وَوَجَبَتْ الْمُجَاهَدَةُ لِمُحَارَبَتِهِمْ وَوَجَبَ قَتْلُ أَسْرَاهُمْ وَالتَّذْفِيفُ عَلَى جَرِيحِهِمْ وَلَمْ نَضْمَنْ نَحْنُ أَمْوَالَهُمْ وَدِمَاءَهُمْ وَلَمْ نُحْرَمْ عَنْ الْمِيرَاثِ بِقَتْلِهِمْ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ جَامِعٌ وَالْقَتْلُ حَقٌّ وَهُمْ لَمْ يُحْرَمُوا أَيْضًا إنْ قُتِلُوا أَيْضًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ مِنْهُمْ فِي حُكْمِ الدُّنْيَا بِشَرْطِ الْمَنَعَةِ فِي حُكْمِ الْجِهَادِ بِنَاءً عَلَى دِيَانَتِهِمْ وَإِنْ كَانَ بَاطِلًا فِي حَقِيقَةٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــQحَتَّى تَعْزِمُوا عَلَى الْقِتَالِ بِالتَّجَمُّعِ وَالتَّحَيُّزِ عَنْ أَهْلِ الْعَدْلِ فَدَلَّ أَنَّهُمْ مَا لَمْ يَعْزِمُوا عَلَى الْخُرُوجِ لَا يَتَعَرَّضُ لَهُمْ بِالْقَتْلِ وَالْحَبْسِ فَإِذَا تَجَمَّعُوا وَعَزَمُوا عَلَى الْخُرُوجِ وَجَبَ عَلَى كُلِّ مَنْ يَقْوَى عَلَى الْقِتَالِ أَنْ يُقَاتِلَهُمْ مَعَ إمَامِ الْمُسْلِمِينَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات: 9] وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ وَلِأَنَّهُمْ قَصَدُوا أَذَى الْمُسْلِمِينَ وَتَهْيِيجَ الْفِتْنَةِ، وَإِمَاطَةُ الْأَذَى وَتَسْكِينُ الْفِتْنَةِ مِنْ أَبْوَابِ الدِّينِ.
وَخُرُوجُهُمْ مَعْصِيَةٌ فَفِي الْقِيَامِ بِقِتَالِهِمْ نَهْيٌ عَنْ الْمُنْكَرِ وَهُوَ فَرْضٌ. وَالْإِمَامُ فِيهِ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّهُ قَامَ بِالْقِتَالِ وَأَخْبَرَ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِذَلِكَ بِقَوْلِهِ أُمِرْت بِقِتَالِ الْمَارِقِينَ وَالنَّاكِثِينَ وَالْقَاسِطِينَ. وَوَجَبَ قَتْلُ أُسَرَائِهِمْ وَالتَّذْفِيفِ عَلَى جَرِيحِهِمْ ذَكَرَ هَاهُنَا لَفْظَ الْوُجُوبِ، وَذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ بِلَفْظِهِ لَا بَأْسَ فَقِيلَ لَا بَأْسَ بِقَتْلِ أَسِيرِهِمْ إذَا كَانَتْ لَهُمْ فِئَةٌ؛ لِأَنَّ شَرَّهُ لَمْ يَنْدَفِعْ وَلَكِنَّهُ مَقْهُورٌ لَوْ تَخَلَّصَ لَتَحَيَّزَ إلَى فِئَتِهِ فَإِذَا رَأَى الْإِمَامُ مَصْلَحَةً فِي قَتْلِهِ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَقْتُلَهُ. وَإِذَا لَمْ يَبْقَ لَهُمْ فِئَةٌ لَا يُقْتَلُ؛ لِأَنَّ إبَاحَةَ الْقَتْلِ لِدَفْعِ الْبَغْيِ وَقَدْ انْدَفَعَ وَكَانَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُحَلِّفُ مَنْ بَاشَرَهُ مِنْهُمْ أَنْ لَا يَخْرُجَ عَلَيْهِ ثُمَّ يُخَلِّي سَبِيلَهُ. وَكَذَلِكَ لَا بَأْسَ بِأَنْ يُجْهِزَ عَلَى جَرِيحِهِمْ إذَا كَانَتْ فِئَتُهُمْ بَاقِيَةً؛ لِأَنَّهُ إذَا بَرِئَ عَادَ إلَى الْفِتْنَةِ وَالشَّرِّ بِقُوَّةِ تِلْكَ الْفِئَةِ. وَلِأَنَّ فِي قَتْلِ الْأَسِيرِ وَالْإِجْهَازِ كَسْرَ شَوْكَةِ أَصْحَابِهِ فَإِذَا بَقِيَتْ لَهُمْ فِئَةٌ يَحْصُلُ هَذَا الْمَقْصُودُ بِذَلِكَ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ تَبْقَ لَهُمْ فِئَةٌ وَالتَّذْفِيفُ الْإِسْرَاعُ فِي الْقَتْلِ وَالْمُرَادُ مِنْ التَّذْفِيفِ هَاهُنَا إتْمَامُ الْقَتْلِ وَلَمْ نَضْمَنْ نَحْنُ أَمْوَالَهُمْ بِالْإِتْلَافِ لِمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ وَدِمَاءَهُمْ؛ لِأَنَّ قَتْلَهُمْ وَاجِبٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَلَا يُوجِبُ ضَمَانًا. وَلَمْ نُحَرِّمْ عَنْ الْمِيرَاثِ حَتَّى لَوْ قَتَلَ الْعَادِلُ فِي الْحَرْبِ مُوَرِّثَهُ الْبَاغِيَ وَرِثَهُ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ جَامِعٌ بَيْنَ الْوَارِثِ وَالْمُوَرِّثِ فِي الدِّينِ فَلَمْ يَثْبُتْ اخْتِلَافُ الدِّينُ الَّذِي هُوَ مَانِعٌ مِنْ الْإِرْثِ بِاخْتِلَافِ دِيَانَتِهِمَا وَالْقَتْلُ بِحَقٍّ فَلَا يَصْلُحُ سَبَبًا لِلْحِرْمَانِ كَالْقَتْلِ رَجْمًا أَوْ قِصَاصًا؛ لِأَنَّ حِرْمَانَ الْمِيرَاثِ عُقُوبَةٌ شُرِعَتْ جَزَاءً عَلَى قَتْلٍ مَحْظُورٍ فَالْقَتْلُ الْمَأْمُورُ بِهِ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لَهُ.
وَهُمْ أَيْ أَهْلُ الْبَغْيِ لَمْ يُحْرَمُوا عَنْ الْمِيرَاثِ حَتَّى لَوْ قَتَلَ الْبَاغِي أَخَاهُ الْعَادِلَ وَقَالَ كُنْت عَلَى الْحَقِّ وَأَنَا الْآنَ عَلَى الْحَقِّ وَرِثَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَإِنْ قَالَ كُنْت عَلَى بَاطِلٍ لَمْ يَرِثْهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَرِثُهُ بِحَالٍ؛ لِأَنَّهُ قَتْلٌ بِغَيْرِ حَقٍّ فَيُحْرَمُ بِهِ عَنْ الْمِيرَاثِ كَمَا لَوْ قَتَلَهُ ظُلْمًا مِنْ غَيْرِ تَأْوِيلٍ وَهَذَا؛ لِأَنَّ اعْتِقَادَهُ وَتَأْوِيلَهُ لَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَى مُوَرِّثِهِ الْعَادِلِ وَلَا عَلَى سَائِرِ وَرَثَتِهِ إنَّمَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ فِي حَقِّهِ خَاصَّةً. يُوَضِّحُهُ أَنَّ تَأْوِيلَ أَهْلِ الْبَغْيِ عِنْدَ انْضِمَامِ الْمَنَعَةِ إلَيْهِ يُعْتَبَرُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ أَهْلِ الْحَرْبِ وَتَأْثِيرُ ذَلِكَ فِي إسْقَاطِ ضَمَانِ النَّفْسِ وَالْمَالِ لَا فِي حُكْمِ التَّوْرِيثِ فَكَذَلِكَ تَأْوِيلُ أَهْلِ الْبَغْيِ. وَلَهُمَا أَنَّ الْمُقَاتَلَةَ بَيْنَ الْفِئَتَيْنِ بِتَأْوِيلِ الدِّينِ فَتَسْتَوِيَانِ فِي الْأَحْكَامِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْإِمَامِ كَمَا فِي سُقُوطِ الضَّمَانِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْإِلْزَامِ لَمَّا انْقَطَعَتْ بِالْمَنَعَةِ كَانَ الْقَتْلُ مِنْهُمْ فِي حُكْمِ الدُّنْيَا فِي حُكْمِ الْجِهَادِ بِنَاءً عَلَى دِيَانَتِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ اعْتَقَدُوا أَنْفُسَهُمْ عَلَى الْحَقِّ وَخُصُومَهُمْ عَلَى الْبَاطِلِ فَكَانَتْ مُقَاتَلَتُهُمْ الْخُصُومَ جِهَادًا فِي زَعْمِهِمْ وَأَمْرًا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهْيًا عَنْ الْمُنْكَرِ وَإِنْ كَانَ بَاطِلًا فِي الْحَقِيقَةِ.
وَقَوْلُهُ اعْتِقَادُهُ لَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَى