(فَصْلٌ مَنْ لَزِمَهُ تَتَابُعُ اعْتِكَافٍ كَ مَنْ نَذَرَ شَهْرًا أَوْ أَيَّامًا مُتَتَابِعَةً وَنَحْوَهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْخُرُوجُ إلَّا لِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ) ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: «السُّنَّةُ لِلْمُعْتَكِفِ أَنْ لَا يَخْرُجَ إلَّا لِمَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد (كَحَاجَةِ الْإِنْسَانِ مِنْ بَوْلٍ وَغَائِطٍ) قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: إجْمَاعًا، وَسَنَدُهُ قَوْلُ عَائِشَةَ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَدْخُلُ الْبَيْتَ إلَّا لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلَوْ بَطَلَ بِالْخُرُوجِ إلَيْهِمَا لَمْ يَصِحَّ لِأَحَدٍ اعْتِكَافٌ وَكَنَّى بِهَا عَنْهُمَا؛ لِأَنَّ كُلَّ إنْسَانٍ يَحْتَاج إلَى فِعْلِهِمَا.
(وَ) كَ (قَيْءٍ بَغْتَةً وَغَسْلِ مُتَنَجِّسٍ يَحْتَاجُهُ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي مَعْنَى الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ، (وَالطَّهَارَةِ عَنْ حَدَثٍ) كَغُسْلٍ جَنَابَةٍ وَوُضُوءٍ لِحَدَثٍ نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْجُنُبَ يَحْرُمُ عَلَيْهِ اللُّبْثُ فِي الْمَسْجِدِ، وَالْمُحْدِثُ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ بِدُونِ وُضُوءٍ (وَلَا) يَخْرُجُ لِطَهَارَةٍ غَيْرِ وَاجِبَةٍ كَغُسْلِ الْجُمُعَةِ وَ (التَّجْدِيدِ وَلَهُ تَقْدِيمُهَا) أَيْ: الطَّهَارَةِ الْوَاجِبَةِ (لِيُصَلِّيَ بِهَا أَوَّلَ الْوَقْتِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْوُضُوءِ لِلْحَدَثِ، وَإِنَّمَا يَتَقَدَّمُ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ لِمَصْلَحَةٍ وَهِيَ كَوْنُهُ عَلَى وُضُوءٍ، وَرُبَّمَا يَحْتَاجُ إلَى صَلَاةِ النَّافِلَةِ، (وَ) لَهُ أَنْ (يَتَوَضَّأَ فِي الْمَسْجِدِ) وَيَغْتَسِلَ فِيهِ (بِلَا ضَرَرٍ) أَيْ: إذَا لَمْ يُؤْذِ بِهِمَا، (فَإِذَا خَرَجَ الْمُعْتَكِفُ لِمَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ) فَلَهُ الْمَشْيُ عَلَى عَادَتِهِ مِنْ غَيْرِ عَجَلَةٍ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ فِيهَا مَشَقَّةٌ وَ (لَهُ قَصْدُ بَيْتِهِ إنْ لَمْ يَجِدْ مَكَانًا يَلِيقُ بِهِ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِيهِ وَلَا مِنْهُ كَسِقَايَةٍ) أَيْ مِيضَأَةٍ، (لَا يَحْتَشِمُ مِثْلُهُ مِنْهَا وَلَا نَقْصَ عَلَيْهِ) فِي دُخُولِهَا.
قَالُوا: وَلَا مُخَالَفَةَ لِعَادَتِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ (وَيَلْزَمُهُ قَصْدُ أَقْرَبِ مَنْزِلَيْهِ) لِدَفْعِ حَاجَتِهِ بِهِ بِخِلَافِ مَنْ اعْتَكَفَ فِي الْمَسْجِدِ الْأَبْعَدِ مِنْهُ لِعَدَمِ تَعْيِينِ أَحَدِهِمَا قَبْلَ دُخُولِهِ لِلِاعْتِكَافِ، (وَإِنْ بَذَلَ لَهُ صَدِيقُهُ أَوْ غَيْرُهُ مَنْزِلَهُ الْقَرِيبَ لِقَضَاءِ حَاجَتِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ) قَبُولُهُ (لِلْمَشَقَّةِ بِتَرْكِ الْمُرُوءَةِ وَالِاحْتِشَامِ) مِنْهُ.
(وَيَخْرُجُ) الْمُعْتَكِفُ (لِيَأْتِيَ بِمَأْكُولٍ وَمَشْرُوبٍ يَحْتَاجُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْ يَأْتِيهِ بِهِ) نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى مَا سَبَقَ؛ (وَلَا يَجُوزُ خُرُوجُهُ لِأَجْلِ أَكْلِهِ وَشُرْبِهِ فِي بَيْتِهِ؛ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ لِإِبَاحَةِ ذَلِكَ فِي الْمَسْجِدِ وَلَا نَقْصَ فِيهِ وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ يَتَوَجَّهُ الْجَوَازُ، وَاخْتَارَهُ أَبُو حَكِيمٍ لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ الْمُرُوءَةِ، وَيَسْتَحْيِ أَنْ يَأْكُلَ وَحْدَهُ وَيُرِيدَ