فَفَتْحَ عَلَيْهِ الْحَالِفُ لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ وَلَيْسَ بِكَلَامِ الْآدَمِيِّينَ (وَلَوْ كَاتَبَهُ) الْحَالِفُ (أَوْ أَرْسَلَ إلَيْهِ رَسُولًا حَنِثَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولا} [الشورى: 51] وَقَوْلُ عَائِشَةَ «مَا بَيْنَ دَفَّتَيْ الْمُصْحَفِ كَلَامُ اللَّهِ» وَلِأَنَّ ذَلِكَ وُضِعَ لِإِفْهَامِ الْآدَمِيِّينَ أَشْبَهَ الْخِطَابَ.
قَالَ فِي الشَّرْحِ وَالْمُبْدِعِ: وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِتَكْلِيمٍ لَكِنْ إنْ نَوَى تَرْكَ مُرَاسَلَتِهِ أَوْ سَبَب يَمِينِهِ يَقْتَضِي هِجْرَانَهُ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ (إلَّا أَنْ يَكُونَ) الْحَالِفُ (أَرَادَ أَنْ لَا يُشَافِهَهُ) فَلَا يَحْنَثُ بِالْمُكَاتَبَةِ وَلَا بِالْمُرَاسَلَةِ وَإِنْ أَرْسَلَ مَنْ يَسْأَلُ أَهْلَ الْعِلْمِ عَنْ مَسْأَلَةٍ لَمْ يَحْنَثْ بِسُؤَالِ الرَّسُولِ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الطَّلَاقِ لِأَنَّهُ لَمْ يُرَاسِلْهُ (وَإِنْ أَشَارَ إلَيْهِ حَنِثَ قَالَهُ الْقَاضِي) لِأَنَّ الْإِشَارَةَ فِي مَعْنَى الْمُكَاتَبَةِ وَالْمُرَاسَلَةِ فِي الْإِفْهَامِ.
وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ لَا يَحْنَثُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِكَلَامٍ قَالَ اللَّه تَعَالَى لِمَرْيَمَ - عَلَيْهَا السَّلَامُ - {فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا} [مريم: 26]- إلَى قَوْلِهِ - {فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ} [مريم: 29] .
وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {آيَتُكَ أَلا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلا رَمْزًا} [آل عمران: 41] فَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ وَقَوْلُ أَبِي الْخَطَّابِ هُوَ مُقْتَضَى مَا تَقَدَّمَ فِي الطَّلَاقِ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِهَا (وَإِنْ نَادَاهُ) الْحَالِفُ (بِحَيْثُ) إنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ (يَسْمَعُ فَلَمْ يَسْمَعْ لِتَشَاغُلِهِ أَوْ غَفْلَةٍ) حَنِثَ لِأَنَّهُ كَلَّمَهُ (أَوْ سَلَّمَ) الْحَالِفُ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى مَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمهُ (حَنِثَ) لِأَنَّ السَّلَامَ كَلَامٌ تَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ فَحَنِثَ بِهِ كَغَيْرِهِ.
وَفِي الرِّعَايَةِ إنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَعْرِفْهُ فَوَجْهَانِ (وَإِنْ سَلَّمَ عَلَى قَوْمٍ هُوَ فِيهِمْ وَلَمْ يَعْلَمْ) بِهِ (فَكَنَاسٍ) فَيَحْنَثُ فِي طَلَاقٍ وَعِتْقٍ (وَإِنْ عَلِمَ بِهِ وَلَمْ يَنْوِهِ) الْحَالِفُ بِالسَّلَامِ (وَلَمْ يَسْتَثْنِهِ) الْحَالِفُ (بِقَلْبِهِ وَلَا بِلِسَانٍ كَأَنْ يَقُولَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ إلَّا فُلَانًا حَنِثَ) لِأَنَّهُ كَلَّمَهُ لِدُخُولِهِ فِي التَّسْلِيمِ عَلَيْهِمْ وَالسَّلَامُ كَلَامٌ لِمَا سَبَقَ وَفُلَانٌ مَرْسُومٌ فِي النُّسَخِ بِلَا أَلِفٍ فَيَخْرُجُ عَلَى لُغَةِ رَبِيعَةَ لِأَنَّهُ صَوَابٌ لَا غَيْر.
(وَ) إنْ حَلَفَ (لَا يَبْتَدِئُهُ بِكَلَامٍ فَتَكَلَّمَا مَعًا لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّهُ لَمْ يَبْتَدِئْهُ (بِخِلَافِ لَا كَلَّمْتُهُ حَتَّى يُكَلِّمَنِي أَوْ يَبْدَأنِي بِكَلَامٍ فَيَحْنَثُ بِكَلَامِهِمَا مَعًا) لِأَنَّ يَمِينَهُ هَذِهِ تَقْتَضِي تَرْتِيبَ كَلَامِهِ بِكَلَامِ فُلَانٍ فَإِذَا تَكَلَّمَا مَعًا لَمْ يُوجَدْ التَّرْتِيبُ فَيَحْنَثُ.