{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} [النساء: 93] الْآيَةَ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: الثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (وَأَمْرُهُ) أَيْ الْقَاتِلِ (إلَى اللَّهِ إنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] (وَتَوْبَتُهُ مَقْبُولَةٌ) لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ، وَقَالَهُ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ.
وَخَالَفَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا} [النساء: 93] الْآيَةَ وَهِيَ مِنْ آخِرِ مَا نَزَلَ لَمْ يَنْسَخْهُمَا شَيْءٌ وَحُجَّةُ الْأَكْثَرِ أَنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ فَهُوَ تَحْتَ الْمَشِيئَةِ وَالْآيَةُ الْأُولَى مَحْمُولَةٌ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ مُسْتَحِلًّا وَلَمْ يَتُبْ أَوْ عَلَى أَنَّ هَذَا جَزَاؤُهُ إنْ جَازَاهُ، وَلَهُ الْعَفْوُ إنْ شَاءَ لَا يُقَالُ لَفْظُ الْآيَةِ لَفْظُ الْخَبَرِ، وَالْأَخْبَارُ لَا يَدْخُلُهَا النَّسْخُ لِأَنَّا نَقُولُ يَدْخُلُهَا التَّخْصِيصُ وَالتَّأْوِيلُ (وَلَا يَسْقُطُ حَقُّ الْمَقْتُولِ فِي الْآخِرَةِ بِمُجَرَّدِ التَّوْبَةِ) كَسَائِرِ حُقُوقِهِ.
(قَالَ الشَّيْخُ: فَعَلَى هَذَا يَأْخُذُ الْمَقْتُولُ مِنْ حَسَنَاتِ الْقَاتِلِ بِقَدْرِ مَظْلِمَتِهِ) بِكَسْرِ اللَّامِ وَفَتْحِهَا.
(فَإِنْ اُقْتُصَّ) لِلْمَقْتُولِ مِنْ الْقَاتِلِ أَوْ عَفَا عَنْهُ أَيْ عَفَا وَلِيُّهُ عَنْ الْقِصَاصِ (فَهَلْ يُطَالِبُهُ الْمَقْتُولُ فِي الْآخِرَةِ عَلَى وَجْهَيْنِ) أَحَدُهُمَا يُطَالِبُهُ وَيُؤَيِّدُهُ مَا.
(قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي حَدِيثِ صَاحِبِ النِّسْعَةِ وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ مَشْهُورٌ) فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّمَا تُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِكَ وَإِثْمِ صَاحِبِكِ» (فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ قَتْلَ الْقِصَاصِ لَا يُكَفِّرُ ذَنْبَ الْقَاتِلِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَإِنْ كَفَّرَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ فَهُوَ) أَيْ قَتْلُ الْقِصَاصِ (كَفَّارَةٌ لَهُ) أَيْ لِحَقِّ اللَّهِ (وَيَبْقَى حَقُّ الْمَقْتُولِ) فَلَهُ الطَّلَبُ بِهِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ فِي بَابِ النُّونِ مَعَ السِّينِ: النِّسْعَةُ بِالْكَسْرِ سَيْرٌ مَضْفُورٌ يُجْعَلُ زِمَامًا لِلْبَعِيرِ وَغَيْرِهِ، وَقَدْ يُنْسَجُ عَرِيضَةً تُجْعَلُ عَلَى صَدْرِ الْبَعِيرِ (وَيَأْتِي فِي بَابِ الْمُرْتَدِّ لَهُ تَتِمَّةٌ) وَتَوْضِيحٌ.
(وَالْقَتْلُ) وَهُوَ فِعْلُ مَا يَكُونُ سَبَبًا لِزُهُوقِ النَّفْسِ وَهُوَ مُفَارَقَةُ الرُّوحِ الْبَدَنَ (ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ) أَحَدُهَا (عَمْدٌ يَخْتَصُّ الْقِصَاصُ بِهِ) دُونَ قَسِيمَيْهِ.
(وَ) الثَّانِي (شِبْهُ عَمْدٍ وَ) الثَّالِثُ (خَطَأٌ) وَهَذَا تَقْسِيمُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَأَنْكَرَ مَالِكٌ شِبْهَ الْعَمْدِ وَقَالَ: " لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ إلَّا الْعَمْدُ وَالْخَطَأُ "