صَلَّى عَلَى عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ؛ فَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعًا، وَأَتَى الْقَبْرَ فَحَثَى عَلَيْهِ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ، وَهُوَ قَائِمٌ عِنْدَ رَأْسِهِ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، وَلِأَنَّ مُوَارَاتَهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَبِالْحَثْيِ يَصِيرُ مِمَّنْ شَارَكَ فِيهَا وَفِي ذَلِكَ أَقْوَى عِبْرَةٍ وَتَذْكَارٍ، فَاسْتُحِبَّ لِذَلِكَ.
(فَصْلٌ وَيُسْتَحَبُّ رَفْعُ الْقَبْرِ) عَنْ الْأَرْضِ (قَدْرَ شِبْرٍ) .
لِيُعْرَفَ أَنَّهُ قَبْرٌ، فَيُتَوَقَّى، وَيُتَرَحَّمَ عَلَى صَاحِبِهِ وَقَدْ رَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ جَابِرٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَفَعَ قَبْرَهُ عَنْ الْأَرْضِ قَدْرَ شِبْرٍ» .
وَعَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ لِعَائِشَةَ يَا أُمَّاهُ، اكْشِفِي لِي عَنْ قَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَاحِبَيْهِ فَكَشَفَتْ لِي عَنْ ثَلَاثَةِ قُبُورٍ، لَا مُشْرِفَةً وَلَا لَاطِئَةً مَبْطُوحَةً بِبَطْحَاءِ الْعَرْصَةِ الْحَمْرَاءِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
(وَيُكْرَهُ) رَفْعُ الْقَبْرِ (فَوْقَهُ) أَيْ: فَوْقَ شِبْرٍ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَلِيٍّ: «لَا تَدَعْ تِمْثَالًا إلَّا طَمَسْتَهُ وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا إلَّا سَوَّيْتَهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ وَالْمُشْرِفُ مَا رُفِعَ كَثِيرًا، بِدَلِيلِ مَا سَبَقَ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ " لَا مُشْرِفَةً وَلَا لَاطِئَةً " (وَتَسْنِيمُهُ) أَيْ: الْقَبْرِ (أَفْضَلُ مِنْ تَسْطِيحِهِ) لِقَوْلِ سُفْيَانَ التَّمَّارِ " رَأَيْتُ قَبْرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُسَنَّمًا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَعَنْ الْحَسَنِ مِثْلُهُ وَلِأَنَّ التَّسْطِيحَ أَشْبَهُ بِأَبْنِيَةِ أَهْلِ الدُّنْيَا (إلَّا بِدَارِ حَرْبٍ، إذَا تَعَذَّرَ نَقْلُهُ) أَيْ: الْمَيِّتُ (فَالْأَوْلَى تَسْوِيَتُهُ) أَيْ: الْقَبْرُ (بِالْأَرْضِ وَإِخْفَاؤُهُ) أَوْلَى مِنْ إظْهَارِهِ، وَتَسْنِيمِهِ، خَوْفًا مِنْ أَنْ يُنْبَشَ، فَيُمَثَّلَ بِهِ.
(وَيُسَنُّ أَنْ يُرَشَّ عَلَيْهِ) أَيْ: الْقَبْرِ (الْمَاءُ، وَيُوضَعَ عَلَيْهِ حَصًى صِغَارٌ مُحَلَّلٌ بِهِ، لِيَحْفَظَ تُرَابَهُ) لِمَا رَوَى جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَشَّ عَلَى قَبْرِ ابْنِهِ إبْرَاهِيمَ مَاءً وَوَضَعَ عَلَيْهِ حَصْبَاءَ» رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَلِأَنَّ ذَلِكَ أَثْبَتُ لَهُ، وَأَبْعَدُ لِدُرُوسِهِ، وَأَمْنَعُ لِتُرَابِهِ مِنْ أَنْ تُذْهِبَهُ الرِّيَاحُ، وَالْحَصْبَاءُ صِغَارُ الْحَصَا (وَلَا بَأْسَ بِتَطْيِينِهِ) أَيْ: الْقَبْرِ، لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ فِي وَصْفِ قَبْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَبْرِ صَاحِبَيْهِ مَبْطُوحَةً بِبَطْحَاءِ الْعَرْصَةِ الْحَمْرَاءِ.
(وَ) لَا بَأْسَ أَيْضًا بِ (تَعْلِيمِهِ بِحَجَرٍ أَوْ خَشَبَةٍ أَوْ نَحْوِهِمَا) كَلَوْحٍ لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادِهِ عَنْ الْمَطْلَبِ