وَأَمَّا الْحَقُّ الْقَائِمُ بِنَفْسِهِ فَخُمُسُ الْمَغَانِمِ وَالْمَعَادِنِ حَقٌّ وَجَبَ لِلَّهِ تَعَالَى ثَابِتًا بِنَفْسِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْجِهَادَ حَقُّهُ فَصَارَ الْمُصَابُ بِهِ لَهُ كُلُّهُ لَكِنَّهُ تَعَالَى أَوْجَبَ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهِ لِلْغَانِمَيْنِ مِنَّةً مِنْهُ فَلَمْ يَكُنْ حَقًّا لَزِمَنَا أَدَاؤُهُ طَاعَةً لَهُ بَلْ هُوَ حَقٌّ اسْتَبَقَاهُ لِنَفْسِهِ فَتَوَلَّى السُّلْطَانُ أَخْذَهُ وَقِسْمَتَهُ وَلِهَذَا جَوَّزْنَا صَرْفَ الْخُمُسِ إلَى مَنْ اسْتَحَقَّ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهِ بِخِلَافِ الطَّاعَاتِ مِثْلِ الزَّكَوَاتِ وَالصَّدَقَاتِ فَإِنَّهَا لَا تُرَدُّ إلَى الْمُلَّاكِ بَعْدَ الْأَخْذِ مِنْهُمْ وَلِهَذَا حَلَّ الْخُمُسُ لِبَنِي هَاشِمٍ؛ لِأَنَّهُ عَلَى مَا قُلْنَاهُ مِنْ التَّحْقِيق لَمْ يَصِرْ مِنْ الْأَوْسَاخِ

ـــــــــــــــــــــــــــــQمَعْنَى الْقُرْبَةِ فِي صَرْفِهِ إلَى مَصَارِفِ الزَّكَاةِ الَّتِي هِيَ عِبَادَةٌ وَالْكَافِرُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ فَلَمْ يَجِبْ بِحَيْثُ يَصْرِفُ إلَى الْفُقَرَاءِ فَإِنْ قَالَا: يَصْرِفُهُ إلَى الْمُقَاتِلَةِ فَهُوَ أَدَاءُ حَقٍّ آخَرَ لِمَا تَبَدَّلَ مُسْتَحِقُّهُ؛ لِأَنَّ الْعُشْرَ إنَّمَا عُرِفَ بِوَصْفِ الْعِبَادَةِ فَإِذَا سُلِبَ عَنْهُ هَذَا الْمَعْنَى لَمْ يَبْقَ عُشْرًا؛ لِأَنَّ الْمَشْرُوعَ يُعْرَفْ بِوَصْفِهِ وَإِذَا سَقَطَ الْأَوَّلُ وَوَجَبَ الْآخَرُ كَانَ الْخَرَاجُ بِهِ أَوْلَى مِنْ الْغَيْرِ تَسْمِيَةً كَمَا فِي ابْتِدَاءِ الْمَنِّ عَلَيْهِمْ بِخِلَافِ الْخَرَاجِ يَبْقَى عَلَى الْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ مَئُونَةٌ مَالِيَّةٌ بِلَا ثَوَابٍ كَنَفَقَةِ دَابَّتِهِ وَمَا يَجِبُ صَرْفُهُ إلَى الْمُقَاتِلَةِ مِنْ الْجُعَلَاتِ عِنْدَ الْحَاجَةِ.

وَلِأَنَّ اسْتِبْقَاءَهُ بَعْدَ الْوُجُوبِ كَاسْتِبْقَاءِ الْآخِرَةِ بِاعْتِبَارِ التَّمَكُّنِ مِنْ الِانْتِفَاع وَمَالُ الْمُسْلِمِ يَصْلُحُ لِذَلِكَ وَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ يُنَافِي صِفَةَ الْقُرْبَةِ يَصْلُحُ دَلِيلًا لِكِلَا الْقَوْلَيْنِ يَعْنِي لَمَّا كَانَ الْكُفْرُ يُنَافِي الْقُرْبَةَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِمُنَافَاتِهِ حُكْمَهَا وَهُوَ الثَّوَابُ يَجِبُ الْخَرَاجُ الَّذِي هُوَ أَخْذُ مُؤْنَتَيْ الْأَرْضِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِتَعَذُّرِ إيجَابِ الْآخَرِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجِبُ التَّضْعِيفُ الَّذِي هُوَ فِي حُكْمِ الْخَرَاجِ وَلَيْسَ فِيهِ مَعْنَى الْعِبَادَةِ بِوَجْهٍ؛ لِأَنَّ التَّغْيِيرَ فِي الْمَصِيرِ إلَى التَّضْعِيفِ أَقَلُّ مِنْهُ فِي الْمَصِيرِ إلَى الْخَرَاجِ؛ لِأَنَّ فِي الْخَرَاجِ تَغْيِيرَ الْأَصْلِ وَالْوَصْفِ جَمِيعًا وَفِي التَّضْعِيفِ تَغْيِيرُ الْوَصْفِ لَا غَيْرُ وَأَمَّا الْإِسْلَامُ فَلَا يُنَافِي الْعُقُوبَةَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ أَيْ لَا يُنَافِي مَا هُوَ عُقُوبَةٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَالرَّجْمِ وَالْقِصَاصِ فَلَا يُنَافِي الْمَئُونَةَ الَّتِي فِيهَا مَعْنَى الْعُقُوبَةِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى أَوْ مَعْنَاهُ أَنَّ الْإِسْلَامَ يُنَافِي الْعُقُوبَةَ مِنْ وَجْهٍ وَهُوَ أَنَّهُ سَبَبٌ فِي الْعِزِّ وَالْكَرَامَةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [المنافقون: 8] فَلَا يَصْلُحُ سَبَبًا لِلْعُقُوبَةِ الَّتِي هِيَ ذُلٌّ وَهَوَانٌ وَلَا يُنَافِيهَا مِنْ وَجْهٍ وَهُوَ أَنَّهُ قَدْ شَرَعَ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ الْحُدُودَ وَالْقِصَاصَ وَهِيَ عُقُوبَاتٌ مَحْضَةٌ فَيَجُوزُ أَنْ يُثْبِتَ فِي حَقِّهِ مَا هُوَ مَئُونَةٌ فِيهِ مَعْنَى الْعُقُوبَةِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ قُلْنَا: لَا يُبْتَدَأُ الْخَرَاجُ عَلَى الْمُسْلِمِ عَمَلًا بِالْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَيَجُوزُ أَنْ يَبْقَى عَلَيْهِ عَمَلًا بِالْوَجْهِ الثَّانِي فَأَمَّا الْكُفْرُ فَيُنَافَى الْقُرْبَةَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَا يُمْكِنُ شُرُوعُ الْعُشْرِ فِي حَقِّ الْكَافِرِ ابْتِدَاءً وَبَقَاءً وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رِوَايَتَانِ فِي الْعُشْرِ الْبَاقِي عَلَى الْكَافِر بَعْدِ تَمَلُّكِهِ لِلْأَرْضِ الْعُشْرِيَّةِ فَفِي رِوَايَةِ السِّيَرِ يُوضَعُ مَوْضِعَ الصَّدَقَةِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْفُقَرَاءِ تَعَلَّقَ بِهِ فَهُوَ كَتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُقَاتِلَة بِالْأَرَاضِيِ الْخَرَاجِيَّةِ.

وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْهُ يُوضَعُ فِي بَيْتِ مَالِ الْخَرَاجِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُصْرَفُ إلَى الْفُقَرَاءِ مَا صَارَ لِلَّهِ تَعَالَى بِطَرِيقِ الْعِبَادَةِ وَمَالُ الْكَافِرِ لَا يَصْلُحُ لِذَلِكَ فَيُوضَعُ مَوْضِعَ الْخَرَاجِ كَالْمَالِ الَّذِي يَأْخُذُهُ الْعَاشِرُ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَالْجَوَابُ يَعْنِي لِأَبِي حَنِيفَةَ عَمَّا ذَكَرَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أَنَّ الْعُشْرَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ فِي حَقِّ الْكَافِرِ إلَّا بِشَرْطِ التَّضْعِيفِ فَلَا يُمْكِنُ إيجَابُ عُشْرٍ وَاحِدٍ عَلَيْهِ فَهَذَا رَدٌّ لِكَلَامِ مُحَمَّدٍ.

وَقَوْلُهُ: لَكِنَّ التَّضْعِيفَ إلَى آخِرِهِ رَدٌّ لِكَلَامِ أَبِي يُوسُفَ يَعْنِي أَنَّهُ ضَرُورِيٌّ ثَبَتَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي قَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ عِنْدَ تَعَذُّرِ إيجَابِ الْجِزْيَةِ وَالْخَرَاجِ عَلَيْهِمْ خَوْفًا مِنْ الْفِتْنَةِ فَإِنَّهُمْ لَمَّا أَبَوْا قَبُولَ الْجِزْيَةِ وَالْخَرَاجِ وَمَالُوا إلَى التَّضْعِيفِ وَقَدْ كَانُوا ذَوِي سَعَةٍ وَمَنَعَةٍ حَتَّى قِيلَ: إنَّهُمْ كَانُوا أَرْبَعِينَ أَلْفًا وَكَانُوا قَرِيبًا مِنْ أَرْضِ الرُّومِ قَبِلُوا ذَلِكَ مِنْهُمْ خَوْفًا مِنْ الْتِحَاقِهِمْ بِالرُّومِ وَصَيْرُورَتِهِمْ حَرْبًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَأَمَّا غَيْرُهُمْ مِنْ الْكُفَّارِ فَلَيْسُوا بِمَنْزِلَتِهِمْ لِإِمْكَانِ أَخْذِ الْجِزْيَةِ وَالْخَرَاجِ مِنْهُمْ فَلَا يُصَارُ إلَى التَّضْعِيفِ فِي حَقِّهِمْ مَعَ إمْكَانِ إيجَابِ الْأَصْلِ وَهُوَ الْخَرَاجُ فَثَبَتَ أَنَّ الصَّحِيحَ مَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

قَوْلُهُ (وَأَمَّا الْحَقُّ الْقَائِمُ بِنَفْسِهِ) أَيْ الْحَقُّ الثَّابِتُ بِذَاتِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِذِمَّةِ الْعَبْدِ وَمِنْ غَيْرِ أَنْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015