فَأَمَّا قَوْلُهُ إنَّهَا أَمَارَاتٌ وَكَذَلِكَ فِي حَقِّ اللَّهِ فَأَمَّا فِي حَقِّ الْعِبَادِ فَإِنَّهُمْ مُبْتَلُونَ بِنِسْبَةِ الْأَحْكَامِ إلَى الْعِلَلِ كَمَا نُسِبَتْ الْأَجْزِئَةُ إلَى أَفْعَالِهِمْ وَنُسِبَ الْمِلْكُ إلَى الْبَيْعِ وَالْقِصَاصُ إلَى الْقَتْلِ وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهُ فَكَانَتْ غَيْرَ مُوجِبَةٍ فِي الْأَصْلِ، وَلَكِنَّهَا جُعِلَتْ مُوجِبَةً شَرْعًا فِي حَقِّنَا عَلَى مَا يَلِيقُ بِهَا، وَهِيَ النِّسْبَةُ أَلَيْسَ وَجَبَ الْقِصَاصُ عَلَى الْقَاتِلِ وَقَدْ مَاتَ الْقَتِيلُ بِأَجَلِهِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْعِلَلِ وَالشُّرُوطِ، وَمُجَرَّدُ الِاطِّرَادِ لَا يُمَيِّزُ وَكَذَلِكَ الْعَدَمُ عِنْدَ عَدَمِهِ؛ لِأَنَّهُ يُزَاحِمُهُ الشَّرْطُ فِيهِ وَلِأَنَّ نِهَايَةَ الطَّرْدِ الْجَهْلُ لِأَنَّهُ يُقَالُ لَهُ: وَمَا يُدْرِيك أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ أَصْلٌ مُنَاقِضٌ، أَوْ مُعَارِضٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْ يَكُونَ الْوَصْفُ مُتَمَيِّزًا مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْأَوْصَافِ بِدَلِيلٍ مَعْقُولٍ؛ وَلِأَنَّ كُلَّ وَصْفٍ لَوْ صَلَحَ عِلَّةً وَالْأَوْصَافُ مَحْسُوسَةٌ مَسْمُوعَةٌ لَشَارَكَ السَّامِعُونَ وَأَهْلُ اللُّغَةِ كُلُّهُمْ الْفُقَهَاءَ فِي الْمُقَايَسَاتِ، وَلَمَّا اخْتَصَّ بِهَا الْفُقَهَاءُ فَعُلِمَ أَنَّ الْمُقَايَسَةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى مَعَانٍ تُفْقَهُ لَا أَوْصَافٍ تُسْمَعُ كَذَا فِي التَّقْوِيمِ وَلَا أَعْرِفُ وَجْهَ تَعَلُّقِ الِاسْتِثْنَاءِ فِي قَوْلِهِ إلَّا بِمَعْنًى مَعْقُولٍ وَكَانَ مِنْ حَقِّ الْكَلَامِ أَنْ يُقَالَ، ثُمَّ لَمْ يَجِبْ أَنْ يَكُونَ كُلُّ لَفْظَةٍ شَهَادَةً بَلْ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الْأَلْفَاظِ شَهَادَةً وَذَلِكَ الْبَعْضُ لَا يَتَمَيَّزُ إلَّا بِمَعْنًى مَعْقُولٍ يُوجِبُ تَمَيُّزًا وَأَمَّا قَوْلُهُ أَيْ قَوْلُ الْخَصْمِ إنَّهَا أَيْ الْعِلَلَ أَمَارَاتٌ فَكَذَلِكَ أَيْ فِيمَا ذُكِرَ لَكِنْ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ هُوَ الشَّارِعُ لِلْأَحْكَامِ فِي الْحَقِيقَةِ وَالْمُوجِبُ لَهَا فَأَمَّا فِي حَقِّ الْعِبَادِ فَلَا؛ لِأَنَّهُمْ مُبْتَلُونَ بِنِسْبَةِ الْأَحْكَامِ إلَى الْعِلَلِ وَإِنْ كَانَتْ الْأَحْكَامُ ثَابِتَةً بِشَرْعِهِ جَلَّ جَلَالُهُ كَمَا نُسِبَتْ الْأَجْزِئَةُ إلَى أَفْعَالِهِمْ بِقَوْلِهِ عَزَّ اسْمُهُ {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: 17] مَعَ أَنَّ الْأَجْزِئَةَ فَضْلٌ مِنْ اللَّهِ، أَوْ عَدْلٌ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَنَّ الْعُقُوبَاتِ الْمَشْرُوعَةَ أَجْزِئَةٌ مِثْلُ الرَّجْمِ وَالْجَلْدِ وَالْقَطْعِ مَنْسُوبَةٌ إلَى أَفْعَالِهِمْ مِنْ الزِّنَا وَالْقَذْفِ وَالسَّرِقَةِ وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهُ أَيْ مَجْرَى مَا ذَكَرْنَا مِثْلُ نِسْبَةِ الْحِلِّ إلَى النِّكَاحِ وَالْحُرْمَةِ إلَى الطَّلَاقِ فَكَانَتْ أَيْ الْعِلَلُ غَيْرَ مُوجِبَةٍ فِي الْأَصْلِ بِذَوَاتِهَا وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ مُوجِبَةً قَبْلَ الشَّرْعِ.
وَلَكِنَّهَا أَيْ الْعِلَلَ جُعِلَتْ مُوجِبَةً شَرْعًا فِي حَقِّنَا عَلَى مَا يَلِيقُ بِهَا، وَهُوَ النِّسْبَةُ يَعْنِي كَوْنَهَا مُوجِبَةً ثَبَتَ فِي حَقِّنَا بِالطَّرِيقِ الَّذِي يَلِيقُ بِهَا، وَهُوَ أَنْ يُنْسَبَ الْأَحْكَامُ إلَيْهَا بِأَنْ يُقَالَ الْقِصَاصُ حُكْمُ الْقَتْلِ، وَالْمِلْكُ حُكْمُ الْبَيْعِ وَالْحِلُّ حُكْمُ النِّكَاحِ فَهَذَا النَّوْعُ مِنْ النِّسْبَةِ يَلِيقُ بِهَا فَأَمَّا نِسْبَةُ حَقِيقَةِ الْإِيجَابِ إلَيْهَا فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَفِي عِلْمِنَا أَيْضًا فَلَا، وَهَذَا كَإِيجَابِ الْقِصَاصِ عَلَى الْقَاتِلِ فَإِنَّهُ مُضَافٌ إلَى الْقَتْلِ وَإِنْ كَانَ الْمَقْتُولُ مَيِّتًا بِأَجَلِهِ فِي حَقِّ عِلْمِنَا فَثَبَتَ أَنَّ عِلَلَ الشَّرْعِ لَيْسَتْ أَمَارَاتٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ أَيْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا قُلْنَا، وَهُوَ أَنَّ الْعِلَلَ صَارَتْ مُوجِبَةً شَرْعًا فِي حَقِّنَا لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْعِلَلِ وَالشُّرُوطِ أَيْ مِنْ دَلِيلٍ يُمَيِّزُ بَيْنَهُمَا وَمُجَرَّدُ الِاطِّرَادِ لَا يُمَيِّزُ؛ لِأَنَّهُ يُوجَدُ مَعَ الشَّرْطِ أَيْضًا.
وَكَذَلِكَ الْعَدَمُ عِنْدَ عَدَمِهِ هَذَا جَوَابٌ عَمَّا قَالَ الْفَرِيقُ الثَّانِي أَنَّ وُجُودَ الْحُكْمِ عِنْدَ وُجُودِ الْوَصْفِ قَدْ يَكُونُ اتِّفَاقًا وَقَدْ يَكُونُ عِلَّةً فَلَا يَتَعَيَّنُ جِهَةُ كَوْنِهِ عِلَّةً إلَّا بِعَدَمِ الْحُكْمِ عِنْدَ عَدَمِهِ فَيَصْلُحُ الْعَدَمُ عَنْ الْعَدَمِ دَلِيلًا مُمَيِّزًا لِلْعِلَّةِ عَنْ غَيْرِهَا فَقَالَ وَكَذَلِكَ الْعَدَمُ عِنْدَ عَدَمِهِ أَيْ كَمَا لَا يَصْلُحُ الِاطِّرَادُ دَلِيلًا مُمَيِّزًا لَا يَصْلُحُ عَدَمُ الْحُكْمِ عِنْدَ عَدَمِ الْوَصْفِ دَلِيلًا مُمَيِّزًا أَيْضًا.
لِأَنَّهُ أَيْ الْوَصْفَ يُزَاحِمُهُ الشَّرْطُ فِيهِ أَيْ فِي عَدَمِ الْحُكْمِ عِنْدَ عَدَمِهِ فَإِنَّ دَوَرَانَ الْحُكْمِ كَمَا يُوجَدُ مَعَ الْعِلَّةِ وُجُودًا وَعَدَمًا يُوجَدُ مَعَ الشَّرْطِ كَذَلِكَ أَيْضًا فَإِنَّ وُجُوبَ أَدَاءِ الزَّكَاةِ وَوُجُوبَ صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَوُجُوبَ الطَّهَارَةِ كَمَا يَدُورُ مَعَ النِّصَابِ وَالرَّأْسِ وَإِرَادَةِ الصَّلَاةِ الَّتِي هِيَ أَسْبَابُهَا وُجُودًا وَعَدَمًا يَدُورُ مَعَ الْحَوْلِ وَيَوْمِ الْفِطْرِ وَالْحَدَثِ الَّتِي هِيَ شُرُوطُهَا وُجُودًا وَعَدَمًا أَيْضًا وَكَذَا الْعِتْقُ كَمَا يَدُورُ مَعَ الْإِعْتَاقِ يَدُورُ مَعَ الدُّخُولِ فِي قَوْلِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ لَا تَدُورُ مَعَ الْأَسْبَابِ إلَّا بِوُجُودِ الشُّرُوطِ فَتَدُورُ الْأَحْكَامُ مَعَ الشُّرُوطِ وُجُودًا بِوُجُودِ الْأَسْبَابِ وَتَنْعَدِمُ عِنْدَ عَدَمِهَا عَلَى الْإِطْلَاقِ قَالَ الشَّيْخُ فِي شَرْحِ التَّقْوِيمِ