قَالَ ابْنُ الْمُنْذِر هَذِهِ نَفَقَةٌ وَجَبَتْ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَلَا يَزُولُ مَا وَجَبَ بِهَذِهِ الْحُجَجِ إلَّا بِمِثْلِهَا وَالْكُسْوَةُ وَالسُّكْنَى كَالنَّفَقَةِ ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى.
(وَإِذَا أَنْفَقَتْ) الزَّوْجَةُ (فِي غَيْبَتِهِ مِنْ مَالِهِ فَبَانَ) الزَّوْجُ (مَيِّتًا رَجَعَ عَلَيْهَا الْوَارِثُ) بِمَا أَنْفَقَتْهُ مُنْذُ مَاتَ، لِأَنَّ وُجُوبَ النَّفَقَةِ ارْتَفَعَ بِمَوْتِ الزَّوْجِ فَلَا تَسْتَحِقُّ مَا قَبَضَتْهُ مِنْ النَّفَقَةِ بَعْدَ مَوْتِهِ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ وَعَلَى قِيَاسِهِ كُلُّ مَنْ أُبِيحَ لَهُ شَيْءٌ وَزَالَتْ الْإِبَاحَةُ بِفِعْلِ اللَّهِ أَوْ بِفِعْلِ الْمُبِيحِ كَالْمُعِيرِ إذَا مَاتَ أَوْ رَجَعَ وَالْمَانِحِ وَأَهْلِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ.
(وَإِنْ فَارَقَهَا) الزَّوْجُ بَائِنًا (فِي غَيْبَتِهِ فَأَنْفَقَتْ مِنْ مَالِهِ رَجَعَ) الزَّوْجُ (عَلَيْهَا بِمَا بَعْدَ الْفُرْقَةِ) الثَّانِيَةِ لِمَا سَبَقَ (وَتَقَدَّمَ مَعْنَاهُ فِي الْعِدَدِ فِي امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ إذَا أَنْفَقَتْ) مِنْ مَالِهِ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ كَانَ مَاتَ أَوْ طَلَّقَ انْتَهَى.
(فَصْلٌ وَإِذَا بَذَلَتْ) الزَّوْجَةُ تَسْلِيمَ نَفْسِهَا (الْبَذْلُ التَّامُّ) بِأَنْ لَا تُسَلِّمَ فِي مَكَان دُونَ آخَر أَوْ بَلَدٍ دُونَ آخَر بَلْ بَذَلَتْ نَفْسَهَا حَيْثُ شَاءَ مِمَّا يَلِيقُ بِهَا (وَهِيَ مَنْ يُوطَأُ مِثْلُهَا) كَذَا أَطْلَقَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا تَبَعًا لِلْخِرَقِيِّ وَأَبِي الْخَطَّابِ وَابْنُ عَقِيلِ وَالْمُوَفَّقِ وَالشِّيرَازِيِّ وَأَنَاطَ الْقَاضِي ذَلِكَ بِابْنَةِ تِسْعَ سِنِينَ وَتَبِعَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَهُوَ مُقْتَضَى نَصِّ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ وَعَبْدِ اللَّهِ وَسُئِلَ مَتَى يُؤْخَذُ مِنْ الرَّجُلِ نَفَقَةُ الصَّغِيرَةِ فَقَالَ إذَا كَانَ مِثْلهَا يُوطَأُ كَبِنْتِ تِسْعِ سِنِينَ وَيُمْكِنُ حَمْلُ الْإِطْلَاقِ عَلَى هَذَا لِقَوْلِ عَائِشَةَ " إذَا بَلَغَتْ الْجَارِيَةُ تِسْعًا فَهِيَ امْرَأَةٌ.
(أَوْ بَذَلَهُ) أَيْ التَّسْلِيمَ (وَلِيُّهَا أَوْ اسْتَلَمَ مَنْ يَلْزَمُهُ تَسَلُّمِهَا) وَهِيَ الَّتِي يُوطَأُ مِثْلُهَا (لَزِمَتْهُ النَّفَقَةُ وَالْكُسْوَةُ كَبِيرًا كَانَ الزَّوْجُ أَوْ صَغِيرًا) وَسَوَاءٌ كَانَ (يُمْكِنُهُ الْوَطْءَ أَوْ لَا يُمْكِنُهُ كَالْعِنِّينِ وَالْمَجْبُوبِ وَالْمَرِيضِ) لِأَنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ فِي مُقَابَلَةِ الِاسْتِمْتَاعِ وَقَدْ أَمْكَنَتْهُ مِنْ ذَلِكَ كَالْمُؤَجَّرِ إذَا أَسْلَمَ الْمُؤَجَّرَةَ أَوْ بَذَلَهُ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ النَّفَقَةَ لَا تَجِبُ بِالْعَقْدِ وَلَوْ تَسَاكَنَا طَوِيلًا وَيَأْتِي مَا لَمْ تَبْذُلْ وَتُسَلِّمْ فَتَجِبُ (حَتَّى وَلَا تَعَذَّرَ وَطْؤُهَا لِمَرَضٍ أَوْ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ أَوْ رَتْقٍ أَوْ قَرْنٍ أَوْ لِكَوْنِهَا نِضْوَةَ الْخَلْقِ) أَيْ هَزِيلَةً (أَوْ حَدَثَ بِهَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ الْمَرَضِ أَوْ الْحَيْضِ أَوْ النِّفَاسِ أَوْ الرَّتْقِ وَنَحْوِهِ (عِنْدَهُ) أَيْ الزَّوْجِ لِأَنَّ الِاسْتِمْتَاعَ مُمْكِنٌ وَلَا تَفْرِيطَ مِنْ جِهَتِهَا وَلَوْ بَذَلَتْ الصَّحِيحَةُ الِاسْتِمْتَاعَ بِمَا دُونَ الْفَرْجِ لَمْ تَجِبْ نَفَقَتُهَا.
(لَكِنْ لَوْ