وَهَذَا عِنْدَنَا عَلَى أَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ ذِكْرُ الْأَمْرِ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ وَالتَّكَلُّمِ بِهَا عَلَى الْحَقِيقَةِ لَا مَجَازًا عَنْ الْإِيجَادِ بَلْ كَلَامًا بِحَقِيقَتِهِ مِنْ غَيْرِ تَشْبِيهٍ وَلَا تَعْطِيلٍ وَقَدْ أَجْرَى سُنَّتَهُ فِي الْإِيجَادِ بِعِبَارَةِ الْأَمْرِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْوُجُودُ مَقْصُودًا بِالْأَمْرِ لَمَا اسْتَقَامَ قَرِينَةً لِلْإِيجَادِ بِعِبَارَةِ الْأَمْرِ

ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَشْعَرِيَّةُ مُخَالِفًا لِعَامَّةِ أَهْلِ السُّنَّةِ؛ لِأَنَّ التَّمَسُّكَ بِالْآيَةِ فِي إثْبَاتِ الْمَطْلُوبِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَظْهَرُ، وَعَنْ هَذَا اخْتَارَ لِلتَّمَسُّكِ هَذِهِ الْآيَةَ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْآيِ الَّتِي فِيهَا هَذِهِ الْكَلِمَةُ؛ لِأَنَّهَا أَدَلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ حَقِيقَةُ التَّكَلُّمِ إذْ الْقَوْلُ فِيهَا مُكَرَّرٌ مَذْكُورٌ فِي الْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْآيَاتِ، فَقَالَ: وَهَذَا عِنْدَنَا أَيْ مَعْنَى الْآيَةِ عِنْدَنَا، وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ عِنْدَنَا نَفْسَهُ وَأَقَرَّ أَنَّهُ دُونَ السَّلَفِ الْمُتَقَدِّمِينَ، عَلَى أَنَّ الضَّمِيرَ لِلشَّأْنِ وَالظَّرْفَ خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ مَرْفُوعُ الْمَحَلِّ، أُرِيدَ بِهِ أَيْ بِالنَّصِّ، ذِكْرُ الْأَمْرِ إضَافَةُ الْمَصْدَرِ إلَى الْمَفْعُولِ أَيْ الْأَمْرُ مَذْكُورٌ عِنْدَ وُجُودِ الْأَشْيَاءِ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ الَّتِي هِيَ أَوْجَزُ الْكَلِمَاتِ لَا بِكَلِمَةٍ أَحْدَثَ وَتَكُونُ وَنَحْوُهُمَا.

، وَالتَّكَلُّمُ مَعْطُوفٌ عَلَى ذَكَرَ، وَالظَّرْفُ وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ مَنْصُوبُ الْمَحَلِّ عَلَى الْحَالِ وَذُو الْحَالِ الضَّمِيرُ فِي بِهَا وَالتَّكَلُّمُ هُوَ الْعَامِلُ فِيهَا أَيْ أُرِيدَ بِالنَّصِّ التَّكَلُّمُ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ حَقِيقَةً.

وَقَوْلُهُ لَا مَجَازًا وَبَلْ كَلَامًا عُطِفَ عَلَى الظَّرْفِ الْمَنْصُوبِ الْمَحَلِّ، وَلَوْ قِيلَ لَا مَجَازٌ وَبَلْ كَلَامٌ بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى الظَّرْفِ الْمَرْفُوعِ الْمَحَلِّ، وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَى أَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ كَذَا لَكَانَ أَحْسَنَ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا وَقَعَ فِي نَفْسِ التَّكَلُّمِ أَهُوَ مَوْجُودٌ عِنْدَ وُجُودِ الْأَشْيَاءِ أَمْ لَا لَا فِي وَصْفِ التَّكَلُّمِ أَنَّهُ مَوْجُودٌ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ أَمْ هُوَ مَوْجُودٌ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ وَمَجَازًا بِالنَّصْبِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْخِلَافُ فِي الْوَصْفِ لَا فِي الْأَصْلِ.

وَقَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ تَشْبِيهٍ نَفْيٌ لِقَوْلِ الْكَرَّامِيَّةِ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ إنَّهُ تَعَالَى يَصِيرُ مُتَكَلِّمًا بِخَلْقِ الْحُرُوفِ وَالْأَصْوَاتِ فِي ذَاتِهِ وَهَذَا يُؤَدِّي إلَى تَشْبِيهِ كَلَامِهِ بِكَلَامِ الْمَخْلُوقِينَ وَتَشْبِيهِ ذَاتِهِ بِذَوَاتِهِمْ أَيْضًا إذْ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ ذَاتُهُ مَحَلَّ الْحَوَادِثِ كَذَوَاتِ الْمَخْلُوقِينَ تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا، وَقَوْلُهُ وَلَا تَعْطِيلَ نَفْيٌ لِقَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ فَإِنَّهُمْ أَنْكَرُوا كَلَامَ النَّفْسِ وَقَالُوا إنَّهُ تَعَالَى لَمْ يَكُنْ مُتَكَلِّمًا فِي الْأَزَلِ؛ وَإِنَّمَا صَارَ مُتَكَلِّمًا بِخَلْقِ هَذِهِ الْحُرُوفِ وَالْأَصْوَاتِ فِي مَحَالِّهَا وَهَذَا يُؤَدِّي إلَى التَّعْطِيلِ وَقَدْ مَرَّ شَرْحُهُ،

ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ وَجْهِ التَّمَسُّكِ بِهَذَا النَّصِّ فَقَالَ وَقَدْ أَجْرَى سُنَّتَهُ فِي الْإِيجَادِ بِعِبَارَةِ الْأَمْرِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْوُجُودُ مَقْصُودًا مِنْ الْأَمْرِ مَقْرُونًا بِهِ لَمَا اسْتَقَامَ أَنْ يَكُونَ الْوُجُودُ قَرِينَةً لِلْإِيجَادِ أَيْ لِلْآمِرِ إذْ الْإِيجَادُ لَيْسَ إلَّا الْأَمْرُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْفَاءَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ لِبَيَانِ أَنَّهُ نَتِيجَةٌ لِلْأَوَّلِ ثَابِتٌ بِهِ كَمَا يُقَالُ أَطْعَمَهُ فَأَشْبَعَهُ وَسَقَاهُ فَأَرْوَاهُ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْوُجُودُ مُسْتَفَادًا بِالْأَمْرِ؛ لَكَانَ قَوْلُهُ كُنْ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِك سَقَيْته فَأَشْبَعْته وَأَطْعَمْته فَأَرْوَيْته.

، وَهَذَا لَا يَجُوزُ خُصُوصًا مِنْ الْحَكِيمِ الَّذِي لَا يُسَفَّهُ، وَذَكَرَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ أَنَّ مَذْهَبَ الشَّيْخِ غَيْرُ مَذْهَبِ الْأَشْعَرِيَّةِ فَإِنَّ عِنْدَهُمْ وُجُودَ الْأَشْيَاءِ بِخِطَابِ كُنْ لَا غَيْرُ كَمَا أَنَّ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ بِالْإِيجَادِ لَا غَيْرُ وَمَذْهَبُ الشَّيْخِ أَنَّهُ بِالْخِطَابِ وَالْإِيجَادِ مَعًا فَكَانَ هَذَا مَذْهَبًا ثَالِثًا، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ قَوْلَهُ وَقَدْ أَجْرَى سُنَّتَهُ إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِيمَا إذَا أَمْكَنَ أَنْ يَثْبُتَ ذَلِكَ الشَّيْءُ بِغَيْرِ ذَلِكَ السَّبَبِ كَمَا أَنَّ إجْرَاءَ السُّنَّةِ أَنْ لَا يُوجَدَ وَلَدٌ بِلَا أَبٍ وَقَدْ أَمْكَنَ أَنْ يُوجَدَ بِلَا أَبٍ كَمَا وُجِدَ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَذَلِكَ، وَقَدْ قَالَ هُنَا أَجْرَى سُنَّتَهُ فِي الْإِيجَادِ بِعِبَارَةِ الْأَمْرِ، فَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ يُمْكِنَ ثُبُوتُ الْوُجُودِ بِدُونِ الْخِطَابِ وَلَيْسَ هَذَا بِمَذْهَبِ الْأَشْعَرِيَّةِ، وَلِهَذَا صَرَفَ هَذَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015