يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِمْ حِفْظُ جَمِيعِ أَمْوَالِهِمْ بِأَنْفُسِهِمْ (وَالْإِيدَاعُ تَوْكِيلُ) رَبِّ الْمَالِ جَائِزُ التَّصَرُّفِ (فِي حِفْظِهِ تَبَرُّعًا) مِنْ الْحَافِظِ (وَالِاسْتِيدَاعُ تَوَكُّلٌ) جَائِزُ التَّصَرُّفِ (فِي حِفْظِهِ) أَيْ: حِفْظِ مَالِ غَيْرِهِ (كَذَلِكَ) أَيْ: تَبَرُّعًا (بِغَيْرِ تَصَرُّفٍ) فِي الْمَالِ الْمَحْفُوظِ وَمُحْتَرَزُ تِلْكَ الْقُيُودِ عُلِمَ مِمَّا قَدَّمْتُهُ (وَيَكْفِي الْقَبْضُ قَبُولًا) لِلْوَدِيعَةِ كَالْوَكَالَةِ.
(وَقَبُولُهَا) أَيْ: الْوَدِيعَةِ (مُسْتَحَبٌّ لِمَنْ يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ الْأَمَانَةَ) أَيْ: أَنَّهُ ثِقَةٌ قَادِرٌ عَلَى حِفْظِهَا، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَاَللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ» قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَيُكْرَهُ لِغَيْرِهِ إلَّا بِرِضَا رَبِّهَا انْتَهَى قُلْتُ: وَلَعَلَّ الْمُرَادَ إعْلَامُهُ بِذَلِكَ إنْ كَانَ لَا يَعْلَمُهُ لِئَلَّا يَغُرَّهُ.
(هِيَ) أَيْ: الْوَدِيعَةُ بِمَعْنَى الْعَقْدِ (عَقْدٌ جَائِزٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ) ؛ لِأَنَّهَا نَوْعٌ مِنْ الْوَكَالَةِ (فَإِنْ أَذِنَ الْمَالِكُ) لِلْمَدْفُوعِ إلَيْهِ الْمَالُ (فِي التَّصَرُّفِ) أَيْ: اسْتِعْمَالِهِ (فَفَعَلَ) أَيْ: اسْتَعْمَلَهُ حَسَبِ الْإِذْنِ (صَارَتْ عَارِيَّةً مَضْمُونَةً) كَالرَّهْنِ إذَا أَذِنَ رَبُّهُ لِلْمُرْتَهِنِ فِي اسْتِعْمَالِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَعْمِلْهَا فَهِيَ أَمَانَةٌ؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ غَيْرُ مَقْصُودٍ وَلَمْ يُوجَدْ، فَوَجَبَ تَغْلِيبُ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ.
(وَيُشْتَرَطُ فِيهَا) أَيْ: الْوَدِيعَةِ (أَرْكَانُ وَكَالَةٍ) أَيْ: مَا يُعْتَبَرُ فِي الْوَكَالَةِ مِنْ الْبُلُوغِ وَالْعَقْلِ وَالرُّشْدِ.
(وَتَنْفَسِخُ) الْوَدِيعَةُ (بِمَوْتِ) أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ (وَجُنُونِ) هـ (وَ) بِ (عَزْلٍ مَعَ عِلْمِهِ) بِالْعَزْلِ، فَإِنْ عَزَلَهُ رَبُّهَا وَلَمْ يَعْلَمْ الْمُودَعُ بِذَلِكَ لَمْ يَنْعَزِلْ، لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِيهِ، إذْ الْمَالُ بِيَدِهِ أَمَانَةً لَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ.
(وَهِيَ) أَيْ: الْوَدِيعَةُ (أَمَانَةٌ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} [البقرة: 283] (لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ) أَيْ: الْمُودَعِ (فِيهَا) أَيْ: الْوَدِيعَةِ لِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ أَوْدَعَ وَدِيعَةً فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ؛ وَلِأَنَّ الْمُسْتَوْدَعَ يَحْفَظُهَا لِمَالِكِهَا، فَلَوْ ضُمِنَتْ لَامْتَنَعَ النَّاسُ مِنْ الدُّخُولِ فِيهَا، وَذَلِكَ مُضِرٌّ، لِمَا فِيهِ مِنْ مَسِيسِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا (إلَّا أَنْ يَتَعَدَّى) الْوَدِيعُ (أَوْ يُفَرِّطَ) أَيْ: يُقَصِّرَ فِي حِفْظِ الْوَدِيعَةِ فَيَضْمَنُهَا؛ لِأَنَّ الْمُتَعَدِّي مُتْلِفٌ لِمَالِ غَيْرِهِ فَضَمِنَهُ، كَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ مِنْ غَيْرِ إيدَاعٍ، وَالْمُفَرِّطُ مُتَسَبِّبٌ بِتَرْكِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ حِفْظِهَا (فَإِنْ عَزَلَ) الْوَدِيعُ (نَفْسَهُ فَ) قَدْ انْعَزَلَ،؛ لِأَنَّهَا جَائِزَةٌ، أَشْبَهَ مَا لَوْ عَزَلَهُ رَبُّهَا.
وَ (هِيَ) أَيْ: الْوَدِيعَةُ (بَعْدَهُ) أَيْ: بَعْدَ عَزْلِهِ نَفْسَهُ (أَمَانَةٌ حُكْمُهَا) مَا دَامَتْ (فِي يَدِهِ حُكْمُ الثَّوْبِ الَّذِي أَطَارَتْهُ الرِّيحُ إلَى دَارِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَدَّ بِوَضْعِ يَدِهِ عَلَيْهَا وَإِذْنُ