وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ} [هود: 97] أَيْ فِعْلُهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْأَمْرُ مُسْتَفَادًا بِالْفِعْلِ لَمَا سُمِّيَ بِهِ وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» فَجَعَلُوا الْمُتَابَعَةَ لَازِمَةً
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَمْرِ، وَمِنْ ثُبُوتِهِ بِغَيْرِ الصِّيغَةِ ثُبُوتُ الِاشْتِرَاكِ؛ فَلِهَذَا يَتَعَرَّضُ فِي الدَّلَائِلِ تَارَةً لِنَفْيِ الِاشْتِرَاكِ وَإِثْبَاتِهِ وَتَارَةً لِنَفْيِ الْوُجُوبِ عَنْ غَيْرِ الصِّيغَةِ وَإِثْبَاتِهِ فَافْهَمْ، وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ بِالِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ بِالْكِتَابِ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ} [هود: 97] أَيْ فِعْلُهُ وَطَرِيقَتُهُ؛ لِأَنَّهُ وَصَفَهُ بِالرُّشْدِ وَالْفِعْلُ إنَّمَا يُوصَفُ بِهِ لَا الْقَوْلُ، وَقَوْلُهُ عَزَّ ذِكْرُهُ {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [الشورى: 38] أَيْ فِعْلُهُمْ، وَقَوْلُهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمران: 152] أَيْ فِيمَا تُقَدِّمُونَ عَلَيْهِ مِنْ الْفِعْلِ.
وَقَوْلُهُ عَزَّ اسْمُهُ إخْبَارًا {أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} [هود: 73] أَيْ صُنْعِهِ فَأَطْلَقَ لَفْظَ الْأَمْرِ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ عَلَى الْفِعْلِ وَالْأَصْلُ فِي الْإِطْلَاقِ الْحَقِيقَةُ فَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ وَجْهِ التَّمَسُّكِ فِي هَذَا الْمَقَامِ وَمَا ذَكَرَ الشَّيْخُ رَاجِعٌ إلَيْهِ أَيْضًا وَقَوْلُهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْأَمْرُ أَيْ مَعْنَى الْأَمْرِ، وَهُوَ الطَّلَبُ أَوْ الْإِيجَابُ مُسْتَفَادًا بِالْفِعْلِ أَيْ حَاصِلًا بِهِ وَمَفْهُومًا مِنْهُ لَمَا سُمِّيَ الْفِعْلُ بِالْأَمْرِ أَيْ لَمَا أُطْلِقَ عَلَيْهِ لَفْظُ الْأَمْرِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ إذْ ذَاكَ لَغْوًا مِنْ الْكَلَامِ.
وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ مَعْنَى الْأَمْرِ مُسْتَفَادٌ مِنْهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ؛ لِأَنَّهُ لَا اتِّصَالَ بَيْنَهُمَا صُورَةً بِلَا شُبْهَةٍ وَلَا مَعْنًى؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْأَمْرِ الطَّلَبُ وَمَعْنَى الْفِعْلِ تَحْقِيقُ الشَّيْءِ وَلَا اتِّصَالَ بَيْنَهُمَا بِوَجْهٍ ثَبَتَ أَنَّهُ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ وَإِذَا ثَبَتَ كَوْنُهُ حَقِيقَةً فِي الْفِعْلِ ثَبَتَ كَوْنُ الْفِعْلِ مُوجِبًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ لَوَازِمِ حَقِيقَةِ الْأَمْرِ، وَلَئِنْ سَلَّمْنَا جَوَازَ الْإِطْلَاقِ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ فَالْحَمْلُ عَلَى الْحَقِيقَةِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا هِيَ الْأَصْلُ، وَبِالسُّنَّةِ، وَهِيَ مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - شُغِلَ عَنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فَقَضَاهَا مُرَتَّبَةً وَقَالَ: صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» وَمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ فَإِنِّي امْرُؤٌ مَقْبُوضٌ» فَجَعَلَ الْمُتَابَعَةَ لَازِمَةً فَثَبَتَ بِالتَّنْصِيصِ أَنَّ فِعْلَهُ مُوجِبٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُوجِبًا لِذَاتِهِ كَمَا ثَبَتَ بِالتَّنْصِيصِ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [النساء: 59] إنَّ قَوْلَهُ مُوجِبٌ؛ وَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ أَنْ يَكُونَ مُوجِبًا لِذَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ بَشَرٌ مِثْلُنَا وَبِأَنَّ اخْتِلَافَ الْجَمْعِ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ بِاعْتِبَارِ مَعْنَيَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَإِنَّ الْعُودَ بِمَعْنَى الْخَشَبِ يُجْمَعُ عَلَى عِيدَانِ وَبِمَعْنَى اللَّهْوِ عَلَى أَعْوَادٍ وَقَدْ يُجْمَعُ الْأَمْرُ بِمَعْنَى الْفِعْلِ عَلَى أُمُورٍ وَبِمَعْنَى الْقَوْلِ عَلَى أَوَامِرَ فَيَكُونُ الْأَمْرُ حَقِيقَةً فِيهِمَا، وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ بِالِاشْتِرَاكِ الْمَعْنَوِيِّ بِأَنَّ الْقَوْلَ الْمَخْصُوصَ وَالْفِعْلَ مُشْتَرِكَانِ فِي عَامٍّ كَالشَّيْئِيَّةِ وَالشَّأْنِ فَيَجِبُ جَعْلُ اللَّفْظِ الْمُطْلَقِ عَلَيْهِمَا، وَهُوَ الْأَمْرُ لِلْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا دَفْعًا لِلِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ وَالْمَجَازِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خِلَافُ الْأَصْلِ.
وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ فِي نَفْيِ الِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ بِأَنَّ الْأَمْرَ لَوْ كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْقَوْلِ الْمَخْصُوصِ وَالْفِعْلِ لَمَا سَبَقَ أَحَدُهُمَا إلَى الْفَهْمِ دُونَ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ تَنَاوُلَ الْمُشْتَرَكِ لِلْمَعَانِي عَلَى السَّوَاءِ وَالْأَمْرُ بِخِلَافِهِ، وَبِأَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْقَوْلِ الْمَخْصُوصِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ حَقِيقَةً فِي غَيْرِهِ دَفْعًا لِلِاشْتِرَاكِ، وَفِي نَفْيِ الِاشْتِرَاكِ الْمَعْنَوِيِّ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُشْتَرَكًا بِالِاشْتِرَاكِ الْمَعْنَوِيِّ لَمَا فَهِمَ مِنْهُ أَحَدُهُمَا عَيْنًا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ؛ لِأَنَّ مُسَمَّاهُ حِينَئِذٍ أَعَمُّ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَا دَلَالَةَ لِلْأَعَمِّ عَلَى الْأَخَصِّ كَمَا لَا دَلَالَةَ لِلْحَيَوَانِ عَلَى الْإِنْسَانِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ الْمَذْكُورُ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ، وَهُوَ تَعَرُّضٌ لِنَفْيِ الِاشْتِرَاكِ عَنْ الْأَمْرِ وَانْتِفَاءُ الْإِيجَابِ عَنْ الْفِعْلِ مِنْ لَوَازِمِهِ وَلَكِنَّ الشَّيْخَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَعَرَّضَ فِيمَا ذَكَرَ مِنْ الدَّلِيلِ لِنَفْيِ الْإِيجَابِ مِنْ غَيْرِ الصِّيغَةِ عَلَى عَكْسِ مَا