وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ أَصْلٌ وَمُلْحَقٌ بِهِ وَزَوَائِدُ أَمَّا الْأَصْلُ فَالتَّصْدِيقُ فِي الْإِيمَانِ أَصْلٌ مُحْكَمٌ لَا يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ بِحَالٍ بِعُذْرِ الْإِكْرَاهِ وَبِغَيْرِهِ مِنْ الْأَعْذَارِ وَلَا يَبْقَى مَعَ التَّبْدِيلِ بِحَالٍ وَالْإِقْرَارُ بِاللِّسَانِ رُكْنٌ فِي الْإِيمَانِ مُلْحَقٌ بِالتَّصْدِيقِ وَهُوَ فِي الْأَصْلِ دَلِيلٌ عَلَى التَّصْدِيقِ فَانْقَلَبَ رُكْنًا فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَهُوَ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا أَيْضًا حَتَّى إذَا أُكْرِهَ الْكَافِرُ عَلَى الْإِيمَانِ فَآمَنَ صَحَّ إيمَانُهُ بِنَاءً عَلَى وُجُودِ أَحَدِ الرُّكْنَيْنِ بِخِلَافِ الرِّدَّةِ فِي الْإِكْرَاهِ؛ لِأَنَّ الْأَدَاءَ فِي الرِّدَّةِ دَلِيلٌ مَحْضٌ لَا رُكْنٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ الْجَبَابِرَةِ لِحُرْمَةِ الْبَيْتِ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ مَصْلَحَةُ الْعَالَمِ بِاتِّحَادِهِ قِبْلَةً لِصَلَوَاتِهِمْ وَمَثَابَةً لِاعْتِذَارِ أَجْرَامِهِمْ وَكَحُرْمَةِ الزِّنَا لِمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ عُمُومِ النَّفْعِ فِي سَلَامَةِ الْإِنْسَانِ وَصِيَانَةِ الْفُرُشِ وَارْتِفَاعِ السَّيْفِ بَيْنَ الْعَشَائِرِ بِسَبَبِ التَّنَازُعِ بَيْنَ الزُّنَاةِ وَإِنَّمَا يُنْسَبُ إلَيْهِ تَعْظِيمًا؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى يَتَعَالَى عَنْ أَنْ يَنْتَفِعَ بِشَيْءٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ حَقًّا لَهُ بِهَذَا الْوَجْهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَقًّا لَهُ بِجِهَةِ التَّخْلِيقِ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ بَلْ الْإِضَافَةُ إلَيْهِ لِتَشْرِيفِ مَا عَظُمَ خَطَرُهُ وَقَوِيَ نَفْعُهُ وَشَاعَ فَضْلُهُ بِأَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ النَّاسُ كَافَّةً وَحَقُّ الْعَبْدِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مَصْلَحَةٌ خَاصَّةٌ كَحُرْمَةِ مَالِ الْغَيْرِ فَإِنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ لِيَتَعَلَّقَ صِيَانَةُ مَالِهِ بِهَا فَلِهَذَا يُبَاحُ مَالُ الْغَيْرِ بِإِبَاحَةِ الْمِلْكِ وَلَا يُبَاحُ الزِّنَا بِإِبَاحَتِهَا وَلِإِبَاحَةِ أَهْلِهَا.
وَعُقُوبَاتٌ قَاصِرَةُ الْمُرَادِ بِالْوَاحِدَةِ إذْ لَيْسَ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ إلَّا حِرْمَانُ الْمِيرَاثِ وَلِهَذَا قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: وَعُقُوبَةٌ قَاصِرَةٌ وَكَذَا فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمُنْتَخَبِ أَيْضًا وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ يَعْنِي هَذِهِ الْأَنْوَاعُ الثَّلَاثَةُ مَوْجُودَةٌ فِي مَجْمُوعِ النَّوْعَيْنِ لَا أَنَّ كُلَّ نَوْعٍ مُنْقَسِمٌ إلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ لَا يُحْتَمَلُ السُّقُوطُ بِحَالٍ كَمَا يَحْتَمِلُهُ الْإِقْرَارُ بِعُذْرِ الْكُرْهِ وَبِغَيْرِهِ مِنْ الْأَعْذَارِ مِثْلُ إنْ صَارَ مُثْقَلَ اللِّسَانِ.
وَلَا يَبْقَى أَيْ الْإِيمَانُ مَعَ تَبْدِيلِ التَّصْدِيقِ بَعْدَهُ بِحَالٍ سَوَاءٌ كَانَ بِالْإِكْرَاهِ أَوْ بِغَيْرِهِ وَالْإِقْرَارُ مُلْحَقٌ بِالتَّصْدِيقِ وَالزَّوَائِدُ فِي الْإِيمَانِ تَكْرَارُ الشَّهَادَةِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى كَذَا قِيلَ وَهُوَ أَيْ الْإِقْرَارُ فِي الْأُصُولِ دَلِيلٌ عَلَى التَّصْدِيقِ؛ لِأَنَّ اللِّسَانَ مُعَبِّرٌ عَمَّا فِي الضَّمِيرِ فَانْقَلَبَ أَيْ الْإِقْرَارُ مُنْضَمًّا إلَى التَّصْدِيقِ رُكْنًا مِنْ الْإِيمَانِ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ بِمَنْزِلَةِ عِلَّةٍ ذَاتِ وَصْفَيْنِ حَتَّى لَوْ صَدَّقَ بِقَلْبِهِ وَلَمْ يُقِرَّ بِلِسَانِهِ بَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْهُ فَيَكُونُ مُؤْمِنًا فِي الْحُكْمِ وَلَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَوْ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَأَهْلِ الْحَدِيثِ وَعِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ الْإِقْرَارُ شَرْطُ إجْرَاءِ الْأَحْكَامِ وَرُكْنُ الْإِيمَانِ هُوَ التَّصْدِيقُ لَا غَيْرُ وَقَدْ مَرَّتْ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ بَيَانِ حُسْنِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَهُوَ أَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا يَعْنِي التَّصْدِيقَ وَالْإِقْرَارَ وَإِنْ كَانَا رُكْنَيْنِ فِي مُطْلَقِ الْإِيمَانِ بِمَنْزِلَةِ الْكَيْلِ وَالْجِنْسِ فِي بَابِ الرِّبَا، لَكِنَّ الْإِقْرَارَ صَارَ أَصْلًا بِنَفْسِهِ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا بِمَنْزِلَةِ التَّصْدِيقِ إعْلَاءً لِلْإِسْلَامِ كَمَا جُعِلَ أَحَدُ وَصْفَيْ عِلَّةِ الرِّبَا عِلَّةَ الْحُرْمَةِ رِبَا النَّسِيئَةِ وَلِهَذَا حَكَمْنَا بِالْإِيمَانِ بِوُجُودِ الْإِقْرَارِ وَإِنْ فَاتَ التَّصْدِيقُ حَتَّى لَوْ أُكْرِهَ الْحَرْبِيُّ أَوْ الذِّمِّيُّ عَلَى الْإِيمَانِ فَإِنْ صَحَّ إيمَانُهُ بِنَاءً عَلَى وُجُودِ الْإِقْرَارِ مَعَ أَنَّ قِيَامَ السَّيْفِ عَلَى رَأْسِهِ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ عَلَى عَدَمِ التَّصْدِيقِ كَمَا حَكَمْنَا بِبَقَاءِ الْإِيمَانِ بِنَاءً عَلَى بَقَاءِ التَّصْدِيقِ مَعَ فَوَاتِ الْإِقْرَارِ بِالْإِكْرَاهِ إعْلَاءً لِلْإِسْلَامِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ أَحْكَامَ الدُّنْيَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الظَّوَاهِرِ وَالْإِقْرَارُ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ عَلَى مَا فِي الضَّمِيرِ وَالضَّمِيرُ أَمْرٌ بَاطِنٌ فَبُنِيَ حُكْمُ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَجُعِلَ هُوَ أَصْلًا فِيهِ وَفِي اعْتِبَارِ مُجَرَّدِ الْإِقْرَارِ إعْلَاءُ الْإِسْلَامِ وَتَكْثِيرُ سَوَادِ الْمُسْلِمِينَ وَتَحْمِيلٌ لِلْكَافِرِ عَلَى الْإِيمَانِ الْحَقِيقِيِّ فَإِنَّهُ لَمَّا مُنِعَ عَنْ إظْهَارِ الْكُفْرِ بَعْدَ الْإِقْرَارِ بِطَرِيقِ الْخَبَرِ رُبَّمَا يَحْمِلُهُ ذَلِكَ عَلَى الْإِيمَانِ بِطَرِيقِ الْإِخْلَاصِ كَمَا أَنَّ الْجِزْيَةَ وُضِعَتْ عَلَيْهِ لِتَحْمِلَهُ عَلَى الْإِسْلَامِ إذَا عَايَنَ عِزَّةَ الْإِسْلَامِ وَمَذَلَّةَ الْكُفْرِ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ بِمُجَرَّدِ الْإِقْرَارِ يَثْبُتُ الْإِيمَانُ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَعْرِفُ الْمُنَافِقِينَ بِالْوَحْيِ كَمَا نَطَقَ بِهِ النَّصُّ وَالْخَبَرُ ثُمَّ كَانَ يُعَامِلُهُمْ مُعَامَلَةَ الْمُسْلِمِينَ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا بِنَاءً عَلَى الْإِقْرَارِ الْمُجَرَّدِ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ هُوَ الْأَصْلُ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا بِخِلَافِ الرِّدَّةِ حَيْثُ لَمْ يَثْبُتْ بِمُجَرَّدِ الْإِقْرَارِ حَتَّى لَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْكُفْرِ فَيَتَكَلَّمُ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ بِلِسَانِهِ لَا يَصِيرُ مُرْتَدًّا؛ لِأَنَّ الْأَدَاءَ أَيْ الْإِقْرَارَ بِاللِّسَانِ فِي الرِّدَّةِ دَلِيلٌ مَحْضٌ عَلَى مَا فِي الضَّمِيرِ