وَأَمَّا الْمَمْلُوكِيَّةُ فَهِيَ تَابِعَةٌ فِي الْبَابِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْمَوْلَى مَلَكَ فِي مُقَابَلَتِهِ مَالَ الْكِتَابَةِ مِنْ حَيْثُ يُطَالِبُهُ بِذَلِكَ وَيَحْبِسُهُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ أَصْلَ الْمَالِ وَثَبَتَ لِلْمُكَاتَبِ بِمَا مَلَكَ حَقٌّ أَنْ يُؤَدِّيَ الْكِتَابَةَ مِنْ مِلْكِهِ فَيُحْرِزَ بِهِ نَفْسَهُ وَحُرِّيَّتَهُ كَمَا يَثْبُتُ لِلْمَالِكِ حَقٌّ أَنْ يَقْبِضَ فَيُتَمِّمَ مِلْكَهُ فِي أَصْلِ الْمَالِ فَهَذَا يُتَمِّمُ مِلْكَهُ بِالْقَبْضِ فِي رَقَبَةِ الْمَالِ وَالْمُكَاتَبُ يُتِمُّ إحْرَازَ نَفْسِهِ بِالْأَدَاءِ مِنْ مِلْكِهِ لِكُلِّ أَحَدٍ حَقٌّ قَبْلَ صَاحِبِهِ بِالْعَقْدِ بِحَقِّ الْمَالِكِيَّةِ الثَّابِتَةِ بِهَذَا الْعَقْدِ.
وَتَبَيَّنَ أَنَّ مَالِكِيَّةَ الْمُكَاتَبِ تَثْبُتُ لِحَاجَتِهِ إلَى إحْرَازِ نَفْسِهِ وَصَيْرُورَتِهِ مُعْتَقًا بِوَاسِطَةِ هَذِهِ الْمَالِكِيَّةِ كَمَا أَنَّ مَالِكِيَّةَ الْمَوْلَى الثَّابِتَةَ بِهَذَا الْعَقْدِ شُرِعَتْ لِحَاجَتِهِ إلَى مِلْكِ الْبَدَلِ وَصَيْرُورَتِهِ مُعْتَقًا بِوَاسِطَتِهِ وَإِحْرَازِهِ الْوَلَاءَ الَّذِي صَارَ الْمُعْتَقُ بِهِ بِمَنْزِلِ الْوَلَدِ وَهِيَ أَيْ حَاجَةُ الْمُكَاتَبِ إلَى الْحُرِّيَّةِ أَقْوَى الْحَوَائِجِ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ رَأْسُ مَالِ الْحَيِّ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا إذْ الرَّقِيقُ فِي حُكْمِ الْأَمْوَاتِ لِأَنَّ الرِّقَّ أَثَرُ الْكُفْرِ الَّذِي هُوَ مَوْتٌ حُكْمًا وَيَدْخُلُ بِالْعِتْقِ فِي أَحْكَامِ الْأَحْيَاءِ وَالدَّلِيلُ عَلَى كَوْنِهَا أَقْوَى الْحَوَائِجِ أَنَّهُ نَدَبَ فِي هَذَا الْعَقْدِ إلَى حَطِّ بَعْضِ الْبَدَلِ بِقَوْلِهِ عَزَّ ذِكْرُهُ {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: 33] لِيَكُونَ أَقْرَبَ إلَى حُصُولِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ الْعِتْقُ ثُمَّ مَا ثَبَتَ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ لِلْمَوْلَى يَبْقَى بَعْدِ مَوْتِهِ لِحَاجَتِهِ إلَى مِلْكِ الْبَدَلِ وَنِسْبَةِ الْوَلَاءِ إلَيْهِ بِصَيْرُورَتِهِ مُعْتَقًا فَلِأَنَّ مَا ثَبَتَ لِلْمُكَاتَبِ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ بَعْدَ مَوْتِهِ لِحَاجَتِهِ إلَى حُصُولِ الْحُرِّيَّةِ كَانَ أَوْلَى لِأَنَّ حَاجَتَهُ إلَى تَحْصِيلِ الْحُرِّيَّةِ فَوْقَ حَاجَةِ مَوْلَاهُ إلَى الْوَلَاءِ.
وَقَوْلُهُ: وَأَمَّا الْمَمْلُوكِيَّةُ فَتَابِعَةٌ فِي الْبَابِ جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ لَوْ قُلْتُمْ بِبَقَاءِ مِلْكِيَّةِ الْمُكَاتَبِ لَزِمَ الْقَوْلُ بِبَقَاءِ مَمْلُوكِيَّتِهِ إذْ الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ وَلَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِبَقَاءِ مَمْلُوكِيَّتِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ لِأَنَّ إبْقَاءَ الْمَالِكِيَّةِ لِمَعْنَى الْكَرَامَةِ وَلَا كَرَامَةَ فِي إبْقَاءِ الْمَمْلُوكِيَّةِ لِأَنَّهَا تُنْبِئُ عَنْ الذُّلِّ وَالْهَوَانِ وَإِذَا لَمْ تَبْقَ الْمَمْلُوكِيَّةُ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَصِيرَ مُعَتَّقًا بَعْدَ مَوْتِهِ فَنَفْسَخُ الْكِتَابَةَ فَقَالَ بَقَاءُ الْمَمْلُوكِيَّةِ يَكُونُ تَبَعًا لِبَقَاءِ الْمَالِكِيَّةِ لَا مَقْصُودًا بِنَفْسِهِ.
وَبَيَانُهُ أَنَّا قَدْ احْتَجْنَا إلَى بَقَاءِ الْمَالِكِيَّةِ وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ إلَّا بِبَقَاءِ الْمَمْلُوكِيَّةِ وَمَحَلِّيَّةِ التَّصَرُّفِ إلَى وَقْتِ الْأَدَاءِ فَيَبْقَى الْمَمْلُوكِيَّةُ شَرْطًا لِتَحْقِيقِ الْمَالِكِيَّةِ وَلَيْسَتْ هِيَ بِمَقْصُودَةٍ بِالْبَقَاءِ إنَّمَا الْمَالِكِيَّةُ هِيَ الْمَقْصُودَةُ اسْتِدْلَالًا بِجَانِبِ الْمَوْلَى لَكِنَّ مِنْ شَرْطِ بَقَائِهَا بَقَاءَ الْمَمْلُوكِيَّةِ لِيُمْكِنَ إبْدَالُ الْعِتْقِ فِيهَا فَتَحَقُّقُ الْمَالِكِيَّةِ وَالشُّرُوطِ اتِّبَاعٌ فَبَقَّيْنَاهَا تَبَعًا يُوَضِّحُهُ أَنَّ الْمُكَاتَبَ يَبْقَى بَعْدَ الْمَوْتِ مَالِكًا مِنْ وَجْهٍ لَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِأَنَّهُ فِي حَالِ الْحَيَاةِ كَذَلِكَ وَمِنْ ضَرُورَةِ بَقَائِهِ مَالِكًا مِنْ وَجْهٍ أَنْ يَبْقَى مَعَهُ مَمْلُوكِيَّةٌ مِنْ وَجْهٍ إذْ لَوْ لَمْ يَبْقَ مَمْلُوكًا مِنْ وَجْهٍ لَصَارَ مَالِكًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَلَمْ يَكُنْ فِي حَالِ الْحَيَاةِ كَذَلِكَ وَلَمَّا ثَبَتَ أَنَّ الْمَمْلُوكِيَّةَ بَاقِيَةٌ مِنْ وَجْهٍ حَكَمْنَا بِنُفُوذِ الْعِتْقِ لِوُجُودِ شَرْطِهِ وَتَقَرَّرَتْ بِهِ مَالِكِيَّتُهُ الَّتِي اسْتَفَادَهَا بِالْعَقْدِ وَإِذَا ثَبَتَ اسْتَنَدَتْ إلَى آخِرِ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ لِأَنَّ الْإِرْثَ ثَبَتَ مِنْ وَقْتِ الْمَوْتِ فَلَا بُدَّ مِنْ إسْنَادِ الْمَالِكِيَّةِ وَالْعِتْقِ الْمُقَرَّرِ لَهَا إلَى وَقْتِ الْمَوْتِ كَمَا فِي جَانِبِ الْمَوْلَى ثَبَتَ مِلْكُ الْبَدَلِ عِنْدَ الْقَبْضِ وَاسْتَنَدَ مِلْكُهُ إلَى حَالِ حَيَاتِهِ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا كَذَا فِي الطَّرِيقَةِ الْبُرْغَرِيَّةِ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ حَكَمَ بَقَاءَ الْمَمْلُوكِيَّةِ قَصْدًا فَقَالَ لَمَّا جَازَ أَنْ تَبْقَى مَالِكِيَّةُ الْمَوْلَى بَعْدَ مَوْتِهِ لِيَصِيرَ مُعْتَقًا جَازَ أَنْ تَبْقَى مَمْلُوكِيَّةُ الْمُكَاتَبِ بَعْدَ مَوْتِهِ لِيَصِيرَ حُرًّا لِأَنَّ الْمَمْلُوكِيَّةَ الَّتِي هِيَ تُنْبِئُ عَنْ الضَّعْفِ أَلْيَقُ بِحَالِ الْمَيِّتِ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ الَّتِي هِيَ ضَرْبُ قُوَّةٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِ بَقَاءِ الْمَمْلُوكِيَّةِ