(أَوْ قَصَدَهُ لِأَجْلِ الدُّعَاءِ عِنْدَهُ، مُعْتَقِدًا أَنَّ الدُّعَاءَ هُنَاكَ أَفْضَلُ مِنْ الدُّعَاءِ فِي غَيْرِهِ، أَوْ النَّذْر لَهُ، أَوْ نَحْو ذَلِكَ؛) (وَقَالَ الشَّيْخُ: فَلَيْسَ هَذَا مِنْ دِينِ الْمُسْلِمِينَ، بَلْ هُوَ مِمَّا أُحْدِثَ مِنْ الْبِدَعِ الْقَبِيحَةِ الَّتِي هِيَ مِنْ شُعَبِ الشِّرْكِ) .
قَالَ فِي الِاخْتِيَارَاتِ: اتَّفَقَ السَّلَفُ وَالْأَئِمَّةُ عَلَى أَنَّ مَنْ سَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ الصَّالِحِينَ فَإِنَّهُ لَا يَتَمَسَّحُ بِالْقَبْرِ وَلَا يُقَبِّلُهُ، بَلْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُسْتَلَمُ وَلَا يُقَبَّلُ إلَّا الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ، وَالرُّكْنُ الْيَمَانِيُّ يُسْتَلَمُ وَلَا يُقَبَّلُ عَلَى الصَّحِيحِ قُلْت: بَلْ قَالَ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ: يُسْتَحَبُّ تَقْبِيلُ حُجْرَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
(وَيُسَنُّ إذَا زَارَهَا) أَيْ: قُبُورَ الْمُسْلِمِينَ (أَوْ مَرَّ بِهَا أَنْ يَقُولَ مُعَرِّفًا: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَلَاحِقُونَ، يَرْحَمُ اللَّهُ الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ، وَالْمُسْتَأْخِرِينَ، نَسْأَلُ اللَّهَ لَنَا وَلَكُمْ الْعَافِيَةَ اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُمْ وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُمْ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُمْ) لِلْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ بِذَلِكَ فَمِنْهَا: حَدِيثُ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ «السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ» قَالَ فِي الشَّرْحِ وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ «وَيَرْحَمُ اللَّهُ الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَالْمُسْتَأْخِرِينَ» وَرَوَى مُسْلِمُ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعَلِّمُهُمْ إذَا خَرَجُوا إلَى الْمَقَابِرِ، أَنْ يَقُولَ قَائِلُهُمْ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الدِّيَارِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ، نَسْأَلُ اللَّهَ لَنَا وَلَكُمْ الْعَافِيَةَ» .
وَقَدْ دَلَّ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ اسْمَ الدَّارِ: يَقَعُ عَلَى الْمَقَابِرِ وَإِطْلَاقُ الْأَهْلِ عَلَى سَاكِنِ الْمَكَانِ مِنْ حَيٍّ وَمَيِّتٍ وَرَوَى أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ «اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُمْ وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُمْ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُمْ» وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «مَرَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقُبُورِ الْمَدِينَةِ، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِمْ بِوَجْهِهِ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ الْقُبُورِ، يَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ أَنْتُمْ سَلَفُنَا وَنَحْنُ بِالْأَثَرِ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ غَرِيبٌ وَقَوْلُهُ: «إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ» الِاسْتِثْنَاءُ لِلتَّبَرُّكِ قَالَهُ الْعُلَمَاءُ.
وَفِي الْبَغَوِيِّ أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى اللُّحُوقِ لَا إلَى الْمَوْتِ.
وَفِي الشَّافِي: أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى الْبِقَاعِ (وَنَحْوِهِ) أَيْ: أَوْ يَقُولُ نَحْو ذَلِكَ: مِمَّا وَرَدَ وَمِنْهُ " اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الْأَجْسَادِ الْبَالِيَةِ، وَالْعِظَامِ النَّخِرَةِ الَّتِي خَرَجَتْ مِنْ دَارِ الدُّنْيَا، وَهِيَ بِكَ مُؤْمِنَةٌ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، وَأَنْزِلْ بِهِمْ رُوحًا مِنْكَ وَسَلَامًا مِنِّي "