أَلَا تَرَى أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الثَّمَنِ قَبْلَ قَبْضِ الْمُثَمَّنِ لَا يُوجِبُ يَمِينَ الْبَائِعِ قِيَاسًا؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَدَّعِي عَلَيْهِ شَيْئًا، وَإِنَّمَا الْبَائِعُ هُوَ الْمُدَّعِي، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَجِبُ الْيَمِينُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ تَسْلِيمَ الْمَبِيعِ بِمَا يَدَّعِيهِ الْمُشْتَرِي ثَمَنًا، وَهَذَا حُكْمٌ قَدْ تَعَدَّى إلَى الْوَارِثِينَ

ـــــــــــــــــــــــــــــQإثْبَاتُ مُوجِبِ الْعَقْدِ بِهِ مُتَّحِدًا فِي الْمَحَلِّ وَبِخِلَافِ دَعْوَى الشِّرَاءِ فَإِنَّا لَمْ نَجْعَلْ ذَلِكَ كَأَنَّهُمَا اشْتَرَيَا مَعًا إذْ لَوْ جُعِلَ كَذَلِكَ لَمَا ثَبَتَ الْخِيَارُ لَهُمَا كَمَا لَوْ بَاعَ مِنْهُمَا جَمِيعًا بِعَقْدٍ وَاحِدٍ.

وَمِنْهَا مَا إذَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَبَيْنَ رَبِّ السَّلَمِ فِي دِرْعَانِ الْمُسْلَمِ فِيهِ فِي الْقِيَاسِ يَتَخَالَفَانِ وَبِهِ نَأْخُذُ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ مَبِيعٌ فَالِاخْتِلَافُ فِي دِرْعَانِهِ لَا يَكُونُ اخْتِلَافًا فِي أَصْلِهِ بَلْ فِي صِفَتِهِ مِنْ حَيْثُ الطُّولُ وَالسَّعَةُ، وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ التَّخَالُفَ كَالِاخْتِلَافِ فِي دِرْعَانِهِ الثَّوْبَ الْمَبِيعَ بِعَيْنِهِ.

وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي الْمُسْتَحَقِّ بِعَقْدِ السَّلَمِ، وَذَلِكَ يُوجِبُ التَّخَالُفَ، ثُمَّ أَثَرُ الْقِيَاسِ مُسْتَتِرٌ، وَلَكِنَّهُ قَوِيَ مِنْ حَيْثُ إنَّ عَقْدَ السَّلَمِ إنَّمَا يُعْقَدُ بِالْأَوْصَافِ الْمَذْكُورَةِ لَا بِالْإِشَارَةِ إلَى الْمُعَيَّنِ، وَكَانَ الْمَوْصُوفُ بِأَنَّهُ خَمْسٌ فِي سَبْعٍ غَيْرَ الْمَوْصُوفِ بِأَنَّهُ أَرْبَعٌ فِي سِتٍّ فَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ الِاخْتِلَافَ هَاهُنَا فِي أَصْلِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْعَقْدِ، وَذَلِكَ يُوجِبُ التَّخَالُفَ فَلِذَلِكَ أَخَذْنَا بِالْقِيَاسِ.

وَمِنْهَا مَا إذَا قَرَأَ السَّجْدَةَ فِي رَكْعَةٍ فَسَجَدَهَا ثُمَّ أَعَادَهَا فِي الرَّكْعَةِ الْأُخْرَى فَفِي الِاسْتِحْسَانِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ يَلْزَمُهُ سَجْدَةٌ أُخْرَى فِي الْقِيَاسِ لَا يَلْزَمُهُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرُ. وَمِنْهَا أَنَّ الرَّهْنَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ رَهْنٌ بِالْمُتْعَةِ فِي الِاسْتِحْسَانِ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَكُونُ رَهْنًا بِهَا، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَمِنْهَا أَنَّ الْعَبْدَ إذَا جَرَحَ حُرًّا خَطَأً فَخُيِّرَ مَوْلَاهُ بَعْدَ الْبُرْءِ فَاخْتَارَ الْفِدَاءَ ثُمَّ انْتَقَضَتْ الْجِرَاحَةُ وَصَارَتْ نَفْسًا يُخَيَّرُ ثَانِيَةً فِي الِاسْتِحْسَانِ هُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَفِي الْقِيَاسِ لَا يُخَيَّرُ وَيَكُونُ مُخْتَارًا لِلدِّيَةِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرُ. وَمِنْهَا غَاصِبُ الْعَقَارِ فِي الِاسْتِحْسَانِ ضَامِنٌ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَفِي الْقِيَاسِ لَيْسَ بِضَامِنٍ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ فَرَجَعَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ مِنْ الِاسْتِحْسَانِ إلَى الْقِيَاسِ لِقُوَّتِهِ.

ثُمَّ بَيَّنَ الشَّيْخُ الْفَرْقَ بَيْنَ الْمُسْتَحْسَنِ بِالْقِيَاسِ الْخَفِيِّ وَبَيْنَ الْمُسْتَحْسَنِ بِالْأَثَرِ أَوْ الْإِجْمَاعِ أَوْ الضَّرُورَةِ فَقَالَ الْمُسْتَحْسَنُ بِالْقِيَاسِ الْخَفِيِّ يَصِحُّ تَعْدِيَتُهُ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْقِيَاسِ الشَّرْعِيِّ التَّعْدِيَةُ، وَهَذَا الْقِسْمُ، وَإِنْ اخْتَصَّ بِاسْمِ الِاسْتِحْسَانِ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ كَوْنِهِ قِيَاسًا فَيَكُونُ حُكْمُهُ التَّعْدِيَةَ بِخِلَافِ الْأَقْسَامِ الْأُوَلِ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَعْلُولَةٍ بَلْ هِيَ مَعْدُولٌ بِهَا عَنْ الْقِيَاسِ فَلَا يُقْبَلُ التَّعْدِيَةُ.

ثُمَّ بَيَّنَ مِثَالًا لِمَا ذَكَرَ فَقَالَ أَلَا تَرَى أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الثَّمَنِ قَبْلَ قَبْضِ الْمُثَمَّنِ يَعْنِي قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ وَالْمَبِيعِ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ إذَا لَمْ يَقْبِضْ الثَّمَنَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُسَلِّمُ الْمَبِيعَ إلَى الْمُشْتَرِي. لَا يُوجِبُ يَمِينَ الْبَائِعِ قِيَاسًا؛ لِأَنَّهُمَا لَمَّا اتَّفَقَا عَلَى الْبَيْعِ قَدْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الْمَبِيعَ مِلْكُ الْمُشْتَرِي فَالْمُشْتَرِي لَا يَكُونُ مُدَّعِيًا عَلَى الْبَائِعِ شَيْئًا فِي الظَّاهِرِ، وَإِنَّمَا الْبَائِعُ هُوَ الْمُدَّعِي؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي زِيَادَةَ الثَّمَنِ فَكَانَ الْقِيَاسُ نَظَرًا إلَى سَائِرِ الْخُصُومَاتِ أَنْ يُسَلِّمَ الْمَبِيعَ إلَى الْمُشْتَرِي وَيُؤْخَذُ مِنْهُ مَا أَقَرَّ بِهِ وَيَحْلِفُ عَلَى الْبَاقِي. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَجِبُ الثَّمَنُ عَلَى الْبَائِعِ كَمَا يَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَدَّعِي وُجُوبَ التَّسْلِيمِ عِنْدَ إحْضَارِ أَقَلِّ الثَّمَنَيْنِ الَّذِي يُقِرُّ بِهِ وَالْبَائِعُ يُنْكِرُ تَسْلِيمَ الْمَبِيعِ بِمَا يُقِرُّ بِهِ ثَمَنًا وَالْبَيْعُ كَمَا يُوجِبُ اسْتِحْقَاقَ الْمِلْكِ عَلَى الْبَائِعِ يُوجِبُ اسْتِحْقَاقَ الْيَدِ عَلَيْهِ عِنْدَ وُصُولِ الثَّمَنِ إلَيْهِ.

وَهَذَا حُكْمُ أَيْ وُجُوبُ التَّحَالُفِ قَبْلَ الْقَبْضِ حُكْمٌ قَدْ تَعَدَّى إلَى الْوَارِثِينَ حَتَّى لَوْ مَاتَ الْمُتَعَاقِدَانِ وَوَقَعَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ وَارِثِيهِمَا فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ قَبْلَ الْقَبْضِ يَجْرِي التَّحَالُفُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ قَائِمٌ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015