(غَيْمٌ أَوْ قَتَرٌ أَوْ غَيْرُهُمَا) كَالدُّخَانِ، وَالْقَتَرُ وَالْقَتَرَةُ مُحَرَّكَتَيْنِ: الْغَبَرَةُ (لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ لَمْ يَجِبْ صَوْمُهُ قَبْلَ رُؤْيَةِ هِلَالِهِ أَوْ إكْمَالِ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ) يَوْمًا (نَصًّا، وَلَا تَثْبُتُ بَقِيَّةُ تَوَابِعِهِ) كَصَلَاةِ التَّرَاوِيحِ وَوُجُوبِ الْإِمْسَاكِ عَلَى مَنْ أَصْبَحَ مُفْطِرًا، (وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ وَأَصْحَابُهُ وَجَمْعٌ) مِنْهُمْ أَبُو الْخَطَّابِ وَابْنُ عَقِيلٍ ذَكَرَهُ فِي الْفَائِقِ وَصَاحِبُ التَّبْصِرَةِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: هَذَا مَذْهَبُ أَحْمَدَ الْمَنْصُوصُ الصَّرِيحُ عَنْهُ، وَقَالَ: لَا أَصْلَ لِلْوُجُوبِ فِي كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَلَا فِي كَلَامِ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَرَدَّ صَاحِبُ الْفُرُوعِ جَمِيعَ مَا احْتَجَّ بِهِ الْأَصْحَابُ لِلْوُجُوبِ وَقَالَ: لَمْ أَجِدْ عَنْ أَحْمَدَ كَلَامًا صَرِيحًا بِالْوُجُوبِ وَلَا أَمَرَ بِهِ فَلَا يَتَوَجَّهُ إضَافَتُهُ إلَيْهِ انْتَهَى.
لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ مَرْفُوعَا: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ؛ وَلِأَنَّهُ يَوْمُ شَكٍّ وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ الشَّهْرِ، فَلَا يُنْتَقَلُ عَنْهُ بِالشَّكِّ (وَالْمَذْهَبُ: يَجِبُ صَوْمُهُ) أَيْ صَوْمُ يَوْمِ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ إنْ حَالَ دُونَ مَطْلَعِهِ غَيْمٌ أَوْ قَتَرٌ وَنَحْوُهُمَا (بِنِيَّةِ رَمَضَانَ حُكْمًا ظَنِّيًّا بِوُجُوبِهِ احْتِيَاطًا لَا يَقِينًا) ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَأَكْثَرُ شُيُوخِ أَصْحَابِنَا وَنُصُوصُ أَحْمَدَ عَلَيْهِ، وَهُوَ مَذْهَبُ عُمَرَ وَابْنِهِ وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنَسٍ وَمُعَاوِيَةَ وَعَائِشَةَ وَأَسْمَاءَ بِنْتَيْ أَبِي بَكْرٍ، وَقَالَهُ جَمْعٌ مِنْ التَّابِعِينَ لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ مَرْفُوعًا قَالَ: «إذَا رَأَيْتُمُوهُ فَصُومُوا وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَمَعْنَى " فَاقْدُرُوا لَهُ " أَيْ: ضَيِّقُوا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} [الطلاق: 7] أَيْ: ضُيِّقَ وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ شَعْبَانَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ يَوْمًا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: اُقْدُرُوا زَمَانًا يَطْلُعُ فِي مِثْلِهِ الْهِلَالُ، وَهَذَا الزَّمَانُ يَصِحُّ وُجُودُهُ فِيهِ أَوْ يَكُونُ مَعْنَاهُ: فَاعْلَمُوا مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ أَنَّهُ تَحْتَ الْغَيْمِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ} [النمل: 57] أَيْ: عَلِمْنَاهَا.
مَعَ أَنَّ بَعْضَ الْمُحَقِّقِينَ قَالُوا: الشَّهْرُ أَصْلُهُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ يُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ إسْمَاعِيلَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: " كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ إذَا مَضَى مِنْ شَعْبَانَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا بَعَثَ مَنْ يَنْظُرُ لَهُ فَإِنْ رَآهُ فَذَاكَ وَإِنْ لَمْ يَرَهُ وَلَمْ يَحُلْ دُونَ مَنْظَرِهِ سَحَابٌ