وَأَمَّا الرَّابِعُ فَمِثْلُ قَوْلِنَا نَجَسٌ خَارِجٌ وَلَا يَلْزَمُ دَمُ اسْتِحَاضَةٍ وَدَمُ صَاحِبِ الْجُرْحِ السَّائِلِ الدَّائِمِ؛ لِأَنَّ غَرَضَنَا التَّسْوِيَةُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْخَارِجِ مِنْ الْمَخْرَجِ الْمُعْتَادِ وَذَلِكَ حَدَثٌ فَإِذَا لَزِمَ صَارَ عَفْوًا لِقِيَامِ وَقْتِ الصَّلَاةِ فَكَذَلِكَ هَذَا.
وَكَذَلِكَ قَوْلُنَا فِي التَّأْمِينِ إنَّهُ ذِكْرٌ فَكَانَ سَبِيلُهُ الْإِخْفَاءَ، وَلَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ الْأَذَانُ وَتَكْبِيرَاتُ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ غَرَضَنَا أَنَّ أَصْلَ الذِّكْرِ الْإِخْفَاءُ، وَكَذَلِكَ أَصْلُ الْأَذَانِ وَالتَّكْبِيرَاتِ إلَّا أَنَّ فِي تِلْكَ الْأَذْكَارِ مَعْنًى زَائِدًا، وَهُوَ أَنَّهَا أَعْلَامٌ فَلِذَلِكَ أَوْجَبَ فِيهَا حُكْمًا عَارِضًا أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُنْفَرِدَ وَالْمُقْتَدِيَ لَا يَجْهَرُ بِالتَّكْبِيرِ، وَمَنْ صَلَّى وَحْدَهُ أَذَّنَ لِنَفْسِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQبِمُوجِبٍ لِلْعِصْمَةِ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ بِمَسْقَطٍ لَهَا فَهَذَا مَعْنَى الدَّفْعِ بِالْحُكْمِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.
وَالصُّولُ وَالصِّيَالُ الْوَثْبُ وَالْمُهْجَةُ الدَّمُ وَيُقَالُ الْمُهْجَةُ دَمُ الْقَلْبِ خَاصَّةً وَالْمُرَادُ مِنْهَا هَاهُنَا الرُّوحُ يُقَالُ خَرَجَتْ مُهْجَتُهُ إذَا خَرَجَتْ رُوحُهُ وَكَذَلِكَ أَيْ، وَكَمَا لَا يَلْزَمُ الْمُدَبَّرَ، وَمَالُ الْبَاغِي عَلَى الْمَسْأَلَتَيْنِ الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ لِوُجُودِ حُكْمِ الْعِلَّةِ فِي صُوَرِ النَّقْضِ لَا يَلْزَمُ دَمُ الِاسْتِحَاضَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَعْنِي لَوْ قِيلَ إنَّهُ دَمٌ خَارِجٌ نَجَسٌ، وَلَيْسَ يَحْدُثُ حَيْثُ لَمْ يُنْتَقَضْ بِهِ الطَّهَارَةُ مَا دَامَ الْوَقْتُ بَاقِيًا أَوْ مَا دَامَتْ تُصَلِّي الْفَرْضَ، وَمَا يَتْبَعُهُ مِنْ النَّوَافِلِ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَدَثٍ بَلْ نَقُولُ إنَّهُ حَدَثٌ، وَلَكِنْ تَأَخَّرَ حُكْمُهُ إلَى مَا بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ لِلْعُذْرِ وَلِهَذَا تَلْزَمُهَا الطَّهَارَةُ لِصَلَاةٍ أُخْرَى بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ بِذَلِكَ الْحَدَثِ فَإِنَّ خُرُوجَ الْوَقْتِ لَيْسَ بِحَدَثٍ بِالْإِجْمَاعِ وَالْحُكْمُ تَارَةً يَتَّصِلُ بِالسَّبَبِ وَتَارَةً يَتَأَخَّرُ عَنْهُ لِمَانِعٍ كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ امْتَنَعَ عَمَلُهُ لِمَانِعٍ، وَهَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ جَوَّزَ تَخْصِيصَ الْعِلَّةِ أَيْضًا.
(قَوْلُهُ: وَأَمَّا الرَّابِعُ، وَهُوَ الدَّفْعُ) فَالْغَرَضُ بِأَنْ يَقُولَ الْغَرَضُ مِنْ هَذَا التَّعْلِيلِ إلْحَاقُ الْفَرْعِ بِالْأَصْلِ وَالتَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا فِي الْمَعْنَى الْمُوجِبِ لِلْحُكْمِ، وَقَدْ حَصَلَ فَمَا يَرِدُ نَقْضًا عَلَى الْفَرْعِ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ الْخِلَافِ فَهُوَ وَارِدٌ عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي هُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ فَالْجَوَابُ الَّذِي لِلْخَصْمِ فِي مَحَلِّ الْوِفَاقِ هُوَ الْجَوَابُ لَنَا فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ وَذَلِكَ مِثْلُ تَعْلِيلِنَا فِي الْخَارِجِ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ أَنَّهُ خَارِجٌ نَجَسٌ فَيَكُونُ حَدَثًا كَالْخَارِجِ مِنْ أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ فَأَوْرَدَ عَلَيْهِ دَمَ الِاسْتِحَاضَةِ وَدَمَ صَاحِبِ الْجُرْحِ السَّائِلِ فَإِنَّ الْأَوَّلَ يَرِدُ نَقْضًا عَلَى الْأَصْلِ إذْ هُوَ خَارِجٌ نَجَسٌ عَنْ أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ، وَلَيْسَ بِحَدَثٍ.
وَالثَّانِي يَرِدُ نَقْضًا عَلَى الْفَرْعِ فَإِنَّهُ خَارِجٌ نَجَسٌ مِنْ بَدَنِ الْإِنْسَانِ، وَمِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ وَلَيْسَ بِحَدَثٍ فَيُدْفَعُ بِالْغَرَضِ، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذَا التَّعْلِيلِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْفَرْعِ، وَهُوَ الْخَارِجُ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ وَبَيْنَ الْأَصْلِ، وَهُوَ الْخَارِجُ مِنْ أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ، وَقَدْ حَصَلَ فَإِنَّ الْخَارِجَ مِنْ أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ حَدَثٌ فَإِذَا لَزِمَ أَيْ دَامَ صَارَ عَفْوًا لِقِيَامِ، وَقْتِ الصَّلَاةِ أَيْ بِسَبَبِ قِيَامِ وَقْتِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا مُخَاطَبَةٌ بِالْأَدَاءِ فَيَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ قَادِرَةً، وَلَا قُدْرَةَ إلَّا بِسُقُوطِ حُكْمِ الْحَدَثِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَكَذَلِكَ هَذَا أَيْ فَمِثْلُ الْأَصْلِ الْفَرْعُ، وَهُوَ الْخَارِجُ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ فِي أَنَّهُ إذَا صَارَ لَازِمًا يَصِيرُ عَفْوًا لِقِيَامِ وَقْتِ الصَّلَاةِ، وَلَوْ لَمْ يُجْعَلْ عَفْوًا فِي الْفَرْعِ عِنْدَ اللُّزُومِ لَكَانَ الْفَرْعُ مُخَالِفًا لِلْأَصْلِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ فَثَبَتَ أَنَّ التَّسْوِيَةَ الَّتِي هِيَ الْمَقْصُودَةُ مِنْ التَّعْلِيلِ فِي جَعْلِهِ عَفْوًا كَالْأَصْلِ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ نَقْضًا.
قَوْلُهُ: (وَكَذَلِكَ) أَيْ، وَكَمَا يُدْفَعُ بِالْغَرَضِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يُدْفَعُ بِالْغَرَضِ فِي مَسْأَلَةِ التَّأْمِينِ فَإِنَّ عُلَمَاءَنَا قَالُوا السُّنَّةُ فِي التَّأْمِينِ الْإِخْفَاءُ دُونَ الْجَهْرِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ أَيْ دُعَاءٌ فَإِنَّ مَعْنَاهُ اسْتَجِبْ دُعَاءَنَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِمُوسَى، وَهَارُونَ {قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا} [يونس: 89] وَرُوِيَ أَنَّ مُوسَى كَانَ يَدْعُو، وَهَارُونَ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - كَانَ يُؤَمِّنُ فَكَانَ سُنَّتُهُ الْإِخْفَاءَ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَدْعِيَةِ إذَا الْأَصْلُ فِيهَا الْإِخْفَاءُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} [الأعراف: 55] وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «خَيْرُ الدُّعَاءِ الْخَفِيُّ وَخَيْرُ الرِّزْقِ مَا يَكْفِي» أَوْ هُوَ ذِكْرٌ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ آمِينَ بِالْمَدِّ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى كَذَا فِي الْأَسْرَارِ وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ فَكَانَتْ سُنَّتُهُ الْإِخْفَاءَ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَذْكَارِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ} [الأعراف: 205] الْآيَةَ.
«وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِلَّذِي رَفَعَ صَوْتَهُ بِالذِّكْرِ إنَّك لَنْ تَدْعُوَا أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا» وَيَلْزَمُ عَلَيْهِ الْأَذَانُ