وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حُكْمًا كَقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الَّتِي سَأَلَتْهُ عَنْ الْحَجِّ «أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيكِ دَيْنٌ» ، وَهَذَا حُكْمٌ وَكَقَوْلِنَا فِي الْمُدَبَّرِ إنَّهُ مَمْلُوكٌ تَعَلَّقَ عِتْقُهُ بِمُطْلَقِ مَوْتِ الْمَوْلَى، وَهَذَا حُكْمٌ أَيْضًا
ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي اللُّغَةِ فَلَا يَجُوزُ، وَالتَّعْلِيلُ هَاهُنَا بِمَعْنَى الِاسْمِ لِتَعْدِيَةِ الْحُكْمِ بِهِ إلَى الْفَرْعِ لَا بِمُجَرَّدِ الِاسْمِ فَيَكُونُ تَعْلِيلًا بِالْوَصْفِ حَقِيقَةً فَيَصِحُّ.
وَقَدْ ذَكَرَ صَاحِبُ الْمِيزَانِ فِيهِ أَنَّ رُكْنَ الْقِيَاسِ قَدْ يَكُونُ اسْمًا عِنْدَ بَعْضِهِمْ كَحُرْمَةِ الْخَمْرِ تَثْبُتُ بِاسْمِ الْخَمْرِ هُوَ عِلَّتُهَا حَتَّى لَا تَتَعَدَّى إلَى الثُّلُثِ وَتَثْبُتُ فِي قَلِيلِ الْخَمْرِ لِوُجُودِ الِاسْمِ وَإِنْ لَمْ يُسْكِرْ.
وَكَذَا الْحُدُودُ يَتَعَلَّقُ بِاسْمِ الزِّنَا وَالْقَذْفِ وَالسَّرِقَةِ وَنَحْوِهَا قَالَ وَلَكِنَّا نَقُولُ إنْ عُنِيَ بِهِ أَنَّهُ تَعَلَّقَ بِعَيْنِ الِاسْمِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ يَثْبُتُ بِوَضْعِ أَرْبَابِ اللُّغَةِ، وَلَهُمْ أَنْ يُسَمُّوا الْخَمْرَ بِاسْمٍ آخَرَ وَإِنْ عُنِيَ بِهِ الْمَعْنَى الْقَائِمُ بِالذَّاتِ الَّذِي اسْتَحَقَّ بِهِ الِاسْمُ وَهُوَ كَوْنُ الْمَائِعِ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ بَعْدَمَا غَلَى أَوْ اشْتَدَّ فَهَذَا مُسَلَّمٌ وَلَكِنْ حِينَئِذٍ يَكُونُ هَذَا تَعْلِيقُ الْحُكْمِ بِالْمَعْنَى لَا بِالِاسْمِ وَعَلَّلْنَا يَعْنِي نَصَّ الرِّبَا بِوَصْفِ الْكَيْلِ، وَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ وَصْفٌ عَارِضٌ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ عَادَاتِ النَّاسِ فِي الْأَمَاكِنِ وَالْأَوْقَاتِ، وَيَكُونُ جَلِيًّا أَيْ يَكُونُ ذَلِكَ الْمَعْنَى ظَاهِرًا لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى زِيَادَةِ تَأَمُّلٍ مِثْلُ الطَّوْفِ جُعِلَ عِلَّةً لِسُقُوطِ النَّجَاسَةِ فِي الْهِرَّةِ وَسَوَاكِنِ الْبُيُوتِ وَخَفِيًّا مِثْلُ الْقَدْرِ وَالْجِنْسِ فِي الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ، أَوْ الْمُرَادُ مِنْ الْجَلِيِّ الْمَعْنَى الْقِيَاسِيُّ وَمِنْ الْخَفِيِّ الْمَعْنَى الِاسْتِحْسَانَيْ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ التَّعْلِيلَ بِالْأَوْصَافِ الْخَفِيَّةِ الْبَاطِنَةِ مِثْلُ تَعْلِيلِ ثُبُوتِ حُكْمِ الْبَيْعِ بِرِضَاءِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْوَصْفَ الْمُعَلَّلَ بِهِ مُعَرِّفٌ لِلْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ الَّذِي هُوَ خَفِيٌّ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ جَلِيًّا؛ لِأَنَّ الْخَفِيَّ لَا يُعْرَفُ بِالْخَفِيِّ.
وَالْجَوَابُ أَنَّ الْوَصْفَ وَإِنْ كَانَ خَفِيًّا لَكِنَّهُ بِدَلَالَةِ الصِّيَغِ الظَّاهِرَةِ عَلَيْهِ كَدَلَالَةِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ عَلَى الرِّضَا، أَوْ بِدَلَالَةِ التَّأْثِيرِ صَارَ مِنْ الْأَوْصَافِ الظَّاهِرَةِ فَيَجُوزُ التَّعْلِيلُ بِهِ قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حُكْمًا) أَيْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَا جُعِلَ عَلَمًا عَلَى حُكْمِ النَّصِّ حُكْمًا مِنْ أَحْكَامِ الشَّرْعِ فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَّلَ بِقَضَاءِ دَيْنِ الْعِبَادِ فِي حَدِيثِ الْخَثْعَمِيَّةِ، وَهُوَ حُكْمٌ.
وَقَالَ بَعْضُ الْأُصُولِيِّينَ: لَا يَجُوزُ تَعْلِيلُ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ بِالْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ الَّذِي فُرِضَ عِلَّةً إنْ كَانَ مُتَقَدِّمًا عَلَى الْحُكْمِ الَّذِي جُعِلَ مَعْلُولًا لَزِمَ انْتِقَاضُ الْعِلَّةِ لِتَخَلُّفِ حُكْمِهَا عَنْهَا فَلَا يَصِحُّ عِلَّةً وَكَذَا إنْ تَأَخَّرَ عَنْهُ لِأَنَّ الْمُتَأَخِّرَ لَا يَكُونُ عِلَّةً لِلْمُتَقَدِّمِ وَكَذَا إنْ قَارَنَهُ إذْ لَيْسَ جَعْلُ أَحَدِهِمَا عِلَّةً لِلْآخَرِ أَوْلَى مِنْ الْعَكْسِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ هُوَ عِلَّةٌ وَأَنْ يَكُونَ غَيْرُهُ فَهُوَ إذَنْ عَلَى تَقْدِيرَاتٍ ثَلَاثٍ لَا يَكُونُ عِلَّةً وَعَلَى تَقْدِيرِ وَاحِدٌ يَكُونُ عِلَّةً، وَالْعِبْرَةُ فِي الشَّرْعِ لِلْغَالِبِ لَا لِلنَّادِرِ فَوَجَبَ الْحُكْمُ؛ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِعِلَّةٍ وَلِأَنَّ شَرْطَ الْعِلَّةِ التَّقَدُّمُ عَلَى الْمَعْلُولِ وَتَقَدُّمُ أَحَدِ الْحُكْمَيْنِ عَلَى الْآخَرِ غَيْرُ مَعْلُومٍ فَكَانَ شَرْطُ الْعِلِّيَّةِ مَجْهُولًا فَلَا يَجُوزُ الْحُكْمُ بِالْعِلِّيَّةِ وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ مِنْهُمْ إلَى أَنَّ التَّعْلِيلَ بِالْحُكْمِ يَجُوزُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَّلَ بِهِ فِي حَدِيثِ الْخَثْعَمِيَّةِ حَيْثُ قَالَ «أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيك دَيْنٌ» وَالدَّيْنُ عِبَارَةٌ عَنْ ثَابِتٍ فِي الذِّمَّةِ وَذَلِكَ بِالْوُجُوبِ وَأَنَّهُ حُكْمٌ.
وَقَالَ فِي حَدِيثِ الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ «أَرَأَيْت لَوْ تَمَضْمَضَتْ بِمَاءٍ ثُمَّ مَجَجْتَهُ أَكَانَ يَضُرُّكَ» وَفِي حُرْمَةِ الصَّدَقَةِ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ «أَرَأَيْت لَوْ تَمَضْمَضَتْ بِمَاءٍ، ثُمَّ مَجَجْتَهُ أَكُنْت شَارِبَهُ» وَفِي إتْيَانِ الرَّجُلِ أَهْلَهُ «أَرَأَيْت لَوْ وَضَعَهُ فِي حَرَامٍ أَكَانَ يَأْثَمُ» فَهَذَا كُلُّهُ تَعْلِيلٌ بِالْحُكْمِ وَلِأَنَّ الْعِلَّةَ إنْ جُعِلَتْ بِمَعْنَى الْأَمَارَةِ الْمُعَرِّفَةِ فَلَا امْتِنَاعَ فِي أَنْ يَجْعَلَ الشَّارِعُ حُكْمًا عَلَمًا لِحُكْمٍ آخَرَ بِأَنْ يَقُولَ إذَا حَرَّمْتُ كَذَا فَاعْلَمُوا أَنِّي