الْكِتَابَةُ (مَنْدُوبَةٌ لِمَنْ يَعْلَمُ) سَيِّدُهُ (فِيهِ خَيْرًا وَهُوَ الْكَسْبُ وَالْأَمَانَةُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] قَالَ أَحْمَدُ: الْخَيْرُ صِدْقٌ وَصَلَاحٌ وَوَفَاءٌ بِمَالِ الْكِتَابَةِ وَالْآيَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى النَّدْبِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ» وَلِأَنَّهُ دُعَاءٌ إلَى إزَالَةِ مِلْكٍ بِعِوَضٍ، فَلَمْ يُجْبَرْ السَّيِّدُ عَلَيْهِ (كَالْبَيْعِ) .
(وَتُكْرَهُ كِتَابَةُ مَنْ لَا كَسْبَ لَهُ) لِئَلَّا يَصِيرَ كَلًّا عَلَى النَّاسِ وَيَحْتَاجَ إلَى السُّؤَالِ وَتَقَدَّمَ بِأَوْضَحَ مِنْ هَذَا.
(وَلَا تَصِحُّ كِتَابَةُ الْمَرْهُونِ) بَعْدَ قَبْضِهِ لِأَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فِيهِ لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ كَمَا لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَوَقْفُهُ.
(وَالْكِتَابَةُ فِي الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ) لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ فَهِيَ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ (وَاخْتَارَ الْمُوَفَّقُ وَجُمُوعٌ) مِنْهُمْ صَاحِبُ الْمُبْدِعِ (أَنَّهَا) أَيْ الْكِتَابَةَ (فِي الْمَرَضِ الْمَخُوفِ مِنْ الثُّلُثِ) لِأَنَّ مَا يَأْخُذُهُ عِوَضًا مِنْ كَسْبِ عَبْدِهِ وَهُوَ مَالٌ لَهُ فَصَارَ كَالْعِتْقِ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَتَقَدَّمَ حُكْمُ الْمُحَابَاةِ فِيهَا.
(وَلَوْ كَاتَبَهُ فِي الصِّحَّةِ وَأَسْقَطَ دَيْنَهُ) فِي مَرَضِهِ الْمَخُوفِ (أَوْ) كَاتَبَهُ فِي الصِّحَّةِ وَ (أَعْتَقَهُ فِي مَرَضِهِ اُعْتُبِرَ خُرُوجُ الْأَقَلِّ مِنْ رَقَبَتِهِ أَوْ دَيْنِهِ مِنْ الثُّلُثِ) لِأَنَّ الْعِتْقَ إبْرَاءٌ وَالْإِبْرَاءُ عِتْقٌ، فَاعْتُبِرَ أَقَلُّهُمَا وَأُلْغِيَ الْآخَرُ.
(وَلَوْ وَصَّى بِعِتْقِهِ) أَيْ الْمُكَاتَبِ (أَوْ أَبْرَأَهُ) الْمَرِيضُ مَرَضَ الْمَوْتِ الْمَخُوفِ وَنَحْوَهُ (مِنْ الدَّيْنِ) أَيْ دَيْنِ الْكِتَابَةِ (اُعْتُبِرَ) خُرُوجُ (أَيِّهِمَا) أَيْ رَقَبَتِهِ أَوْ دَيْنِهِ (مِنْ ثُلُثِهِ) لِمَا تَقَدَّمَ (وَلَوْ حَمَلَ الثُّلُثُ بَعْضَهُ) أَيْ بَعْضَ مَا عَلَيْهِ مِنْ دَيْنِ الْكِتَابَةِ (عَتَقَ) مِنْهُ بِقَدْرِ مَا حَمَلَهُ الثُّلُثُ لِعَدَمِ الْمَانِعِ (وَبَاقِيهِ عَلَى الْكِتَابَةِ) إنْ لَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ.
(وَلَا تَصِحُّ) الْكِتَابَةُ (إلَّا بِقَوْلٍ) بِأَنْ يَقُولَ السَّيِّدُ لِمَنْ يُرِيدُ أَنْ يُكَاتِبَهُ كَاتَبْتُك عَلَى كَذَا لِأَنَّهَا إمَّا بَيْعٌ أَوْ تَعْلِيقٌ لِلْعِتْقِ عَلَى الْأَدَاءِ، وَكِلَاهُمَا يُشْتَرَطُ لَهُ الْقَوْلُ إذْ لَا مَدْخَلَ لِلْمُعَاطَاةِ هُنَا (مِنْ جَائِزِ التَّصَرُّفِ) لِأَنَّهَا عِتْقُ مُعَاوَضَةٍ كَالْبَيْعِ (وَإِنْ كَانَتْ مَعَ قَبُولِهِ) أَيْ الْمُكَاتَبِ لِأَنَّهَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَتَوَقَّفَتْ عَلَى الْقَبُولِ كَالْبَيْعِ.
(وَإِنْ كَاتَبَ) السَّيِّدُ (الْمُمَيِّزُ رَقِيقَهُ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ صَحَّ) الْعَقْدُ وَبِغَيْرِ إذْنِهِ لَا يَصِحُّ، لِأَنَّ الْكِتَابَةَ تَصَرُّفٌ فِي الْمَالِ فَلَمْ تَصِحَّ مِنْ الْمُمَيِّزِ إلَّا بِإِذْنِ وَلِيِّهِ كَالْبَيْعِ (وَإِنْ كَاتَبَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ الْمُمَيِّزَ صَحَّ) الْعَقْدُ لِأَنَّهُ يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ وَبَيْعُهُ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ، فَصَحَّتْ كِتَابَتُهُ كَالْمُكَلَّفِ، لِأَنَّ تَعَاطِيَ السَّيِّدِ الْعَقْدَ مَعَهُ إذْنٌ لَهُ فِي قَبُولِهِ.
وَ (لَا) يَصِحُّ أَنْ يُكَاتِبَ رَقِيقًا (مَجْنُونًا أَوْ طِفْلًا غَيْرَ مُمَيِّزٍ) لِأَنَّ قَبُولَهُمَا غَيْرُ مُعْتَدٍّ