مِنْ الْفِرَارِ (بَلْ يُسْتَحَبُّ) الثَّبَاتُ لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ، وَلَمْ يَجِبْ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَأْمَنُونَ الْعَطَبَ (كَمَا لَوْ ظَنُّوا الْهَلَاكَ فِيهِمَا) أَيْ: فِي الْفِرَارِ وَالثَّبَاتِ (فَ) يُسْتَحَبُّ الثَّبَاتُ وَأَنْ (يُقَاتِلُوا، وَلَا يَسْتَأْسِرُوا قَالَ) الْإِمَامُ (: أَحْمَدُ: مَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَسْتَأْسِرُوا وَقَالَ: يُقَاتِلُ أَحَبُّ إلَيَّ الْأَسْرُ شَدِيدٌ وَلَا بُدَّ مِنْ الْمَوْتِ وَقَالَ: يُقَاتِلُ، وَلَوْ أَعْطَوْهُ الْأَمَانَ، قَدْ لَا يَفُوا، وَإِنْ اسْتَأْسَرُوا جَازَ) .
قَالَ فِي الْبُلْغَةِ وَغَيْرِهَا: وَقَالَ عَمَّارٌ " " مَنْ اسْتَأْسَرَ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ " فَلِهَذَا قَالَ: الْآجُرِّيُّ: يَأْثَمُ، وَإِنَّهُ قَوْلُ أَحْمَدَ (فَإِنْ جَاءَ الْعَدُوُّ بَلَدًا فَلِأَهْلِهِ التَّحَصُّنُ مِنْهُمْ وَإِنْ كَانُوا) أَيْ: أَهْلُ الْحِصْنِ (أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِهِمْ، لِيَلْحَقَهُمْ مَدَدٌ أَوْ قُوَّةٌ) وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ تَوَلِّيًا وَلَا فِرَارًا إنَّمَا التَّوَلِّي بَعْدَ اللِّقَاءِ (وَإِنْ لَقُوهُمْ خَارِجَ الْحِصْنِ فَلَهُمْ التَّحَيُّزُ إلَى الْحِصْنِ) لِيَلْحَقَهُمْ مَدَدٌ أَوْ قُوَّةٌ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ التَّحَرُّفِ لِلْقِتَالِ أَوْ التَّحَيُّزِ لِفِئَةٍ.
(وَإِنْ غُزُوا فَذَهَبَتْ دَوَابُّهُمْ) لِشُرُودٍ أَوْ قَتْلٍ (فَلَيْسَ ذَلِكَ عُذْرًا فِي الْفِرَارِ) إذْ الْقِتَالُ مُمْكِنٌ بِدُونِهَا (وَإِنْ تَحَيَّزُوا إلَى جَبَلٍ لِيُقَاتِلُوا فِيهِ رَجَّالَةً جَازَ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ التَّحَرُّفِ لِلْقِتَالِ (وَإِنْ فَرُّوا) أَيْ: الْمُسْلِمُونَ (قَبْلَ إحْرَازِ الْغَنِيمَةِ، فَلَا شَيْءَ لَهُمْ إنْ أَحْرَزَهَا غَيْرُهُمْ) ؛ لِأَنَّ مِلْكَهَا لِمَنْ أَحْرَزَهَا.
(وَإِنْ قَالُوا) أَيْ: الْفَارُّونَ (إنَّهُمْ فَرُّوا مُتَحَرِّفِينَ لِلْقِتَالِ، فَلَا شَيْءَ لَهُمْ أَيْضًا) ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَشْهَدُوا الْوَاقِعَةَ حَالَ تَقَضِّي الْحَرْبِ، وَالِاعْتِبَارُ بِهِ كَمَا يَأْتِي (وَإِنْ أُلْقِيَ فِي مَرْكَبِهِمْ) أَيْ: الْمُسْلِمِينَ (نَارٌ فَاشْتَعَلَتْ، فَعَلُوا مَا يَرَوْنَ فِيهِ السَّلَامَةَ) ؛ لِأَنَّ حِفْظَ الرُّوحِ وَاجِبٌ، وَغَلَبَةُ الظَّنِّ كَالْيَقِينِ فِي أَكْثَرِ الْأَحْكَامِ فَهُنَا كَذَلِكَ (مِنْ الْمَقَامِ أَوْ الْوُقُوعِ فِي الْمَاءِ) لِيَتَخَلَّصُوا مِنْ النَّارِ (فَإِنْ شَكُّوا) فِي أَيِّهِمَا السَّلَامَةُ (فَعَلُوا مَا شَاءُوا) ؛ لِأَنَّهُمْ اُبْتُلُوا بِأَمْرَيْنِ، وَلَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ (كَمَا لَوْ تَيَقَّنُوا الْهَلَاكَ فِيهِمَا، أَوْ ظَنُّوهُ ظَنًّا مُتَسَاوِيًا أَوْ ظَنُّوا السَّلَامَةَ) فِيهِمَا (ظَنًّا مُتَسَاوِيًا) قَالَ أَحْمَدُ: كَيْفَ شَاءَ صَنَعَ.
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: هُمَا مَوْتَتَانِ فَاخْتَرْ أَيْسَرَهُمَا انْتَهَى وَهُمْ مُلْجِئُونَ إلَى الْإِلْقَاءِ، فَلَا يُنْسَبُ إلَيْهِمْ الْفِعْلُ بِوَجْهٍ، فَلَا يُقَالُ: أَلْقَوْا بِأَنْفُسِهِمْ إلَى التَّهْلُكَةِ.
(فَصْلٌ، وَيَجُوزُ تَبْيِيتُ الْكُفَّارِ وَهُوَ كَبْسُهُمْ لَيْلًا، وَقَتْلُهُمْ وَهُمْ غَارُّونَ) أَيْ: مَغْرُورُونَ.
(وَلَوْ قُتِلَ فِيهِ) أَيْ: فِي