[فَصْلٌ فِي جِنَايَة الرَّهْنُ]

فَصْلٌ وَإِنْ جَنَى الرَّهْنُ كَالْعَبْدِ جِنَايَةً مُوجِبَةً لِلْمَالِ كَالْخَطَأِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ (عَلَى بَدَنٍ أَوْ مَالٍ تَسْتَغْرِقُ) جِنَايَتُهُ (قِيمَتَهُ) أَيْ: قِيمَةَ الرَّهْنِ (تَعَلَّقَ أَرْشُهَا بِرَقَبَتِهِ) أَيْ: بِرَقَبَةِ الْجَانِي.

(وَقُدِّمَتْ عَلَى حَقِّ الْمُرْتَهِنِ) قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ وَمَعْنَاهُ فِي الْمُغْنِي؛ لِأَنَّهَا مُقَدَّمَةٌ عَلَى حَقِّ الْمَالِكِ، وَالْمِلْكُ أَقْوَى مِنْ الرَّهْنِ فَأَوْلَى أَنْ تُقَدَّمَ عَلَى الرَّهْنِ لَا يُقَالُ: حَقُّ الْمُرْتَهِنِ مُقَدَّمٌ أَيْضًا عَلَى حَقِّ الْمَالِكِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ ثَبَتَ مِنْ جِهَةِ الْمَالِكِ بِعَقْدِهِ بِخِلَافِ حَقِّ الْجِنَايَةِ، فَإِنَّهُ ثَبَتَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ مُقَدَّمًا عَلَى حَقِّهِ فَقُدِّمَ عَلَى مَا ثَبَتَ بِعَقْدٍ؛ وَلِأَنَّ حَقَّ الْجِنَايَةِ يَخْتَصُّ بِالْعَيْنِ فَيَسْقُطُ بِفَوَاتِهَا وَحُقُّ الْمُرْتَهِنِ لَا يَسْقُطُ بِفَوَاتِ الْعَيْنِ، وَلَا يَخْتَصُّ بِهَا، فَكَانَ تَعَلُّقُهُ بِهَا أَحَقَّ وَأَوْلَى.

(وَخُيِّرَ سَيِّدُهُ بَيْنَ فِدَائِهِ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ أَرْشِ جِنَايَتِهِ) ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْأَرْشُ أَقَلَّ فَالْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ لَا يَسْتَحِقُّ أَكْثَرَ مِنْ أَرْشِ جِنَايَتِهِ وَإِنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ أَقَلَّ فَلَا يَلْزَمُ السَّيِّدَ أَكْثَرُ مِنْهَا؛ لِأَنَّ مَا يَدْفَعُهُ عِوَضٌ عَنْ الْعَبْدِ فَلَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِنْ قِيمَتِهِ كَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ.

(وَيَبْقَى الرَّهْنُ بِحَالِهِ) ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ قَائِمٌ لِوُجُودِ سَبَبِهِ وَإِنَّمَا قُدِّمَ حَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ لِقُوَّتِهِ فَإِذَا زَالَ ظَهَرَ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ (وَبَيْنَ بَيْعِهِ) أَيْ: الْجَانِي (فِي الْجِنَايَةِ أَوْ تَسْلِيمِهِ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ فَيَمْلِكُهُ وَيَبْطُلُ الرَّهْنُ فِيهِمَا) أَيْ: فِيمَا إذَا بَاعَهُ أَوْ سَلَّمَهُ لِوَلِيِّهَا؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ تَعَلَّقَتْ بِالْعَبْدِ وَبِالْبَيْعِ فِيهَا، أَوْ تَسْلِيمِهِ لِوَلِيِّهَا، اسْتَقَرَّ كَوْنُهُ عِوَضًا عَنْهَا فَبَطَلَ كَوْنُهُ مَحِلًّا لِلرَّهْنِ.

(فَإِنْ لَمْ يَسْتَغْرِقْ الْأَرْشُ قِيمَتَهُ) أَيْ: قِيمَةَ الْعَبْدِ (بِيعَ مِنْهُ) أَيْ: مِنْ الْعَبْدِ (بِقَدْرِهِ) أَيْ: الْأَرْشِ؛ لِأَنَّ بَيْعَهُ إنَّمَا جَازَ ضَرُورَةً فَيَتَقَيَّدُ بِقَدْرِ الْحَقِّ.

(وَبَاقِيه) أَيْ: الْعَبْدِ رَهْنٌ لِزَوَالِ الْمُعَارِضِ (فَإِنْ تَعَذَّرَ بَيْعُ بَعْضِهِ) أَيْ: الْعَبْدِ (بِيعَ كُلُّهُ) لِلضَّرُورَةِ وَكَذَا إنْ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ بِتَشَقُّصٍ (وَيَكُونُ بَاقِي ثَمَنِهِ رَهْنًا) مَكَانَهُ.

(وَإِنْ فَدَاهُ) أَيْ: الْجَانِي (مُرْتَهِنٌ بِإِذْنِ رَاهِنٍ غَيْرُ مُتَبَرِّعٍ) بِفِدَائِهِ رَجَعَ بِهِ أَيْ: بِفِدَائِهِ لِأَدَائِهِ بِإِذْنِ مَالِكِهِ كَمَا لَوْ قَضَى عَنْهُ دَيْنَهُ بِإِذْنِهِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ بِإِذْنِ مَالِكِهِ (لَمْ يَرْجِعْ وَلَوْ نَوَى الرُّجُوعَ، حَتَّى وَلَوْ تَعَذَّرَ اسْتِئْذَانُهُ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الِافْتِدَاءُ هُنَا) بِخِلَافِ النَّفَقَةِ عَلَيْهِ وَكَذَا لَا يَرْجِعُ إذَا كَانَ بِإِذْنِ الْمَالِكِ وَنَوَى التَّبَرُّعُ.

(فَإِنْ فَدَاهُ)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015