أَنْ (يَصْبِرَ) وَالصَّبْرُ: الْحَبْسُ قَالَ تَعَالَى {وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 46] وَقَالَ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ» وَفِي الصَّبْرِ عَلَى مَوْتِ الْوَلَدِ أَجْرٌ كَبِيرٌ، وَرَدَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ مِنْهَا مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَمُوتُ لِأَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْوَلَدِ فَتَمَسَّهُ النَّارُ إلَّا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ» يُشِير إلَى قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا} [مريم: 71] .
وَالصَّحِيحُ: أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمُرُورُ عَلَى الصِّرَاطِ، وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى مَا لِعَبْدِي الْمُؤْمِنِ مِنْ جَزَاءٍ إذَا قَبَضْتُ صَفِيَّهُ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا ثُمَّ احْتَسَبَهُ: إلَّا الْجَنَّةُ» قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى وَاعْلَمْ أَنَّ الثَّوَابَ فِي الْمَصَائِبِ فِي الصَّبْرِ عَلَيْهَا لَا عَلَى الْمُصِيبَةِ نَفْسِهَا فَإِنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ كَسْبِهِ وَإِنَّمَا يُثَابُ عَلَى كَسْبِهِ وَالصَّبْرُ مِنْ كَسْبِهِ وَالرِّضَا بِالْقَضَاءِ فَوْقَ الصَّبْرِ فَإِنَّهُ يُوجِبُ رِضَا اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (وَيَجِبُ مِنْهُ) أَيْ: الصَّبْرِ (مَا يَمْنَعْهُ مِنْ مُحَرَّمٍ) إذْ النَّهْيُ عَنْ شَيْءٍ أَمْرٌ بِضِدِّهِ وَلَا يَلْزَمُ الرِّضَى بِمَرَضٍ وَفَقْرٍ وَعَاهَةٍ خِلَافًا لِابْنِ عَقِيلٍ، بَلْ يُسَنُّ وَيُحْرَمُ الرِّضَا بِفِعْلِ الْمَعْصِيَةِ ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ إجْمَاعًا وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيِّ الدِّينِ أَنَّهُ إذَا نَظَرَ إلَى إحْدَاثِ الرَّبِّ لِذَلِكَ لِلْحِكْمَةِ الَّتِي يُحِبُّهَا وَيَرْضَاهَا رَضِيَ لِلَّهِ بِمَا رَضِيَهُ لِنَفْسِهِ فَيَرْضَاهُ وَيُحِبُّهُ مَفْعُولًا مَخْلُوقًا لِلَّهِ تَعَالَى وَيَبْغَضُهُ وَيَكْرَهُهُ فِعْلًا لِلْمُذْنِبِ الْمُخَالِفِ لِأَمْرِ اللَّهِ وَهَذَا كَمَا نَقُولُ فِيمَا خَلَقَهُ مِنْ الْأَجْسَامِ الْخَبِيثَةِ قَالَ: فَمَنْ فَهِمَ هَذَا الْمَوْضِعَ انْكَشَفَ لَهُ حَقِيقَةُ هَذَا الْأَمْرِ الَّذِي حَارَتْ فِيهِ الْعُقُولُ.
(وَيُكْرَهُ لَهُ) أَيْ: الْمُصَابِ (تَغْيِيرُ حَالِهِ) أَيْ: هَيْئَتِهِ (مِنْ خَلْعِ رِدَائِهِ وَنَعْلِهِ، وَغَلْقِ حَانُوتِهِ، وَتَعْطِيلِ مَعَاشِهِ وَنَحْوِهِ) لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ إظْهَارِ الْجَزَعِ قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيّ فِي قَوْله تَعَالَى {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا} [الحديد: 22] اعْلَمْ أَنَّ مَنْ عَلِمَ أَنَّ مَا قُضِيَ لَا بُدَّ أَنْ يُصِيبَهُ قَلَّ حُزْنُهُ وَفَرْحُهُ وَقَالَ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ: اتَّفَقَ الْعُقَلَاءُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ أَنَّ مَنْ لَمْ يَتَمَشَّ مَعَ الْقَدَرِ لَمْ يَتَهَنَّ بِعَيْشٍ.
(وَلَا يُكْرَهُ الْبُكَاءُ) قَالَ، الْجَوْهَرِيُّ: الْبُكَاءُ يُمَدُّ وَيُقْصَرُ فَإِذَا مَدَدْتَ أَرَدْتَ الصَّوْتَ الَّذِي يَكُونُ مَعَ الْبُكَاءِ وَإِذَا قَصَرْتَ، أَرَدْتَ الدُّمُوعَ وَخُرُوجَهَا (عَلَى الْمَيِّتِ قَبْلَ الْمَوْتِ وَبَعْدَهُ) لِكَثْرَةِ الْأَخْبَارِ بِذَلِكَ، فَمِنْهَا: مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ