وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنْتُمْ عَدَّيْتُمْ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ مِنْ الْحَلَالِ إلَى الْحَرَامِ وَلَيْسَ بِنَظِيرِهِ فِي إثْبَاتِ الْكَرَامَةِ فَقُلْنَا مَا عَدَّيْنَا مِنْ الْحَلَالِ إلَى الْحَرَامِ لِأَنَّ الْوَطْءَ لَيْسَ بِأَصْلٍ فِي التَّحْرِيمِ حَلَالًا كَانَ أَوْ حَرَامًا، وَإِنَّمَا الْأَصْلُ هُوَ الْوَلَدُ الْمُسْتَحِقُّ لِكَرَامَاتِ الْبَشَرِ فَلَمَّا خُلِقَ مِنْ الْمَاءَيْنِ تَعَدَّى إلَيْهِمَا الْحُرُمَاتُ كَأَنَّهُمَا صَارَا شَخْصًا وَاحِدًا فَصَارَ آبَاؤُهُ وَأَبْنَاؤُهُ كَآبَائِهَا وَأَبْنَائِهَا، وَأُمَّهَاتُهَا وَبَنَاتُهَا مِثْلَ أُمَّهَاتِهِ وَبَنَاتِهِ ثُمَّ تَعَدَّى ذَلِكَ إلَى سَبَبِهِ، وَهُوَ الْوَطْءُ فَصَارَ عَامِلًا بِمَعْنَى الْأَصْلِ فَلَمْ يَجُزْ تَخْصِيصُهُ لِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ، وَهُوَ الْحِلُّ وَلَا إبْطَالُ الْحُكْمِ بِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ وَهُوَ الْحُرْمَةُ

ـــــــــــــــــــــــــــــQتَطْهِيرٌ فِي نَفْسِهِ، وَغُسْلٌ فِي ذَاتِهِ فَلَا يَدُلُّ افْتِقَارُ مَا هُوَ تَلْوِيثٌ جُعِلَ تَطْهِيرًا ضَرُورَةً إلَى النِّيَّةِ عَلَى افْتِقَارِ مَا هُوَ تَطْهِيرٌ بِنَفْسِهِ إلَيْهَا لِعَدَمِ تَسَاوِيهِمَا فِي الْمَعْنَى الَّذِي تَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِهِ كَافْتِقَارِ إبَاحَةِ الْمَيْتَةِ فِي حَالَةِ الِاضْطِرَارِ إلَى الِاحْتِرَازِ عَنْ الِادِّخَارِ وَالْأَكْلِ فَوْقَ سَدِّ الرَّمَقِ لَا يَدُلُّ عَلَى افْتِقَارِ إبَاحَةِ الذَّكِيَّةِ إلَى ذَلِكَ لِعَدَمِ تَسَاوِيهِمَا فِي الْمَعْنَى الْمُوجِبِ لَهُ.

ثُمَّ ذَكَرَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا يَرُدُّ عَلَيْنَا نَقْضًا فَقَالَ: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنْتُمْ عَدَّيْتُمْ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ مِنْ الْوَطْءِ الْحَلَالِ، وَهُوَ الْوَطْءُ بِالنِّكَاحِ أَوْ بِمِلْكِ الْيَمِينِ إلَى الْوَطْءِ الْحَرَامِ، وَهُوَ الزِّنَا وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذِهِ الْحُرْمَةَ تَثْبُتُ بِطَرِيقِ الْكَرَامَةِ وَالنِّعْمَةِ حَيْثُ تَلْحَقُ الْأَجْنَبِيَّةُ بِالْأُمِّ؛ وَلِهَذَا مَنَّ اللَّهُ - تَعَالَى - عَلَيْنَا بِهَذِهِ الْحُرْمَةِ بِقَوْلِهِ {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا} [الفرقان: 54] وَلَيْسَ بِنَظِيرِهِ أَيْ لَيْسَ الْوَطْءُ الْحَرَامُ نَظِيرَ الْحَلَالِ فِي إثْبَاتِ الْكَرَامَةِ وَاسْتِجْلَابِ النِّعْمَةِ؛ لِأَنَّ الْحَرَامَ سَبَبُ الْمَقْتِ وَالْخِذْلَانِ لَا سَبَبُ الْإِكْرَامِ وَالْإِحْسَانِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْحَرَامُ نَظِيرَهُ كَانَتْ التَّعْدِيَةُ فَاسِدَةً وَأَجَابَ بِقَوْلِهِ: فَقُلْنَا: مَا عَدَّيْنَا الْحُكْمَ مِنْ الْحَلَالِ نَفْسِهِ إلَى الْحَرَامِ بَلْ الْأَصْلُ فِي ثُبُوتِ حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ الْوَلَدُ الَّذِي هُوَ الْمَقْصُودُ بِالنِّكَاحِ فَإِنَّهُ لَمَّا اسْتَحَقَّ سَائِرَ كَرَامَاتِ الْبَشَرِ مِنْ الْوِلَايَةِ وَالْمِلْكِ وَنَحْوِهِمَا اسْتَحَقَّ هَذِهِ الْكَرَامَةَ، وَهِيَ حُرْمَةُ الْمَحَارِمِ فَتَحْرُمُ عَلَيْهِ أُمَّهَاتُ أُمِّهِ وَبَنَاتُهَا إنْ كَانَ ذَكَرًا وَآبَاءُ أَبِيهِ وَأَبْنَاؤُهُ إنْ كَانَ أُنْثَى، وَلَمَّا كَانَ الْوَلَدُ مَخْلُوقًا مِنْ مَاءَيْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ تَعَدَّى إلَيْهِمَا الْحُرُمَاتُ الثَّابِتَةُ فِي حَقِّ الْوَلَدِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَاءَيْنِ لَمَّا امْتَزَجَا بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ تَمْيِيزُ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ، وَخُلِقَ مِنْهُمَا الْوَلَدُ، وَنُسِبَ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِكَمَالِهِ صَارَ مَا هُوَ جُزْءُ الْأُمِّ مِنْهُ مُضَافًا إلَى الْأَبِ بِالْبَعْضِيَّةِ وَمَا هُوَ جُزْءُ الْأَبِ مِنْهُ مُضَافًا إلَى الْأُمِّ بِالْبَعْضِيَّةِ فَثَبَتَ بَيْنَهُمَا بِوَاسِطَتِهِ نَوْعُ بَعْضِيَّةٍ وَاتِّحَادٍ كَمَا يَثْبُتُ بَيْنَ الْأَخَوَيْنِ بِوَاسِطَةِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جُزْءُ أَبِيهِ حَقِيقَةً.

وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ كَأَنَّهُمَا صَارَا شَخْصًا وَاحِدًا يَعْنِي فِي حُصُولِ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِالنِّكَاحِ كَزَوْجَيْ بَابٍ وَزَوْجَيْ خُفٍّ هُمَا بَابٌ وَاحِدٌ وَخُفٌّ وَاحِدٌ بِاعْتِبَارِ تَعَلُّقِ الْمَقْصُودِ بِهِمَا جَمِيعًا

وَإِذَا ثَبَتَ بَيْنَهُمَا هَذَا النَّوْعُ مِنْ الِاتِّحَادِ بِوَاسِطَتِهِ تَعَدَّتْ الْحُرُمَاتُ الثَّابِتَةُ فِي حَقِّهِ إلَيْهِمَا فَيَصِيرُ آبَاءُ الْوَطْءِ وَأَبْنَاؤُهُ فِي الْحُرْمَةِ بِمَنْزِلَةِ آبَاءِ الْمَوْطُوءَةِ وَأَبْنَائِهَا، وَأُمَّهَاتُ الْمَوْطُوءَةِ وَبَنَاتُهَا بِمَنْزِلَةِ أُمَّهَاتِ الْوَاطِئِ وَبَنَاتِهِ ثُمَّ تَعَدَّى ذَلِكَ أَيْ الْحُكْمُ الثَّابِتُ لِلْوَلَدِ، وَهُوَ إثْبَاتُ الْحُرْمَةِ الْمَذْكُورَةِ إلَى سَبَبِهِ وَهُوَ الْوَطْءُ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْعُلُوقِ أَمْرٌ بَاطِنِيٌّ لَا يُمْكِنُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ، وَلَا يَدْرِي أَنَّ الْوَلَدَ يُخْلَقُ مِنْ مَائِهِ أَوْ مِنْ مَاءِ غَيْرِهِ فَأُقِيمَ مَا هُوَ سَبَبٌ مُفْضٍ إلَيْهِ مَقَامَهُ كَمَا أُقِيمَتْ الْخَلْوَةُ مَقَامَ الدُّخُولِ فِي تَكْمِيلِ الْمَهْرِ وَإِيجَابِ الْعِدَّةِ وَالسَّفَرِ مَقَامَ الْمَشَقَّةِ فِي تَعَلُّقِ الرُّخْصِ بِهِ فَصَارَ أَيْ الْوَطْءُ عَامِلًا فِي إثْبَاتِ الْحُرْمَةِ بِمَعْنَى الْأَصْلِ، وَهُوَ الْوَلَدُ أَوْ الْجُزْئِيَّةُ الثَّابِتَةُ بَيْنَ الشَّخْصَيْنِ فَلَمْ يَجُزْ تَخْصِيصُهُ أَيْ تَخْصِيصُ الْوَطْءِ الْحَلَالِ بِإِثْبَاتِ هَذَا الْحُكْمِ بِاعْتِبَارِ مَعْنًى فِي نَفْسِهِ وَهُوَ الْحِلُّ وَلَا إبْطَالُ الْحُكْمِ عَنْ الْوَطْءِ الْحَرَامِ بِاعْتِبَارِ مَعْنًى فِي نَفْسِهِ، وَهُوَ الْحُرْمَةُ؛ إذْ لَا أَثَرَ لِصِفَةِ الْحُرْمَةِ فِي مَنْعِ هَذَا الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ أُقِيمَ هَذَا السَّبَبُ مَقَامَ مَا هُوَ الْأَصْلُ فِي إثْبَاتِ الْحُرْمَةِ وَلَا لِصِفَةِ الْحِلِّ فِي إثْبَاتِهِ؛ إذْ الْوَلَدُ يُوجَدُ بِالْوَطْءِ بِأَيِّ صِفَةٍ كَانَ، وَوَلَدُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015