يَنْظُرُ لِلْمُسْلِمِينَ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ اخْتِيَارُ الْأَصْلَحِ لَهُمْ، فَيَخْتَارُ أَفْضَلَهُمْ عِلْمًا؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالشَّرْعِ فَرْعٌ مِنْ الْعِلْمِ بِهِ، وَالْأَفْضَلُ أَثْبَتُ وَأَمْكَنُ، وَكَذَا مَنْ وَرَعُهُ أَشَدُّ لِسُكُونِ النَّفْسِ إلَى مَا يَحْكُمُ بِهِ أَعْظَمُ (وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ) الْإِمَامُ الْأَفْضَلَ (سَأَلَ عَمَّنْ يَصْلُحُ) قَالَ تَعَالَى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43] (فَإِنْ ذُكِرَ لَهُ) أَيْ الْإِمَامِ (مَنْ لَا يَعْرِفُهُ أَحْضَرَهُ وَسَأَلَهُ) لِيَكُونَ عَلَى بَصِيرَةٍ وَلِأَنَّهُ رُبَّمَا كَانَ لِلْمَسْئُولِ غَرَضٌ غَيْر الْمَطْلُوبِ وَكَانُوا يَمْتَحِنُونَ الْعُمَّالَ بِالْفَرَائِضِ وَنَحْوِهَا مِنْ الْغَوَامِضِ (فَإِنْ عَرَفَ عَدَالَتَهُ) وَلَّاهُ (وَإِلَّا بَحَثَ عَنْهَا فَإِذَا عَرَفَهَا وَلَّاهُ) وَإِلَّا لَمْ يُوَلِّهِ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ كَمَا يَأْتِي (وَيَأْمُرُهُ) الْإِمَامُ (بِتَقْوَى اللَّهِ وَإِيثَارِ طَاعَتِهِ فِي سِرِّهِ وَعَلَانِيَتِهِ وَ) يَأْمُرُهُ أَيْضًا (بِتَحَرِّي الْعَدْلِ وَالِاجْتِهَادِ فِي إقَامَةِ الْحَقِّ) لِأَنَّ ذَلِكَ تَذْكِرَةٌ لَهُ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِعْلُهُ، وَإِعَانَةٌ لَهُ فِي إقَامَةِ الْحَقِّ وَتَقْوِيَةٌ لِقَلْبِهِ، وَتَنْبِيهُهُ عَلَى اعْتِنَاءِ الْإِمَامِ بِأَمْرِ الشَّرْعِ وَأَهْلِهِ.
(وَيَكْتُبُ) الْإِمَامُ (لَهُ) أَيْ الْقَاضِي (بِذَلِكَ عَهْدًا) إذَا كَانَ غَائِبًا عَنْهُ فَيَكْتُبُ لَهُ بِأَنَّهُ وَلَّاهُ، وَأَنَّهُ يَأْمُرُهُ بِتَقْوَى اللَّهِ إلَخْ.
(وَ) يَأْمُرُهُ (أَنْ يَتَخَلَّفَ فِي كُلِّ صُقْعٍ) بِضَمِّ الصَّادِ أَيْ نَاحِيَةٍ (أَصْلَحَ مَنْ يَقْدِرُ عَلَيْهِ) لَهُمَا لِأَنَّ فِي ذَلِكَ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ فِي جَوَازِ الِاسْتِخْلَافِ وَتَنْبِيهًا عَلَى مَصْلَحَةِ رَعِيَّةِ بَلَدِ الْقَاضِي وَحَثًّا لَهُ عَلَى اخْتِيَارِ الْأَصْلَحِ.
، (وَ) يَجِبُ عَلَى (مَنْ يَصْلُحُ لَهُ) أَيْ الْقَضَاءِ (إذَا طُلِبَ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ مِمَّنْ يُوثَقُ بِهِ الدُّخُولُ فِيهِ إنْ لَمْ يَشْغَلْهُ عَمَّا هُوَ أَهَمُّ مِنْهُ) لِأَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ إذَا لَمْ يُوجَدْ مَنْ يَقُومُ بِهِ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ كَغُسْلِ الْمَيِّتِ وَنَحْوِهِ (وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى مَنْ يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ (طَلَبُهُ) وَلَوْ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ لِمَا رَوَى أَنَسٌ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ سَأَلَ الْقَضَاءَ وُكِلَ إلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أُجْبِرَ عَلَيْهِ نَزَلَ مَلَكٌ يُسَدِّدُهُ» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا النَّسَائِيَّ.
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: «مَنْ ابْتَغَى الْقَضَاءَ وَسَأَلَ فِيهِ شُفَعَاءَ وُكِلَ إلَى نَفْسِهِ، وَمَنْ أُكْرِهَ عَلَيْهِ أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ يُسَدِّدُهُ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
(وَمَنْ لَا يُحْسِنُهُ) أَيْ الْقَضَاءَ (وَلَمْ تَجْتَمِعْ فِيهِ شُرُوطُهُ حَرُمَ عَلَيْهِ الدُّخُولُ فِيهِ) لِعَدَمِ صِحَّةِ قَضَائِهِ فَيَعْظُمُ الْغَرَرُ وَالضَّرَرُ.
(وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِهِ) أَيْ الْقَضَاءِ (وَيُوجَدُ غَيْرُهُ مِثْلُهُ) فِي الْأَهْلِيَّةِ (فَلَهُ أَنْ يَلِيَهُ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ) الدُّخُولُ فِيهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ (وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يُجِيبَ إذَا طُلِبَ) إذَنْ، لِمَا فِيهِ مِنْ الْخَطَرِ وَالْمَشَقَّةِ الشَّدِيدَةِ وَلِمَا فِي تَرْكِهِ مِنْ السَّلَامَةِ وَذَلِكَ طَرِيقَةُ السَّلَفِ وَقَدْ أَرَادَ