فَإِنْ أَذِنَا لَك فَجَاهِدْ، وَإِلَّا فَبِرَّهُمَا» ؛ وَلِأَنَّ بِرَّهُمَا فَرْضُ عَيْنٍ وَالْجِهَادُ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَالْأَوَّلُ مُقَدَّمٌ.
(إلَّا أَنْ يَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ) الْجِهَادُ لِحُضُورِ الصَّفِّ، أَوْ حَصْرِ الْعَدُوِّ، أَوْ اسْتِنْفَارِ الْإِمَامِ لَهُ وَنَحْوِهِ (فَيَسْقُطُ إذْنُهُمَا وَإِذْنُ غَرِيمٍ) ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ فَرْضَ عَيْنٍ وَتَرْكُهُ مَعْصِيَةٌ (لَكِنْ يُسْتَحَبُّ لِلْمَدْيُونِ أَنْ لَا يَتَعَرَّضَ لِمَكَانِ الْقَتْلِ مِنْ الْمُبَارَزَةِ وَالْوُقُوفِ فِي أَوَّلِ الْمُقَاتِلَةِ) ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَغْرِيرًا بِتَفْوِيتِ الْحَقِّ (وَلَا طَاعَةَ لِلْوَالِدَيْنِ فِي تَرْكِ فَرِيضَةٍ، كَتَعَلُّمِ عِلْمٍ وَاجِبٍ يَقُومُ بِهِ دِينُهُ مِنْ طَهَارَةٍ وَصَلَاةٍ وَصِيَامٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ ذَلِكَ) أَيْ: مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ الْعِلْمِ (بِبَلَدِهِ فَلَهُ السَّفَرُ لِطَلَبِهِ بِلَا إذْنِهِمَا) أَيْ: أَبَوَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ (وَلَا إذْنَ لِجَدٍّ، وَلَا جَدَّةٍ) لِظَاهِرِ الْأَخْبَارِ، وَلَا لِلْكَافِرِينَ، لِفِعْلِ الصَّحَابَةِ وَلَا لِرَقِيقَيْنِ، لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ، وَلَا لِمَجْنُونَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا حُكْمَ لِقَوْلِهِمَا.
(فَإِنْ خَرَجَ فِي جِهَادِ تَطَوُّعٍ بِإِذْنِهِمَا ثُمَّ مَنَعَاهُ مِنْهُ بَعْدَ سَيْرِهِ وَقَبْلَ تَعْيِينِهِ عَلَيْهِ فَعَلَيْهِ الرُّجُوعُ) ؛ لِأَنَّهُ مَعْنًى لَوْ وُجِدَ فِي الِابْتِدَاءِ مُنِعَ، فَمُنِعَ إذَا وُجِدَ فِي أَثْنَائِهِ كَسَائِرِ الْمَوَانِعِ (إلَّا أَنْ يَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ فِي الرُّجُوعِ، أَوْ يَحْدُثَ لَهُ عُذْرٌ مِنْ مَرَضٍ وَنَحْوِهِ فَإِنْ أَمْكَنَهُ الْإِقَامَةُ فِي الطَّرِيقِ) أَقَامَ حَتَّى يَقْدِرَ عَلَى الرُّجُوعِ، فَيَرْجِعُ (وَإِلَّا مَضَى مَعَ الْجَيْشِ وَإِذَا حَضَرَ الصَّفَّ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ لِحُضُورِهِ، وَسَقَطَ إذْنُهُمَا وَإِنْ كَانَ رُجُوعُهُمَا عَنْ الْإِذْنِ بَعْدَ تَعْيِينِ الْجِهَادِ عَلَيْهِ لَمْ يُؤَثِّرْ شَيْئًا) لِعَدَمِ اعْتِبَارِ الْإِذْنِ إذَنْ.
(وَإِنْ كَانَا) أَيْ: الْأَبَوَانِ (كَافِرَيْنِ، فَأَسْلَمَا ثُمَّ مَنَعَاهُ كَانَ كَمَنْعِهِمَا بَعْدَ إذْنِهِمَا) عَلَى مَا تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ (وَكَذَا حُكْمُ الْغَرِيمِ) يَأْذَنُ ثُمَّ يَرْجِعُ (فَإِنْ عَرَضَ لِلْمُجَاهِدِ فِي نَفْسِهِ مَرَضٌ أَوْ عَمًى، أَوْ عَرَجٌ فَلَهُ الِانْصِرَافُ، وَلَوْ بَعْدَ الْتِقَاءِ الصَّفَّيْنِ) لِخُرُوجِهِ عَنْ أَهْلِيَّةِ الْوُجُوبِ (وَإِنْ أَذِنَ لَهُ أَبَوَاهُ فِي الْجِهَادِ، وَشَرَطَا عَلَيْهِ أَنْ لَا يُقَاتِلَ فَحَضَرَ الْقِتَالَ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ، وَسَقَطَ شَرْطُهُمَا) قُلْت: وَكَذَا لَوْ اسْتَنْفَرَهُ مَنْ لَهُ اسْتِنْفَارُهُ وَنَحْوُهُ مِمَّا يَتَعَيَّنُ بِهِ الْجِهَادُ عَلَيْهِ.
فَصْلٌ:، وَيَحْرُمُ فِرَارُ مُسْلِمٍ مِنْ كَافِرَيْنِ وَيَحْرُمُ فِرَارُ (جَمَاعَةٍ مِنْ مِثْلَيْهِمْ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} [الأنفال: 66]