وَلَمْ يَرْتَفِعْ حَدَثُ الْيَدِ، لِمَا تَقَدَّمَ (وَإِنْ لَمْ يَنْوِ) الْمُتَوَضِّئُ (غَسْلَهَا فِيهِ) أَيْ فِي الْقَلِيلِ (فَطَهُورٌ) وَلَوْ لَمْ يَنْوِ الِاغْتِرَافَ، بِخِلَافِ الْجُنُبِ (لِمَشَقَّةِ تَكَرُّرِهِ) أَيْ الْوُضُوءِ بِخِلَافِ الْغُسْلِ (وَيَصِيرُ الْمَاءُ فِي الطَّهَارَتَيْنِ) الْكُبْرَى وَالصُّغْرَى (مُسْتَعْمَلًا بِانْتِقَالِهِ مِنْ عُضْوٍ إلَى) عُضْوٍ (آخَرَ بَعْدَ زَوَالِ اتِّصَالِهِ) عَنْ الْعُضْوِ (لَا بِتَرَدُّدِهِ عَلَى الْأَعْضَاءِ الْمُتَّصِلَةِ) ؛ لِأَنَّ بَدَنَ الْجُنُبِ كَالْعُضْوِ الْوَاحِدِ، فَانْتِقَالُ الْمَاءِ مِنْ عُضْوٍ إلَى آخَرَ كَتَرَدُّدِهِ عَلَى عُضْوٍ وَاحِدٍ بِخِلَافِ أَعْضَاءِ الْمُحْدِثِ، فَإِنَّهَا مُتَغَايِرَةٌ وَلِذَلِكَ اُعْتُبِرَ لِغَسْلِهَا التَّرْتِيبُ.
(وَإِنْ غُسِلَتْ بِهِ) أَيْ الطَّهُورُ (نَجَاسَةٌ فَانْفَصَلَ مُتَغَيِّرًا بِهَا) فَنَجِسٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ إلَّا مَا غَلَبَ عَلَى لَوْنِهِ وَطَعْمِهِ وَرِيحِهِ» .
وَالْوَاوُ هُنَا بِمَعْنَى أَوْ (أَوْ) انْفَصَلَ غَيْرُ مُتَغَيِّرٍ (قَبْلَ زَوَالِهَا) أَيْ النَّجَاسَةِ، كَالْمُنْفَصِلِ مِنْ السَّادِسَةِ فَمَا دُونَهَا (وَهُوَ يَسِيرٌ فَنَجِسٌ) ؛ لِأَنَّهُ مُلَاقٍ لِنَجَاسَةٍ لَمْ يُطَهِّرْهَا أَشْبَهَ مَا لَوْ وَرَدَتْ عَلَيْهِ (وَإِنْ انْفَصَلَ) الْقَلِيلُ (غَيْرَ مُتَغَيِّرٍ بَعْدَ زَوَالِهَا) أَيْ النَّجَاسَةِ كَالْمُنْفَصِلِ (عَنْ مَحِلِّ طُهْرٍ، أَرْضًا كَانَ) الْمَحِلُّ (أَوْ غَيْرَهَا فَطَهُورٌ، إنْ كَانَ قُلَّتَيْنِ) فَأَكْثَرَ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ «إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ الْخَبَثَ» وَعَدَمُ سَلْبِ الطَّهُورِيَّةِ أَوْلَى (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ كَانَ دُونَ قُلَّتَيْنِ (فَطَاهِرٌ) لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَمَرَ أَنْ يُصَبَّ عَلَى بَوْلِ الْأَعْرَابِيِّ ذَنُوبٌ مِنْ مَاءٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَلَوْلَا أَنَّهُ يَطْهُرُ لَكَانَ تَكْثِيرًا لِلنَّجَاسَةِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ، أَنْ تُنَشَّفَ أَعْيَانُ الْبَوْلِ أَوْ لَا لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ نُشَافِهْ وَعَدَمِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنَّمَا أَمَرَ عَقِبَ الْبَوْلِ، ذَكَرَهُ فِي الشَّرْحِ وَغَيْرُ الْأَرْضِ يُقَاسُ عَلَيْهَا،؛ وَلِأَنَّهُ بَعْضُ الْمُتَّصِلِ، وَهُوَ طَاهِرٌ بِالْإِجْمَاعِ.
(وَإِنْ خَلَتْ امْرَأَةٌ) مُكَلَّفَةٌ (وَلَوْ كَافِرَةٌ) حُرَّةٌ أَوْ أَمَةٌ (لَا) إنْ خَلَتْ بِهِ (مُمَيِّزَةٌ) أَوْ مُرَاهِقَةٌ (أَوْ خُنْثَى مُشْكِلٌ) لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ رَجُلًا (بِمَاءٍ) مُتَعَلِّقٌ بِخَلَتْ (لَا) إنْ خَلَتْ (بِتُرَابٍ تَيَمَّمَتْ بِهِ) فَلَا تُؤَثِّرْ خَلَوْتُهَا بِهِ لِعَدَمِ النَّصِّ (دُونَ قُلَّتَيْنِ) صِفَةٌ لِمَاءٍ (لِطَهَارَةٍ كَامِلَةٍ) لَا لِبَعْضِ طَهَارَةٍ (عَنْ حَدَثٍ) أَصْغَرَ أَوْ أَكْبَرَ (لَا) عَنْ (خَبَثٍ وَشُرْبٍ وَطُهْرٍ مُسْتَحَبٍّ فَطَهُورٌ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مَا يَسْلُبُهُ ذَلِكَ، فَوَجَبَ بَقَاؤُهُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ (وَلَا يَرْفَعُ حَدَثَ رَجُلٍ) ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى أَنْ يَتَوَضَّأَ الرَّجُلُ بِفَضْلِ طَهُورِ الْمَرْأَةِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.
وَأَمَّا حَدِيثُ مُسْلِمٍ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَغْتَسِلُ بِفَضْلِ مَيْمُونَةَ» فَمَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَخْلُ بِهِ، كَمَا أَنَّ الْأُوَلَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا خَلَتْ بِهِ، جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ الْمُنَجَّا