فَلَا تُبْقِي حَقًّا لَهَا لِأَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ عَلَيْهَا.

أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا عِدَّةَ عَلَيْهِ بَعْدَهَا وَلَوْ بَقِيَ ضَرْبٌ مِنْ الْمِلْكِ لَوَجَبَتْ مُرَاعَاتُهُ بِالْعِدَّةِ لِأَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ لَمْ يُشْرَعْ غَيْرُ مُؤَكَّدٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُؤَكَّدُ بِالْحَجَّةِ وَالْمَالِ وَالْمَحْرَمِيَّةَ وَأَمَّا الَّذِي لَا يَصْلُحُ لِحَاجَتِهِ فَالْقِصَاصُ لِأَنَّهُ شَرْعُ عُقُوبَةٍ لِدَرْكِ الثَّأْرِ وَقَدْ وَجَبَ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْحَيَاةِ وَعِنْدَ ذَلِكَ لَا يَجِبُ لَهُ إلَّا مَا يَضْطَرُّ إلَيْهِ حَاجَتُهُ وَقَدْ وَقَعَتْ الْجِنَايَةُ عَلَى حَقِّ أَوْلِيَائِهِ مِنْ وَجْهٍ لِانْتِفَاعِهِمْ بِحَيَاتِهِ فَأَوْجَبْنَا الْقِصَاصَ لِلْوَرَثَةِ ابْتِدَاءً وَالسَّبَبُ قَدْ انْعَقَدَ لِلْمَيِّتِ وَلِهَذَا صَحَّ عَفْوُ الْوَارِثِ عَنْهُ قَبْلَ مَوْتِ الْمَجْرُوحِ وَصَحَّ عَفْوُ الْمَجْرُوحِ أَيْضًا

ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَرْأَةَ مَمْلُوكَةٌ فِي النِّكَاحِ وَقَدْ بَطَلَتْ أَهْلِيَّةُ الْمَمْلُوكِيَّةِ بِالْمَوْتِ فَلَا تَبْقَى أَيْ الْمَمْلُوكِيَّةُ حَقًّا لِلْمَرْأَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ أَيْ الْمَمْلُوكِيَّةَ حَقٌّ عَلَيْهَا فَلَا يُمْكِنُ إبْقَاؤُهَا حُكْمًا بَعْدَ فَوَاتِ الْمَحَلِّ بِالْمَوْتِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى إبْقَائِهَا نَظَرًا إلَى الْأَصْلِ لِأَنَّهَا لَمْ تُشْرَعْ لِحَاجَةِ الْمَمْلُوكِ إلَيْهَا بِخِلَافِ الْمَالِكِيَّةِ فَإِنَّهَا شُرِعَتْ لِلْحَاجَةِ فَيَجُوزُ أَنْ يَحْكُمَ بِبَقَائِهَا بَعْدَ الْمَوْتِ عِنْدَ بَقَاءِ مَحَلِّ الْمِلْكِ لِلْحَاجَةِ.

ثُمَّ اسْتَوْضَحَ انْقِطَاعَ النِّكَاحِ فِي جَانِبِهَا بِالْكُلِّيَّةِ بِقَوْلِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا عِدَّةَ عَلَى الزَّوْجِ بَعْدَ مَوْتِ الْمَرْأَةِ حَتَّى حَلَّ لَهُ التَّزَوُّجُ بِأُخْتِهَا وَأَرْبَعٍ سِوَاهَا مِنْ غَيْرِ تَرَاخٍ وَلَوْ بَقِيَ بَعْدَ مَوْتِهَا ضَرْبٌ مِنْ الْمِلْكِ لَوَجَبَتْ مُرَاعَاتُهُ بِالْعِدَّةِ لِأَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ ثُبُوتًا لَمْ يُشْرَعْ غَيْرَ مُؤَكَّدٍ حَتَّى تَأَكَّدَ بِالْحُجَّةِ أَيْ الشَّاهِدِ وَالْمَالِ أَيْ الْمَهْرُ وَالْمَحْرَمِيَّةِ أَيْ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ فَكَذَا فِي حَالِ الزَّوَالِ بِالْمَوْتِ وَجَبَ مُرَاعَاةُ حَقِّهِ بِالْعِدَّةِ لِأَنَّ النِّكَاحَ إذَا تَأَكَّدَ لَا يُمْكِنُ قَطْعُهُ بِمَرَّةٍ بَلْ تَجِبُ الْعِدَّةُ لِيَسْتَحِقَّ الِانْقِطَاعَ بِمُضِيِّهَا فَيَصِيرُ حَقُّ الزَّوْجِ مُؤَدَّى بِالْبَقَاءِ عَلَى مِلْكِهِ مُدَّةً وَيَعُودُ حَقُّ الْمَرْأَةِ فِي نَفْسِهَا إلَيْهَا وَهَاهُنَا لَمْ يَجِبْ الْعِدَّةُ أَصْلًا فَعُلِمَ أَنَّ فِي جَانِبِهَا لَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْ الْمِلْكِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - غَسَّلْتُك قُمْت بِأَسْبَابِ غُسْلِك وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ أُمَّ أَيْمَنَ غَسَّلَتْ فَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَلَوْ ثَبَتَ أَنَّ عَلِيًّا غَسَّلَهَا فَذَلِكَ لِادِّعَائِهِ الْخُصُوصِيَّةَ بِهِ حَيْثُ قَالَ لِابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حِينَ أَنْكَرَ عَلَيْهِ ذَلِكَ أَمَا عَلِمْت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ «فَاطِمَةُ زَوْجَتُك فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ» قَوْلُهُ (وَأَمَّا الَّذِي لَا يَصْلُحُ لِحَاجَتِهِ) أَيْ الْمَيِّتِ وَهُوَ رَابِعُ الْأَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ فَالْقِصَاصُ لِأَنَّهُ شُرِعَ لِدَرْكِ الثَّأْرِ وَلِتَشَفِّي الصُّدُورِ وَلِإِبْقَاءِ الْحَيَاةِ عَلَى الْأَوْلِيَاءِ بِدَفْعِ شَرِّ الْقَاتِلِ وَالْمَيِّتُ لَمْ يَبْقَ أَهْلًا لِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَلَا حَاجَةَ لَهُ إلَيْهَا وَقَدْ وَجَبَ الْقِصَاصُ عِنْدَ انْقِضَاءِ حَيَاةِ الْمَقْتُولِ وَعِنْدَ انْقِضَاءِ حَيَاتِهِ لَا يَجِبُ لَهُ أَيْ لَا يَثْبُتُ لَهُ إلَّا مَا يَصْلُحُ لِقَضَاءِ حَوَائِجِهِ مِنْ تَجْهِيزِهِ وَتَكْفِينِهِ وَقَضَاءِ دُيُونِهِ وَتَنْفِيذِ وَصَايَاهُ وَالْقِصَاصُ لَا يَصْلُحُ لِهَذِهِ الْحَوَائِجِ أَصْلًا.

وَقَدْ وَقَعَتْ الْجِنَايَةُ عَلَى حَقِّ أَوْلِيَاءِ الْمَيِّتِ مِنْ وَجْهٍ لِانْتِفَاعِهِمْ بِحَيَاتِهِ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَأْنِسُونَ بِهِ وَيَنْتَصِرُونَ بِهِ عَلَى الْأَعْدَاءِ وَيَنْتَفِعُونَ بِمَالِهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ فَأَوْجَبْنَا الْقِصَاصَ لِلْوَرَثَةِ ابْتِدَاءً يَعْنِي لَا يَثْبُتُ لِلْمَيِّتِ أَوَّلًا ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَيْهِمْ بِحَيْثُ تَجْرِي فِيهِ سِهَامُ الْوَرَثَةِ كَمَا يَنْتَقِلُ سَائِرُ الْحُقُوقِ بَلْ يَثْبُتُ لَهُمْ ابْتِدَاءً لِحُصُولِ مَنْفَعَةِ التَّشَفِّي لَهُمْ دُونَ الْمَيِّتِ وَلِوُقُوعِ الْجِنَايَةِ عَلَى حَقِّهِمْ مِنْ وَجْهٍ وَالسَّبَبُ انْعَقَدَ لِلْمَيِّتِ لِأَنَّ الْمُتْلَفَ نَفْسَهُ وَحَيَاتَهُ وَقَدْ كَانَ مُنْتَفِعًا بِحَيَاتِهِ أَكْثَرَ مِنْ انْتِفَاعِ أَوْلِيَائِهِ بِهَا فَكَانَتْ الْجِنَايَةُ وَاقِعَةً عَلَى حَقِّهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ الْقِصَاصُ لَهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ لَكِنَّهُ لَمَّا خَرَجَ عِنْدَ ثُبُوتِ الْحُكْمِ عَنْ أَهْلِيَّةِ الْوُجُوبِ لَهُ وَجَبَ ابْتِدَاءُ الْوَلِيِّ لِقَائِمٍ مَقَامَهُ عَلَى سَبِيلِ الْخِلَافَةِ كَمَا ثَبَتَ الْمِلْكُ لِلْمَوْلَى فِي كَسْبِ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ ابْتِدَاءً عَلَى سَبِيلِ الْخِلَافَةِ عَنْ الْعَبْدِ وَكَمَا ثَبَتَ الْمِلْكُ لِلْمُوَكِّلِ ابْتِدَاءً عِنْدَ تَصَرُّفِ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ خِلَافَةً عَنْ الْوَكِيلِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} [الإسراء: 33] بَيَّنَ أَنَّ ابْتِدَاءَ ثُبُوتِ الْقِصَاصِ لِلْوَلِيِّ الْقَائِمِ مَقَامَ الْمَقْتُولِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَغَيْرِهِ.

قَوْلُهُ (وَلِهَذَا) أَيْ وَلِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْوَجْهَيْنِ صَحَّ عَفْوُ الْوَارِثِ عَنْهُ أَيْ عَنْ الْقِصَاصِ أَوْ عَنْ الْقَاتِلِ قَبْلَ مَوْتِ الْمَجْرُوحِ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَصِحَّ لِأَنَّ حَقَّهُ إنَّمَا يَثْبُتُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ فَعَفْوُهُ قَبْلَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015