علم المنطق:

ويسمّى علم الميزان إذ به توزن الحجج والبراهين. وكان أبو علي (?) يسمّيه خادم العلوم إذ ليس مقصودا بنفسه، بل هو وسيلة إلى العلوم، فهو كخادم لها. وأبو نصر (?) يسمّيه رئيس العلوم لنفاذ حكمه فيها، فيكون رئيسا حاكما عليها. وإنّما سمّي بالمنطق لأن النطق يطلق على اللفظ وعلى إدراك الكليّات وعلى النفس الناطقة. ولما كان هذا الفن يقوّي الأول ويسلك بالثاني مسلك السّداد، ويحصل بسببه كمالات الثالث، اشتق له اسم منه وهو المنطق. وهو علم بقوانين تفيد معرفة طرق الانتقال من المعلومات إلى المجهولات وشرائطها، بحيث لا يعرض الغلط في الفكر. فالقانون يجيء بيانه في محله. والمعلومات تتناول الضرورية والنظرية. والمجهولات تتناول التصوّرية والتصديقية. وهذا أولى مما ذكره صاحب الكشف (?): تفيد معرفة طرق الانتقال من الضروريات إلى النظريات، لأنه يوهم بالانتقال الذاتي على ما يتبادر من العبارة، والمراد الأعمّ من أن يكون بالذات أو بالواسطة. والمراد بقولنا بحيث لا يعرض الغلط في الفكر عدم عروضه عند مراعاة القوانين كما لا يخفى، فإنّ المنطقي ربما يخطئ في الفكر بسبب الإهمال، هذا مفهوم التعريف.

واما احترازاته فالعلم كالجنس، وباقي القيود كالفصل احتراز عن العلوم التي لا تفيد معرفة طرق الانتقال، كالنحو والهندسة، فإن النحو إنما يبيّن قواعد كلية متعلقة بكيفية التلفّظ بلفظ العرب على وجه كلي، فإذا أريد أن يتلفظ بكلام عربي مخصوص على وجه صحيح احتيج إلى أحكام جزئية تستخرج من تلك القواعد كسائر الفروع من أصولها. فتقع هناك انتقالات فكرية من المعلوم إلى المجهول لا يفيد النحو معرفتها أصلا. وكذلك الهندسة يتوصل بمسائلها القانونية إلى مباحث الهيئة بأن تجعل تلك المسائل مبادئ الحجج التي تستدلّ (?) بها على تلك المباحث، وأما الأفكار الجزئية الواقعة في تلك الحجج فليست الهندسة مفيدة لمعرفتها قطعا. قيل التعريف دوري لأن معرفة طرق الاكتساب جزء من المنطق، فيتوقف تحققه على معرفة طرق الاكتساب؛ فلو كانت معرفتها مستفادة من المنطق توقفت عليه فلزم الدور.

وأجيب بأنّ جزء المنطق هو العلم بالطرق الكلية وشرائطها، لا العلم بجزئياتها المتعلّقة بالمواد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015