الْهَدْيَ إهْدَاءً وَهُوَ (مَا يُهْدَى إلَى الْحَرَمِ مِنْ النَّعَمِ وَغَيْرِهَا) .
وَقَالَ ابْنُ الْمُنَجَّا: مَا يُذْبَحُ بِمِنًى سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُهْدَى لِلَّهِ تَعَالَى (وَالْأُضْحِيَّةُ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَتَخْفِيفِهَا وَيُقَالُ: ضَحِيَّةٌ كَسَرِيَّةٍ وَالْجَمْعُ ضَحَايَا وَيُقَالُ أَضْحَاهُ وَالْجَمْعُ أَضْحَى كَأَرْطَاةَ وَأَرْطَى نَقَلَهُ الْجَوْهَرِيُّ عَنْ الْأَزْهَرِيِّ وَهِيَ (مَا يُذْبَحُ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ) أَيْ: الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ الْأَهْلِيَّةِ (أَيَّامَ النَّحْرِ) الثَّلَاثَةِ وَلَيْلَتَيْ يَوْمَيْ التَّشْرِيقِ عَلَى مَا يَأْتِي (بِسَبَبِ الْعِيدِ) بِخِلَافِ مَا يُذْبَحُ بِسَبَبِ نُسُكٍ أَوْ إحْرَامٍ (تَقَرُّبًا إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يُجْزِئُ غَيْرُهَا) احْتِرَازًا عَمَّا يُذْبَحُ لِلْبَيْعِ وَنَحْوِهِ.
(يُسَنُّ لِمَنْ أَتَى مَكَّةَ أَنْ يَهْدِيَ هَدْيًا) لِفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ جَابِرٌ «فِي صِفَةِ حَجِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ جَمَاعَةُ الْهَدْيِ الَّذِي قَدِمَ بِهِ عَلِيٌّ مِنْ الْيَمَنِ وَاَلَّذِي أَتَى بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِائَةً» وَقَدْ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَبْعَثُ بِالْهَدْيِ إلَى مَكَّةَ وَيُقِيمُ هُوَ بِالْمَدِينَةِ» .
(وَالْأَفْضَلُ فِيهِمَا) أَيْ: فِي الْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَّةِ (إبِلٌ، ثُمَّ بَقَرٌ إنْ أَخْرَجَ كَامِلًا، ثُمَّ غَنَمٌ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ «رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ، ثُمَّ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ؛ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَمْلَحَ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ؛ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ؛ وَلِأَنَّ الْبُدْنَ أَكْثَرُ ثَمَنًا وَلَحْمًا وَأَنْفَعُ لِلْفُقَرَاءِ وَسُئِلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيُّ الرِّقَابِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ: أَغْلَاهَا ثَمَنًا وَأَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا» وَالْإِبِلُ أَغْلَى ثَمَنًا وَأَنْفَسُ مِنْ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ (ثُمَّ شِرْكُ) سَبْعٍ فَأَكْثَرَ (فِي بَدَنَةٍ، ثُمَّ شِرْكٌ فِي بَقَرَةٍ) ؛ لِأَنَّ إرَاقَةَ الدَّمِ مَقْصُودَةٌ فِي الْأُضْحِيَّةِ.
وَالْمُنْفَرِدُ تَقَرَّبَ بِإِرَاقَتِهِ كُلِّهِ (وَلَا يُجْزِئ فِي الْأُضْحِيَّةِ الْوَحْشِيُّ) إذْ لَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ بِهِ، مَعَ الْوُرُودِ (وَلَا) يُجْزِئُ أَيْضًا فِي الْأُضْحِيَّةِ مَنْ (أَحَدُ أَبَوَيْهِ وَحْشِيٌّ) تَغْلِيبًا لِجَانِبِ الْمَنْعِ (وَأَفْضَلُهَا) أَيْ: الْأَجْنَاسِ، أَيْ: أَفْضَلُ كُلِّ جِنْسٍ (أَسْمَنُ، ثُمَّ أَغْلَى ثَمَنًا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ " تَعْظِيمُهَا اسْتِسْمَانُهَا وَاسْتِحْسَانُهَا " وَلِأَنَّ ذَلِكَ أَعْظَمُ لِأَجْرِهَا وَأَكْثَرُ لِنَفْعِهَا.
(وَذَكَرٌ وَأُنْثَى سَوَاءٌ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ} [الحج: 34]