمْ تَلْزَمْهُ الْكَفَّارَةُ لِمَا قُلْنَا وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ

ـــــــــــــــــــــــــــــQلِاثْنَيْنِ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَنْفَرِدَ بِقَتْلِهِ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ حَتَّى لَوْ عَفَا أَحَدُهُمَا كَانَ لِلْآخَرِ قَتْلُهُ. فَعَلَى هَذَا كَانَ سُقُوطُ الْقِصَاصِ بِعَفْوِ الْبَعْضِ أَمْرًا مُجْتَهَدًا فِيهِ إنْ كَانَ ذَلِكَ الِاجْتِهَادُ صَحِيحًا فَلَا يَحْتَاجُ كَلَامُ الشَّيْخِ إلَى تَأْوِيلٍ. وَفِي حُكْمٍ يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ يَعْنِي بَعْدَمَا حَصَلَ جَهْلُهُ فِي مَوْضِعِ الِاجْتِهَادِ حَصَلَ فِي حُكْمٍ يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ وَهُوَ الْقِصَاصُ فَكَانَ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ مِنْ الْجَهْلِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى.

قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ) أَيْ وَكَالْوَلِيِّ الْقَاتِلُ فِي أَنَّ الْجَهْلَ يَصْلُحُ شُبْهَةً. صَائِمٌ احْتَجَمَ ثُمَّ أَفْطَرَ عَلَى ظَنِّ أَنَّ الْحِجَامَةَ فِطْرَتُهُ. وَظَنَّ أَنَّ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ أَيْ تَقْدِيرِ أَنَّ الْحِجَامَةَ فِطْرَتُهُ لَمْ تَلْزَمْهُ الْكَفَّارَةُ بِالْإِفْطَارِ بَعْدَهَا.

أَوْ ظَنَّ أَنَّ عَلَى تَقْدِيرِ الْأَكْلِ بَعْدَ حُصُولِ الْإِفْطَارِ بِالْحِجَامَةِ لَمْ تَلْزَمْهُ الْكَفَّارَةُ. وَقَوْلُهُ لِمَا قُلْنَا مُتَعَلِّقٌ بِكَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ جَوَابَ الْمَسْأَلَةِ فَإِنَّ جَوَابَهَا لَيْسَ بِمَذْكُورٍ صَرِيحًا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ الَّذِي بَيَّنَّا يَعْنِي وَكَمَا يَسْقُطُ الْقِصَاصُ بِجَهْلِ الْوَلِيِّ تَسْقُطُ الْكَفَّارَةُ بِجَهْلِ صَائِمٍ إلَى آخِرِهِ لِمَا قُلْنَا إنَّ حُصُولَ الْجَهْلِ فِي مَوْضِعِ الِاجْتِهَادِ وَفِي حُكْمٍ يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ مُعْتَبَرٌ، وَظَنُّ هَذَا الصَّائِمِ فِي مَوْضِعِ الِاجْتِهَادِ، إذْ الْأَوْزَاعِيُّ يَقُولُ بِفَسَادِ الصَّوْمِ بِالْحِجَامَةِ مُعْتَمِدًا عَلَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حِين «رَأَى رَجُلَيْنِ حَجَمَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» . وَفِي مَوْضِعٍ يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ؛ لِأَنَّ كَفَّارَةَ الصَّوْمِ تَسْقُطُ بِالشُّبُهَاتِ لِتَرَجُّحِ جَانِبِ الْعُقُوبَةِ فِيهَا عَلَى مَا مَرَّ بَيَانُهُ. وَظَنِّي أَنَّ قَوْلَهُ وَعَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ زِيَادَةٌ وَقَعَتْ مِنْ الْكَاتِبِ وَأَنَّ قَوْلَهُ لَمْ تَلْزَمْهُ الْكَفَّارَةُ جَوَابُ الْمَسْأَلَةِ وَلِمَا قُلْنَا مُتَعَلِّقٌ بِهِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ مُسْتَقِيمٌ مُتَّضِحٌ بِدُونِ تِلْكَ الزِّيَادَةِ. ثُمَّ مَا ذَكَرَ الشَّيْخُ مِنْ سُقُوطِ الْكَفَّارَةِ بِالظَّنِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَيْسَ بِمُجْرًى عَلَى ظَاهِرِهِ فَإِنَّ شَيْخَ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَكَرَ فِي شَرْحِ كِتَابِ الصَّوْمِ أَنَّ الصَّائِمَ لَوْ احْتَجَمَ فَظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ يُفْطِرُهُ ثُمَّ أَكَلَ مُتَعَمِّدًا وَلَمْ يَسْتَفْتِ عَالِمًا وَلَمْ يَبْلُغْهُ الْحَدِيثُ نَسَخَهُ أَوْ بَلَغَهُ وَعَرَفَ تَأْوِيلَهُ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّ ظَنَّهُ حَصَلَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ فَإِنَّ انْعِدَامَ رُكْنِ الصَّوْمِ بِوُصُولِ الشَّيْءِ إلَى بَاطِنِهِ وَلَمْ يُوجَدْ وَفَسَادُهُ بِالِاسْتِقَاءِ وَالْحَيْضِ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ فَيَكُونُ ظَنُّهُ مُجَرَّدَ جَهْلٍ وَهُوَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ.

فَإِنْ اسْتَفْتَى فَقِيهًا يُؤْخَذُ مِنْهُ الْفِقْهُ وَيُعْتَمَدُ عَلَى فَتْوَاهُ فَأَفْتَاهُ بِالْفَسَادِ فَأَفْطَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مُتَعَمِّدًا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّ عَلَى الْعَامِّيِّ أَنْ يَعْمَلَ بِفَتْوَى الْمُفْتِي إذَا كَانَ الْمُفْتِي مِمَّنْ يُؤْخَذُ مِنْهُ الْفِقْهُ وَيُعْتَمَدُ عَلَى فَتَوَاهُ وَإِنْ كَانَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُخْطِئًا فِيمَا يُفْتِي؛ لِأَنَّهُ لَا دَلِيلَ لِلْعَامِّيِّ سِوَى هَذَا فَكَانَ مَعْذُورًا فِيمَا صَنَعَ وَلَا عُقُوبَةَ عَلَى الْمَعْذُورِ وَلَوْ لَمْ يَسْتَفْتِ وَلَكِنْ بَلَغَهُ الْحَدِيثُ وَلَمْ يَعْرِفْ نَسْخَهُ وَلَا تَأْوِيلَهُ، قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ وَالْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ وَإِنْ كَانَ مَنْسُوخًا لَا يَكُونُ أَدْنَى دَرَجَةً مِنْ الْفَتْوَى إذَا لَمْ يَبْلُغْهُ النَّسْخُ فَيَصِيرُ شُبْهَةً. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّ مَعْرِفَةَ الْأَخْبَارِ وَالتَّمْيِيزِ بَيْنَ صَحِيحِهَا وَسَقِيمِهَا وَنَاسِخِهَا وَمَنْسُوخِهَا مُفَوَّضٌ إلَى الْفُقَهَاءِ فَلَيْسَ لِلْعَامِّيِّ أَنْ يَأْخُذَ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مَصْرُوفًا عَنْ ظَاهِرِهِ أَوْ مَنْسُوخًا إنَّمَا لَهُ الرُّجُوعُ إلَى الْفُقَهَاءِ وَالسُّؤَالُ عَنْهُمْ فَإِذَا لَمْ يَسْأَلْ فَقَدْ قَصَّرَ فَلَا يُعْذَرُ وَهَكَذَا ذَكَرَ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَيْضًا فَتَبَيَّنَ أَنَّ الظَّنَّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِدُونِ اعْتِمَادِهِ عَلَى فَتْوَى أَوْ حَدِيثٍ لَيْسَ بِمُعْتَبَرٍ وَأَنَّ قَوْلَ الْأَوْزَاعِيِّ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015